Thursday, September 2, 2010

أصول العقل الأمريكي وتطبيقاته الاقتصادية والسياسية والعسكرية

بقلم د ماجد عرسان الكيلاني
الأصل المعيشي أو مفهوم الحياة:

العلاقة التي تقيمها الفلسفات الأمريكية المعاصرة بين الإنسان والحياة هي علاقة المتعة والاستهلاك. والأمريكي يسر بلذة الاستهلاك إلى درجة العمى عن الإثم والفحشاء. ولذلك يتجاوز البحث عن اللذة ميادين المباح إلى اقتراف الحرام والسخرية من الحلال.
ونتيجة لهذا التصور تكاملت مؤسسات التربية والإعلام والسياسة في إخراج الإنسان المنتج – المستهلك، وصارت شبكة علاقاته الاجتماعية في الداخل وشبكة علاقاته الإنسانية مع الخارج محكومة بهذه النظرة.
ومع أن التربية الأمريكية قد نجحت إلى حد كبير وغير مسبوق في رفع كفاءة الفرد الإنتاجية والاستهلاكية إلا أنها – وهي تعمل لتوفير المتعة المنشودة له – خلقت له بدلها مشكلات اجتماعية وأخطاراً بيئية وصحية وسياسية تنذر بتدمير البيئة المحيطة به وتدمير حياته.

فمنذ عقد الثمانينات – من القرن الماضي – بدأ علماء البيئة Ecologists يطلقون التحذيرات من الأخطار التي تهدد البيئة الطبيعية في الكرة الأرضية قاطبة نتيجة لعمليات الإنتاج والاستهلاك المسرفة المفرطة. وتوالت الدراسات المرعبة عن آثار التلوث ونفايات المصانع والشركات في القارة الأمريكية، ومن الذين انتقدوا الإسراف في تدمير البيئة عالم البيئة الشهير – رينيه دوبر – الذي وصف القائمين على إدارة الحياة الأمريكية بمختلف أشكالها بالجنون والجريمة. ومن أقواله في هذا الشأن:

(يجب اعتبار أكثر الناس في أقطار المدينة الغربية – وخاصة أمريكا المعاصرة – من الجانحين، لأنهم يتصرفون وكأن المقياس الوحيد للسلوك هو إرضاء رغباتهم وغرائزهم الآنية دون النظر إلى عواقب ذلك على الطبيعة والذراري).

وانتشر التذمر من تلوث البيئة حتى أن – المستر ألجور – مرشح الديموقراطيين ضد الرئيس بوش الابن قام بتأليف كتاب عن هذا الموضوع وجعله أحد عناصر برنامجه الانتخابي. وإزاء هذه الحملات المستمرة الداعية إلى حماية البيئة الطبيعية ظهر الوعي لدى الشعب الأمريكي – ومثله غرب أوروبا – بخطورة ثقافة الاستهلاك بيئياًّ واجتماعياًّ، فقررت الإدارات الغربية – وعلى رأسها الإدارة الأمريكية – نقل الصناعات الاستهلاكية كالأغذية والملابس والزينة وأدوات البناء والإلكترونيات والسيارات والأثاث ومواد الأبنية إلى أقطار العالم الثالث مقابل أسهم قليلة تقدمها للحكام وحاشيتهم ووكلائهم في التوزيع.

وفي المقابل تم تدمير الاقتصاد المحلي لصالح اقتصاد الشركات العالمية الكبرى، ولتأمين القسط الأكبر من النجاح أعيد صياغة قوانين الصناعة والتجارة وبرامج التربية والتعليم والإدارة المحلية، وتوقف تعليم إنسان المنطقة المحلية لسوق العمل المحلي وتنمية موارده المحلية في الزراعة وتربية المواشي والصناعات المحلية وتطوير الأرض، واستبدل بذلك تعليم يركز على المهارات التي يحتاجها اقتصاد الشركات وأسواقه من مهارات السكرتارية والتسويق وفنون البيع وهو ما يسمى بـ (اقتصاد العولمة)، وصار يجند السكان المحليين بأرخص الأجور وينمي اتجاهاتهم على ثقافة الاستهلاك ليسترجع الأجور التي تسلموها.

كذلك جرى تقسيم الصناعات إلى قسمين: قسم يعاد تصديره إلى الأسواق الأمريكية والأوروبية، وهذا تراعى فيه معايير الجودة الرفيعة وقسم تهمل فيه هذه المعايير ويوزع في الأسواق المحلية لبلدان العالم الثالث التي يجري التصنيع على أرضها. باستثناء الصناعات الدقيقة كالأسلحة المتطورة والتقنيات التي تضمن التفوق للدول الكبرى. ثم تكون محصلة سياسة (اقتصاد العولمة) هذه أن تحفظ الدول الكبرى أقطارها بعيداً عن أخطار التلوث البيئي وتحول سكان العالم الثالث إلى طبقة عمالية (برولتاريا) عالمية.
والآن ينتشر التلوث وتخرب البيئة في العالم الثالث، ولما كانت المصنوعات التي تطرح في الأسواق المحلية أقل جودة مما كانت عليه في أمريكا فقد ظهرت إلى جانب مشكلات التلوث أمراض جديدة صحية وأمراض اجتماعية وتفكك الأسرة وتمزقها في الأرض كل ممزق سعياً وراء الرزق، وكانت خلاصة ذلك ظهور ما عرف بـ (العولمة) التي تروض شعوب العالم للعمل والاستهلاك مع بقاء أوروبا وأمريكا نظيفة جميلة للرأسماليين وإدارتهم. وهنا تحسن الإشارة إلى أن (العولمة) Globalization غير (العالمية) Globalism.
فالعولمة نظام دولي مصنوع، صنعه الإنسان الغربي كأداة من أدوات الصراع والغارة على العالم. أما العالمية فهي ظاهرة خَلقية، - بفتح الخاء – طبيعية خلقها الله تمهيداً لتكون رسالته في متناول سمع الجميع وبصرهم، وهو ما يشير إليه طابع الصراع القائم بين المكر الإلهي والمكر الأمريكي – الصهيوني.
الأصل الديني:

منذ أن وطأت أقدام المستعمرين الأوروبيين أمريكا ودخلوا في صراع دموي مرير مع الهنود الحمر سكان القارة الأصليين، وجد رجال الدين أنفسهم في خدمة الحرب الجديدة. وعندما انطلقت دعوة – الدارونية الاجتماعية – وجدت الكنيسة فيها مبرراً لهذه الخدمة العسكرية رغم معارضتها لها من الناحية العقائدية. وكان من بين رجال الدين الأمريكان الذين اعتنقوا الدارونية الاجتماعية عدد غير قليل، فخذ مثلاً لهم الكاهن – جوسيان سترونج – الذي قال:

((إنه طبقاً لصراع وتفوق النوع الأنجلو –سكسوني يظهر في أمريكا نوع من الناس كبار الأجسام أقوياء فارعي الطول. وقال: إن العنصر الأمريكي سوف يملأ القارة ويزحف نحو الأقطار الأخرى في أمريكا الجنوبية وإفريقيا وما وراءها. وستكون نتيجة هذا الزحف تفوقه والقضاء على الأجناس الأخرى لأن البقاء للأصلح)).

ولقد تطور الفكر الديني – الداروني الأمريكي في كل مرحلة تاريخية حسب تطور سياسات الدولة فصارت البعثات التبشيرية وجهودها التعليمية جزءاً من القوة الأمريكية الغازية، وما زالت الكنيسة الأمريكية تتطور بتطور سياسات الدولة في الداخل والخارج. ففي الداخل أصدرت الكنيسة المراسيم التي تبرر جميع الممارسات التي يقرها التشريع الحكومي حتى الاعتراف باللوطيين والمتساحقات المعروفين والمعروفات باسمي Gay and Lesbians.

وفي الخارج حينما يوجد لأمريكا مطامع سياسية واقتصادية تكون البعثات التبشيرية إحدى أدواتها التي تستر جرائمها الدموية بالمساعدات الإنسانية، كما حدث في الجزر الإندونيسية ويحدث الآن في شمال العراق وأفغانستان وجنوب السودان وغيرها.
كذلك انعكست فكرة التطور الاجتماعي الداروني على محتويات الدين نفسه فصارت المسيحية الأمريكية تطور نصوصها ومصطلحاتها طبقاً للأهداف العلمانية – الدنيوية المتطورة. وكان من ثمار هذا التطور ظهور مايسمى بـ - الكتاب المقدس الأمريكي The American Bible الذي جرى تعديله بناءً على طلب الحركة النسائية التي تقول بالصراع بين الجنسين، والتي احتجت بالقول أن اسم الإله في الكتاب المقدس اسم مذكر، هذا إلى جانب احتجاج الشاذين والشاذات جنسياًّ الذين طالبوا بحذف النصوص التي تدين هذا الشذوذ. وكان من نتائج تطبيق فكرة التطور الداروني على الدين أن اعترف القضاء الأمريكي بتطور الأسرة الشرعية إلى أربعة أنواع من الأسر، وكان من نتيجته أيضاً أن صار في أمريكا الآن حوالي ألفي مذهب بعضها يعلن عن حفلة راقصة قبيل الصلاة جذباً للشباب والشابات، وبعضها يدعو لعبادة الله عراة في الكنيسة لأن الإنسان برز إلى هذه الدنيا عارياً.

على أن أبرز الجماعات المسيحية العاملة على الساحة السياسية في أمريكا هي التي تسمى – الأكثرية الأخلاقيةMoral Majority ويرأسها الكاهن الشهير – جيري فولول Jerry Falwell – وهو مذهب يشتغل بالسياسة وينتسب إليه غالب قيادات الحزب الجمهوري ومنهم الرئيس ريجان، والرئيس بوش الأب، والرئيس بوش الابن. ويركز نشاطاته الدينية حول توفير التبريرات الدينية للسياسات الداعمة لإسرائيل التي يسميها – جيري فولول – (إسرائيل المعجزة).

وخلاصة معتقدات هذا المذهب حسب ما جاء في كتاب – اسمعي يا أمريكا Listen America – كالآتي:

1. من أكبر المعجزات في العصر الحديث هي فعل الإله المتجسد في نصرته للشعب الصغير (شعب إسرائيل) الذي يقف منارة ديموقراطية في منطقة مظلمة بالتخلف والتوحش والأنظمة التعسفية المتعطشة للبطش بإسرائيل.
2. من يقرأ الكتاب المقدس يجده مليئاً بالتنبؤات المتعلقة بإسرائيل والتي تقول: بعد شتات دام حوالي 500 عام سيعود اليهود من أقطار الأرض ويؤسسون دولتهم في فلسطين.
3. لا توجد أمة اضطهدت اليهود إلا وعاقبها الإله بالضعف الأبدي. وهذا هو وعد الإله لإبراهيم، وهو ما تزال ألمانيا تعاني منها بسبب مناصرتها لسياسات هتلر ضد اليهود، وكما حدث مع جمال عبدالناصر عام 1967.
4. إن الله سيرسل للتشريد والذبح والأسر كل الملايين العربية التي ستحاول منع تجمع شعب إسرائيل في أرضه.
5. لقد بارك الإله أمريكا ورفع مكانتها لأنها باركت قيام إسرائيل وناصرتها وقوض روسيا لأنها عادت إسرائيل وناصرت أعداءها. (19)
هذه هي خلاصة تعاليم – حزب الأكثرية الأخلاقية – في أمريكا الذي يطلق عليه اسم – Moral Majority- والذي صار يهيمن على سياسة الحكومة الأمريكية منذ أيام الرئيس ريجان واستمرت تأثيراته زمن الرئيس بوش الأب ثم الرئيس بوش الابن، الذي أعلناه صريحة: صليبية القرن الحادي والعشرين.
خامساً: أصل القيم في العقل الأمريكي:
يصنف المختصون القيم تصنيفات مختلفة نختار منها التصنيف القائل: القيم ثلاثة أصناف: قيم جمالية – أي التي يكون الجمال محور معاييرها. وقيم ذرائعية – أي التي تكون الذرائع هي محور معاييرها. وقيم أخلاقية – أي التي تكون الأخلاق الحسنة محور معاييرها.
ويتذبذب السلوك الأمريكي بين النوعين الأولين وينسى نسياناً كلياًّ النوع الثالث وهو – القيم الأخلاقية . ولذلك حقق الأمريكي تقدماً هائلاً في ميادين القيم الجمالية والذرائعية التي برزت آثارها في تزيين المدن والأماكن العامة وكثير من مظاهر الذوق العام والتعامل الإداري وسرعة إنجاز العمل، ولكنه أخفق إخفاقاً عميقاً في ميدان القيم الأخلاقية. وتبرز شواهد هذا الفشل في سوء استعمال الأشياء والذرائع الجميلة الفعالة ابتداءً من الاستعمالات اليومية من الأسلحة النووية وناطحات السحاب وتطوير المدن ووسائل الاتصال والمواصلات. فالمبدأ الأخلاقي – أو القيمة الأخلاقية – غائبة تمام الغياب عن توجيه الاستعمالات السيئة والفاحشة، والمنكرة، والشريرة لهذه الأشياء المتقدمة – المتطورة.
ولقد عالج الكثير من الباحثين والمختصين من الأمريكان أنفسهم أزمة القيم القائمة واعتبروها أكثر المشكلات الإنسانية إلحاحاً وتعقيداً وحيرة. فمنهم من ينتقد – مناهج التربية – ويقول إنها تركز على الحقائق وتهمل القيم، ولذلك أفرزت إنساناً محايداً إزاء القضايا الاجتماعية، وجعلت القرارات التي يتخذها في ميادين الأخلاق والدين وعلاقات الجماعات والقوميات الوطنية تحكمها ردود الفعل العاطفية العمياء والتعصب العنصري والعقد النفسية.
كذلك يعتقد الكثير من المربين أن التربية الأمريكية قد فشلت في تنمية القيم الإنسانية وانصرفت لتنمية مهارات الإنسان العقلية والبدنية في تطوير – وسائل الحياة – في الوقت الذي أهملت الموضوعات المتعلقة بـ - غايات الحياة – وأموره المصيرية ومشكلاته الرئيسية.
وبناءً على ما تقدم يرى – ماير M. Meyer – أن على التربية أن تعمل لوضع العلم في خدمة – قيم وأخلاق جديدة – ويرى – براملد T.Brameld أن التربية الأمريكية تدع الناشئة بدون قيم لأنها تبالغ في حيادها العلمي وتميل إلى خزن القيم في مخزنها التربوي. (20)
وتعلق – هيلدا طابا – على ذلك بالقول أن التربية تحتاج إلى فكر جديد وطرائق جديدة تعطي القيم ما تحتاجه من عناية واهتمام لمراجعة مشكلات العصر، ويتطلب تطوير هذه الأفكار والطرائق مفاهيم جديدة عن العلاقات الإنسانية والأهداف الاجتماعية. (21)
ولقد برزت نتائج هذا التخبط والغموض بالنسبة للقيم والأخلاق فيما تمارسه المؤسسة السياسية الأمريكية في العالم، وفي الأمم المتحدة، وفي صياغة العلاقات الشاذة التي تحاول إقامتها مع مختلف الدول وفي المواقف المتناقضة إزاء القضايا الدولية المختلفة.
ولقد حاول بعض المفكرين الاجتماعيين والتربويين معالجة – أزمة القيم – القائمة في المجتمع الأمريكي. ومثال ذلك – ماركلي – الذي قام بأمرين :
الأول بـ تشخيص ما أسماه بـ (القيم البالية) التي قام عليها المجتمع الصناعي ودولته.
والثاني بـ رسم الخطوط العريضة للقيم التي يحتاجها مجتمع ما بعد الطور الصناعي القادم Postindustrial Society.
أما عن – القيم البالية – فقد ذكر أنها تتمثل فيما يلي:

1. إن تقدم الإنسان يتمثل بالنمو الاقتصادي والاستهلاك المتزايد.
2. إن الجنس البشري منفصل عن الطبيعة وإن قدر الإنسان هو قهرها.
3. إن الكفاءة الاقتصادية والانتفاض العلمي – أي انتفاضة لحرمة الإنسان وكرامته – هما أكثر المناهج صحة لتحقيق أهداف الإنسانية.
أما عن الأمر الثاني فقد ذكر – ماركلي – أن المجتمع القادم يتطلب (تصوراً جديداً عن الجنس البشري) وأن (صورة الإنسان) الملائمة لعصر ما بعد التطور الصناعي سوف تتضمن ستة شروط هي:
1. قيم بيئية تؤكد على وحدة الحياة ووحدة الجنس البشري.
2. قيم تحقيق الذات.
3. ثقافة متعددة المستويات والمظاهر المتكاملة وتتسع لأنواع الشخصيات.
4. نمط حياة تقوم على الاكتفاء المتوازن والتعاون خلال أبعاد متنوعة بدل البعد الواحد الضيق كالبعد الاقتصادي.
5. تصور شامل للوجود.
6. تصور تجريبي منفتح العقل وقابل للتطور.
ويعلل – هاري شوفيلد – فقر المجتمع الأمريكي إلى القيم الإنسانية بالقول أن هذا الفقر ينسجم مع التطور التاريخي للولايات المتحدة الأمريكية. ففي أيام التوسع نحو غرب القارة الأمريكية لم يكن هناك ما يلائم الاحتكام إلى القيم المثالية الأخلاقية مثل: (لاتقتل)! ذلك أن الواقع الذي برز آنذاك هو إما أن يكون الأمريكي قاتلاً أو مقتولاً، ولذلك أصبحت (القيم الصائبة) هي قتل الهنود الحمر. وفي هذه الحالة يكون القاتل أفضل من المقتول. (22)
وهذا الفقر في القيم يقلل من أثر – المبدأ الأخلاقي – في علاقات الأمريكي بغيره من الأفراد والدول لصالح – الذوق الجمالي – وهو هنا مقدار ما يحصل عليه الإنسان من متع ولذائذ يعبر عنها بأسماء مختلفة مثل: (التنمية الاجتماعية) و (مجتمع الرفاهية).
في إطار هذا المفهوم يتحدد كذلك مفهوم الحرية وممارساتها التي يختلط فيها النظام بالفوضى والأخلاق بالإباحية، والرفعة بالسقوط.
والمحصلة التي ينتهي إليها هذا الاستعراض الموجز لأصول العقل الأمريكي ومنابعه ومساراته الاقتصادية والسياسية والعسكرية، هي أنه لا معايير أخلاقية وإنسانية يمكن لهذا العقل ومن يحاوره أن يلجأ إليها إلا أسلوب الصراع والبقاء للأقوى الذي جسده ثقافة رعاة البقر (الكاوبوي) في سنوات الهجرة الأولى على أمريكا، وتجسدها الآن طائرات الأباتشي، وأسلحة التدمير الشامل والصواريخ العابرة للقارات والقنابل الحرارية. وتشير التجارب الماضية والحاضرة أن العقل الأمريكي والثقافة الأمريكية وقعاً تحت عمل سنة الله القائلة: (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة). فهو لا يريد أن يسمع إلا ما يريد سماعه ولا يبصر إلا ما يهوى إبصاره، ولا يعقل إلا ما تقرره شهوته الموقوتة. ولذلك ليس للعالم أن يتوقع من أمريكا إلا سياسات الأذى والعدوان والإثم ونهب الثروات والاعتداء على الحرمات بعد أن تترجم شهواتها المحركة لاقتراف ذلك إلى (قوانين) دولية، و (شعارات) أممية مثل القول: (قرارات مجلس الأمن)، (الشرعية الدولية) وأمثال ذلك.

لذلك من العبث أن يضيع العرب والمسلمون أوقاتهم في الحج إلى واشنطن، والطواف بالبيت الأبيض، والتلبية في الكونغرس، ومناشدة الشعب الأمريكي، ومن الأفضل لهم أن يركزوا جهودهم لتحقيق أمور أربعة:

1. بناء الجبهة الداخلية بناء لا تقل متطلباته عن التضحية بدول التجزئة من أجل دولة الوحدة، وبالسلطة الفردية المطلقة، من أجل سيادة الأمة الواحدة، وبالسياسات الظالمة من أجل العدل، وبالدنيا من أجل الآخرة، وبحظوظ النفس من أجل مراد الله تعالى.
2. الاعتصام بحبل الله وحده بعد أن أثبتت الوقائع الجارية على الأرض وفي المحافل الدولية أن ليس للعرب والمسلمين من دون الله من ولي ولا نصير. ثم القيام بحملة دعوية إسلامية عالمية في أمريكا وغيرها من محاور الطغيان، حملة غايتها إعادة هذا المغولي الجديد إلى إنسانيته، وتوجيه قوته المفرطة لإنقاذ نفسه وإنقاذ الإنسانية من عواقب (دارونيته الاجتماعية) المدمرة.
3. ولتكون الحملة الدعوية المنشودة فاعلة ومفيدة يجب إنشاء مراكز البحوث والدراسات التي تختص بدراسة منابع (المكر الأمريكي) ومساراته المستقبلية، بقصد التعرف على أساليب تزكيته والخروج من سجن الشهوات إلى حرية النظر، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن عبادة البترول والدولار إلى عبادة الله وحده.
وخلال هذه الحملة الدعوية الهادفة إلى نشر الإيمان بالله بين – المغول الأمريكان – ودعوتهم إلى المعروف ونهيهم عن المنكر لا بد من مراعاة ثلاثة أمور هي:
الأمر الأول: إن ما يصيبنا من أذى مرير على يد هذا – المغولي الجديد – إنما هو تسليط إلهي سببه تقصيرنا على حمل دعوة الله إليه، فعندما عقدنا الذهاب إليه، وأنفقنا مال الله في بناء القصور ومتع الدنيا، بعثه الله علينا ليدمر ما علا تدميراً. وقديماً سئل الصحابي الجليل كعب بن أبي عن معنى قوله تعالى: (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون). (السجدة –20) فأجاب: العذاب الأدنى: تسليط الروم. والأمريكان والأوربيون هم امتدادات للروم وجيل من أجيالهم. ومنذ أكثر من قرنين، والله يذيقنا من عذابهم دون أن ننتبه للنداء الإلهي ونتنادى بالرجوع إليه سبحانه وتعالى.

الأمر الثاني: هو الصبر على أذى هذا المغولي الجديد، والتحوط من أن يصاب بمرضه، مرض الصراع والبقاء للأقوى، صبراً يفوق صبر تلامذة المسيح على أذى الرومان أسلاف الأمريكان.
الأمر الثالث: هو الحذر الدائم المبصر من – نموذج الإسلام – الذي تريده لنا أمريكا وإسرائيل، ويطالبان حكومات العرب والمسلمين بإخراجه وتعديل مناهج التعليم لتلقينه إلى الأجيال القادمة، تحت ذريعة الحاجة إلى (القضاء على الإرهاب) و (تجفيف منابع التطرف)، كما فعل الإمبراطور قسطنطين الرابع وهو يجبر المجامع المسيحية الأولى على إخراج – مسيحية رومانية – أخضعت الدين للسياسة وإحالته إلى أداة من أدواتها.

الأمر الرابع: أنه مهما قيل عن جبروت أمريكا، وقوتها، ودقة تنظيماتها، وامتداد أذرع مخابراتها العالمية، فعلينا أن لا ننسى – ولو لحظة واحدة – أن الصراع الدائر بيننا وبين أمريكا وإسرائيل إنما تحكمه سنّتان من سنن الله الاجتماعية:
السنة الأولى هي سنة الصراع بين مكر الله – أي تدبيره – ومكر الطغاة وتدبيرهم. ولقد ذكرت تفاصيل هذا الصراع ونتائجه خلال التاريخ الإنساني، في اثني وأربعين موضعاً من القرآن الكريم، منها قوله تعالى: (ومكروا مكراً ومكرنا مكراً وهم لا يشعرون. فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنّا دمرناهم وقومهم أجمعين) (النمل – 50 و 51).
والسنة الثانية، سنة الاستبدال حيث يجري تنفيذ المكر الإلهي من خلال أيدي المؤمنين، فإن لم يتحملوا المسؤولية كاملة تخلى الله عنهم وعزلهم واستبدلهم بقوم غيرهم. ولقد أشير إلى هذه السنة في مواضع متعددة من القرآن الكريم، منها قوله تعالى: (وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) (محمد – 38). وقوله أيضاً (إلا تنفروا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) (التوبة –39).
الأمر الخامس: عدم تبديد الطاقات – خاصة الفكرية والإعلامية – في محاولة إقناع الإدارة الأمريكية ومستشاريه ورجال القرار فيها ومراكز البحوث ورجال الإعلام بـ (حوار الحضارات) بدلاً من (صراعها) و ( تحديد معاني الإرهاب) بدلاً من (تعميمه)، و (التبرء من الإرهاب) بدلاً من (إلصاقه بالعرب والمسلمين)، لأن هذه كلها – مناديل إسبانية حمراء – توضع أمام الثور لإلهائه عن السهام التي تغرز في جسده، وهي شعارات تم اختراعها في المحطة الثالثة من محطات صنع القرار الأمريكي، محطة صنع القرار Decision Making ثم أرسلوها لأجهزة الإعلام لتعبئة الرأي العام في الداخل، وتبرير سياساتها العدوانية في الخارج.
هذه معالم سياسية في البحث عن – أصول العقل الأمريكي وتطبيقاته – استمدت من آيات الله في الآفاق والأنفس في ضوء بصائره في الكتاب، وسيرى الظالمون أي منقلب ينقلبون.

Monday, November 9, 2009

Taking Steps to Prepare for the Worst , Robert Kiyosaki

Posted on Monday, September 28, 2009, 12:00AM

Robert Kiyosaki, Why the Rich Get Richer

In Sunday school I was taught the parable of the pharaoh of Egypt and his dream of seven fat cows being eaten by seven skinny cows. Deeply disturbed, the pharaoh sought the interpretation of his dream. A young slave boy interpreted the dream to mean Egypt would have seven years of plenty to be followed by seven years of famine. The message: Prepare for the lean years during the years of plenty. The pharaoh prepared Egypt for the lean years and led it into an era of prosperity.

My rich dad used the story of the three little pigs to make a similar point. As you know, one pig built his house out of straw, the other of sticks. Once the first two pigs finished their houses they began to party, taunting and laughing at the third pig who was taking longer, building his house of bricks. After the house of bricks was finished, a big bad wolf appeared and blew down the houses of straw and sticks. If not for the shelter of the house of bricks, the first two pigs would have been pork dinner.

In 2007 a big bad wolf known as the ‘subprime crisis' blew down financial houses made of straw and sticks, houses known as Lehman Brothers, Bear Stearns, AIG, Merrill Lynch, Washington Mutual, Fannie Mae, and Countrywide -- as well as the homes and businesses of people who built their lives on straw and sticks.

Lessons of the Pharaoh

Last month's column was about reasons why people should prepare for the worst. This article is about how to prepare for the worst. Preparation begins with understanding the lessons of the pharaoh and the three little pigs: Prepare for the worst even when times are good.

For me, it was not easy to follow these lessons, especially during the boom years. It was tough preparing for bad times while my friends were enjoying the good times. It was tough not to climb the corporate ladder seeking higher pay and job security or chasing financial fads such as flipping real estate, day trading stocks, gambling on dotcom companies, investing in mutual funds, or using my home as an ATM to pay off my credit cards. Today, many of my fellow baby boomers who enjoyed the boom years are concerned about survival in the lean years.

In 1973, returning from the Vietnam War, I found my dad, in his fifties and in the prime of his life, unemployed. Although a highly educated, honest, hard-working man -- and former superintendent of education for the state of Hawaii and Republican Party candidate for Lt. governor of the state - he was sitting at home, looking for work. My dad's situation, combined with my experience of the war, was my wake-up call. I knew something was wrong, but I did not know what was wrong.

The stories of the pharaoh and the three little pigs danced in my head. I knew I had to prepare, but for what I did not know. I just knew I could not follow my dad's advice, which was to fly for the airlines or go back to school and get my PhD. My instincts, sharpened by the war, knew his advice was not right for me. I decided to follow in my rich dad's footsteps, not my poor dad's.

One Path to Take

The following are some of the steps I took to prepare for the worst. I do not recommend my path; I will simply state why I did what I did and what benefits were gained.

1. I became an entrepreneur, not an employee. This was a tough choice. I did not have the skills, experience, or financial backing to support me through the lean years and my mistakes...and there were many lean years and mistakes. Many of the businesses I started failed.

Thirty-six years later, I own a number of businesses and employ hundreds of people all over the world. Some of the benefits: A) I make more money and pay less in taxes because I provide jobs, and that is what this economy needs -- more jobs. When President Obama speaks about raising taxes on the rich, he speaks about high-income employees and small business owners, not entrepreneurs who build big businesses. As you know today, many big businesses are doing better as small businesses crumble. B) I can start new businesses as the economy changes and new opportunities appear. C) I can start businesses in different countries when new opportunities appear. D) I am not afraid of losing my job. E) My income goes up as my business grows.

The good news is that it is easier to be an entrepreneur today. The Web and new technology offer more opportunities to reach a world market at a lower price. Today a person can start a business at home and reach the world market.

2. I invest for cash flow, not capital gains. Most people invest for capital gains. These are the people who have lost a lot of money or are afraid of losing more money. When a person says, "My house has appreciated in value" or "The stock market is going up," they are investing for capital gains. Investing for capital gains is like building a house of straw or sticks.

In 1973 I took a real estate course to learn how to invest for cash flow. Even though the real estate market crashed in 2007, my rental properties continue to produce cash flow. Even though banks are not lending money to many homeowners, the government continues to loan millions, via the FHA, to investors who provide housing. This means we receive tax breaks and use debt -- other people's money -- to increase income.

The good news is, when prices crash, cash flow investments become more affordable. For example, stocks such as Johnson & Johnson, a company that pays a steady dividend (cash flow), become more affordable. If you want to start your real estate career, now is the time to invest for cash flow.

3. I invest for inflation. In 1971 President Nixon took the world off the gold standard, which means the world's central banks can print as much money as they want. I was in Vietnam in 1972 and saw what happens when people do not trust paper money. Rather than try to live below my means and save money, I invest in gold, silver, and oil -- commodities that go up in price as the government prints more money.

When investing for inflation, I am not investing for cash flow. In this case, I am investing to protect my wealth from the predatory practices of the Federal Reserve Bank, the U.S. Treasury, and the ultra rich manipulating the world economy.
China does not trust the U.S. dollar. Today China is using U.S. dollars to buy commodities such as oil, copper, gold, and silver. The good news is silver is still inexpensive. In 2007 gold was approximately 50 times more expensive than silver. In 2009 the gap is 70 times -- which means silver is a bargain.

Silver is used in the electronics industry and is consumed daily; stock piles of silver are dwindling. On top of that, for the first time in modern history, there is more gold in the world than silver. In other words, silver is more valuable than gold. The good news is, at less than $20 an ounce, almost anyone can afford to start preparing for the worst and building their own house of silver.

In conclusion: My mom and dad lived through the last depression. They knew lean years. The baby boom generation is about to have their fat cows eaten by skinny cows. The good news is, if you can thrive when times are bad, these are the best of times.

Thursday, August 6, 2009

المؤتمر السادس لفتح إلى أين؟ -بقلم منير شفيق

المؤتمر السادس لفتح إلى أين؟

منير شفيق




ما ظهر من خلافات داخل اللجنة المركزية والمجلس الثوري لحركة فتح في أثناء التحضير للمؤتمر السادس الذي طال غيابه وتغييبه يدّل دلالةً واضحةً على أن الحركة أمام تطورات ستقرّر مصيرها في أكثر من اتّجاه. ولهذا حقّ القول الذي تردّد عند استشهاد ياسر عرفات: فتح إلى أين؟

يحلو لبعضهم، وفي الأغلب عن نيّة مدغولة، بأن يعزو كل خلاف يندلع في الساحة الفلسطينية إلى أسباب شخصية، حرصًا على موقع، أو سعيًا له، وإذا كان الخلاف على نطاق أوسع كما حدث بعد أحداث قطاع غزة في يونيو/حزيران 2007 بين حماس وفتح التي يقودها محمود عباس فسيُعزى إلى أسباب الحرص على السلطة أو الاستحواذ عليها.

ففي الحالتين التي يُعزى فيها الخلاف لأسباب شخصية أو لأسباب سلطوية لا يُعبِّر هذان التفسيران عن الحقيقة السياسية وراء كل خلاف. بل يستهدفان استبعاد السياسة، عن عمد، من أجل إضاعة البوصلة، وخلط الحابل بالنابل، وتمرير السياسات التي يفضحها الخلاف لو خرجت إلى العلن ووضعت النقاط على الحروف.

"
في الساحة الفلسطينية، بل في كل ساحة في أي بلد، يجب أن يُكشف عن السياسة وراء كل خلاف مهما بدا في الظاهر كما لو كان صراعاً شخصياً، أو نزاعاً على سلطة، أو زعامة أو قيادة
"
في الساحة الفلسطينية، بل في كل ساحة في أي بلد، يجب أن يُكشف عن السياسة وراء كل خلاف مهما بدا في الظاهر كما لو كان صراعاً شخصياً، أو نزاعاً على سلطة، أو زعامة أو قيادة. وهذا ما ينطبق على ما يجري داخل فتح من صراعات وخلافات حتى لو اتخذ شكل خلاف على تحديد مكان المؤتمر، أو عدد عضويته، أو تاريخ انعقاده. فوراء كل ذلك اتجاهات سياسية هي التي تقف وراء كل المواقف. وهو ما ينطبق على ما يدور ودار من صراعات في ما بين الفصائل، وداخل كل فصيل، قديماً وحديثاً، وكذلك في المستقبل، أيضاً.

لو أخذنا، مثلاً، الصراع الحاد الذي دار داخل فتح في أثناء حصار الرئيس الفلسطيني وزعيم فتح ياسر عرفات لوجدنا السياسة كامنة وراء ذلك الخلاف أو الصراع، بالرغم من كل الضجة الإعلامية التي قدّمته كأنه صراع على السلطة والصلاحيات. ودعك من قنابل الدخان التي راحت تركز عليه باعتباره صراعاً ضد فردية ياسر عرفات، وضد ما يتمتع به من صلاحيات، وضرورة تحويلها إلى المجلس التشريعي ورئيس الوزراء محمود عباس في حينه، أو التركيز على "انتهاء الصلاحية" وشيخوخة الرجل. وبهذا بدا الأمر في ظاهره كأنه صراع من أجل الديمقراطية والإصلاح والقيادة الجماعية أو "القيادة الرشيدة"، فيما هو، في الحقيقة، صراع سياسي بامتياز، سواء أكان على ما مثّله ياسر عرفات من خط سياسي أم ما حمله خصومُه من خط سياسي مغاير.

ولهذا يجب أن يبحث في السياسة كل من أراد معرفة حقيقة الخلافات التي ساعدت، ولو بصورة غير مباشرة، على اغتياله، وذلك من جهة رفع الغطاء الفتحاوي - الفلسطيني عنه، والذي تلاقى مع رفع الغطاء العربي عنه، ثم الأوروبي فالأميركي. فرفع الغطاء هذا هو الذي أطلق يد شارون، وبتواطؤ إدارة بوش، في أخذ قرار التصفية عبر الاغتيال بالسم.

فالسياسة التي حملها الذين تصدّروا الخلاف من داخل فتح مع عرفات في أثناء حصاره تمكن قراءتها ووضع اليد عليه، وبلا لبس، من خلال متابعة السياسة التي طبقت في الضفة الغربية وفي المفاوضات الثنائية، بعد الانقسام بين قطاع غزة والضفة الغربية.

فقد عمد الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي تزعم الصراع ضد ياسر عرفات في أثناء حصاره إلى الاستمساك بكل الصلاحيات التي استبقاها الرئيس عرفات في يده، وإلى إنكار كل الصلاحيات التي أراد سابقاً أن ينزعها منه لصالح المجلس التشريعي ورئيس الوزراء ووزير الداخلية، مما يؤكد أن الخلاف لم يكن ضد فردية ياسر عرفات، ولا ما يتمتع به من صلاحيات، ولم تكن لأسباب الإصلاح والديمقراطية و"القيادة الرشيدة"، وإنما لأجل تنفيذ السياسات التي طبقت من خلال تعطيل المجلس التشريعي وإقالة حكومة إسماعيل هنية وتشكيل حكومة برئاسة سلام فياض، بلا شرعية وفقاً للنظام الداخلي المعدّل.

وهو ما يمكن تلخيصه بسياستين: سياسة "التعاون الأمني الأميركي - الإسرائيلي - الفلسطيني" كما ترجمت من خلال خطة كيث دايتون الذي صفى فتح من الأجهزة الأمنية وأعاد بناءها على قياسه. وهي السياسة التي أعملت سيف إرهاب لم تشهد له الضفة الغربية مثيلاً في مطاردة خلايا المقاومة وكل دعم لها.

"
عمد محمود عباس الذي تزعم الصراع ضد ياسر عرفات إلى الاستمساك بكل الصلاحيات التي استبقاها الرئيس عرفات في يده، وإلى إنكار كل الصلاحيات التي أراد سابقاً أن ينزعها منه, مما يؤكد أن الخلاف لم يكن ضد فردية عرفات، وإنما لأجل تنفيذ سياسات معينة
"
أما السياسة الثانية فقد تمثلت بما قُدِّم من تنازلات خلال المفاوضات الثنائية السرّية، مع استمرار التوسّع الاستيطاني، وهو ما سيكشف عنه المستقبل لاحقاً.

هاتان السياستان هما اللتان تقفان في صلب ما يجري من خلافات داخل فتح في أثناء التحضير للمؤتمر السادس. ومن ثم ما تعبِّر عنه المعارضة من سياسات مقابلة.

فالمشكلة ليست مشكلة صراع شخصي بين محمود عباس وفاروق القدومي على زعامة فتح، وليست مشكلة صراع شخصي متعدّد الأطراف والأبعاد في كيفية توجيه التحضير للمؤتمر السادس، عضوية، ومكاناً، وموعداً، وإشرافاً. إنها مشكلة تدور في حقيقتها حول السياسة التي يُراد لفتح أن تكون عليها في قادم الأيام بمعنى هل ستكون "فتح" التعاون الأمني الفلسطيني - الإسرائيلي – الأميركي لتصفية المقاومة وكل معارضة سياسية جادّة؟ وهل ستكون سياسة أنابوليس وخريطة الطريق وشروط الرباعية وما تفرضه الدول المانحة، وما يحمله جورج ميتشل من مشروع تصفوي للقضية الفلسطينية. وهو ما يمثله خط محمود عباس وفريقه ومن ضمنه محمد دحلان؟ فحلّ الدولتين سيتضمن اعترافا بيهودية دولة الكيان الصهيوني، وإلغاء لحق العودة عبر التعويض والتوطين والوطن البديل وتكريس الاستيطان وتهويد القدس والجدار والسيطرة على الحدود والأجواء.

أم ستكون فتح أمام خيارات سياسية أخرى متراوحة بين فتح ما قبل اتفاق أوسلو وفتح إلى استشهاد ياسر عرفات. وهو ما تعبّر عنه غالبية فتح من قيادات تاريخية وكوادر من مواقع مختلفة تجتمع عبر التقاطع لمعارضة السياسات التي يمثلها محمود عباس وفريقه، وعملياً سلام فياض وياسر عبد ربه من خارج فتح.

كان هذا الخلاف السياسي وراء كل ما شهدته اللجنة التحضيرية للمؤتمر السادس من صراعات مسّت العضوية ومكان انعقاد المؤتمر وتاريخه وشروط إدارته والإشراف على الانتخابات فيه، وصولاً إلى خروج محمود عباس عليها بقرار حلها وتعيين مكان المؤتمر في بيت لحم تحت الاحتلال وتحت إشراف أجهزة الأمن التي بناها دايتون - سلام فياض، كما تعيين تاريخ الانعقاد وإعادة النظر بعدد من الأعضاء الذين تقرّرت مشاركتهم. وهي كلها قرارات مخالفة لأنظمة فتح وتقاليدها.

فمحمود عباس ليس أكثر من عضو لجنة مركزية. أما محاولة البعض إصباغ لقب قائد عام عليه فلا معنى له، إن لم يبق تحته من قوات مسلحة تابعة لفتح، فلا قوات عاصفة ولا خلايا مقاومة حتى يكون قائداً عاماً بل حتى الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية لم تعد تابعة لفتح. ومن يشك في ذلك فليرجع إلى محاضرة دايتون في معهد واشنطن.

باختصار هنالك سياسة تمسّ صلب القضية الفلسطينية وثوابتها وتمسّ إستراتيجية المقاومة التي لم تعلن فتح تخليها عنها يُراد فرضها من قبل محمود عباس وفريقه على فتح في المؤتمر السادس، بما في ذلك تحديد قيادة فتح المقاومة ومستقبلها ومصيرها. وهو الذي يفسّر هذا الخروج الصارخ على اللجنة التحضيرية المعيّنة من اللجنة المركزية صاحبة الصلاحية. وهو الذي يفسّر السعي لاستبعاد فاروق القدومي الذي يفترض به أن يكون وريث عرفات في قيادة فتح بناء على التراتب القيادي التاريخي. فأبو اللطف عملياً هو رقم 3 بعد ياسر عرفات وخليل الوزير. وهنا يكمن قرار تهميشه واستبعاده منذ استشهاد ياسر عرفات. وقد تطوّر الأمر إلى حد وضعه في الزاوية وإحراجه أو في الأصح إجباره على الوصول إلى التحدّي الخطير بإخراج ما أسماه الوثيقة التي أودعها عرفات عنده حول التآمر لاغتياله.

"
القدومي ألقى من موقعه باعتباره من أصل القيادة التاريخية لفتح جمرة ملتهبة في ضمير المؤتمر السادس، وبين يدَيْ فتح والفصائل الفلسطينية وكل من خطب في وداع عرفات وهو يقول لن يذهب دمك هدراً
"
خطورة الوثيقة آنفة الذكر كونها أصبحت كالغيمة سوداء ستُطْبِقُ على المؤتمر السادس، وعلى فتح والساحة الفلسطينية لأنها أعادت إثارة موضوع اغتيال عرفات، ومن أسهمَ، بصورة مباشرة أو غير مباشرة في ذلك؟ ولماذا تمّ طيّ موضوع التحقيق. علماً أن إدانة شارون كانت أقل ما يجب أن يتضمنه الوفاء لياسر عرفات. وهو ما سيظل معذِّباً لضمير فتح.

ليست المشكلة في التحقيق حول مصدر الوثيقة ومدى صدقيته وليست مشكلة لماذا أعلنها فاروق القدومي ولم يعلنها قبل أربع سنوات ونيّف، وليست المشكلة في تفاصيل كيف أُخِذ قرار التصفية، ولا من شارك فيه من الفلسطينيين، وإنما المشكلة، بداية: مَن المسؤول الأول عن اغتيال عرفات وهي قضية تبدأ بشارون ويجب أن تقف الآن أمام إدارة أوباما حول مسؤولية الإدارة السابقة فيها. وهل ستتواطئ بإخفاء الحقيقة حولها؟

أما على المستوى الفلسطيني، فبداية: من رفعوا الغطاء الفتحاوي – الفلسطيني عن عرفات وأعلنوا فقدانه لقدرته القيادية، و"انتهاء صلاحيته". هذا ودعك من ملاحقة رفع الغطاء عن عرفات عربياً ودولياً.

ومن هنا يكون القدومي، وابتعِد عن التفاصيل، قد ألقى من موقعه باعتباره من أصل القيادة التاريخية لفتح جمرة ملتهبة في ضمير المؤتمر السادس، وبين يدَيْ فتح والفصائل الفلسطينية وكل من خطب في وداع عرفات وهو يقول "لن يذهب دمك هدراً".

أما إذا تمّ لفلفة الموضوع في المؤتمر السادس فيكون قد أضاف على لا شرعية انعقاده، ولا شرعية ما سينبثق عنه، لا شرعيةً أخرى بالتغطية على قضية التحقيق في اغتيال عرفات.

ولكن من الجهة الأخرى، والتي لا تقلّ أهمية فإن المؤتمر السادس سيرتكب خطيئة لا تغتفر إذا منح لمحمود عباس لقب "رئيس حركة فتح" أو أمينها العام، وهما لقبان لم يحصل عليهما عرفات. لأن فتح كانت دائماً حريصة على قيادتها الجماعية. ولأن محمود عباس عندئذ، وعلى ضوء التجربة معه في القيادة، سيَضرِب عرض الحائط بكل ما سيصدر عن المؤتمر من بيان سياسي، أو لجنة مركزية، ومجلس ثوري.

"
الذين قبلوا المشاركة في مؤتمر غير شرعي سينهون فتح ويرتكبون خطيئة عمرهم إذا مررّوا لمحمود عبّاس أن يكون رئيساً لفتح أو أمينها العام، أو أعطوه أيّة ميزة على اللجنة المركزية, علماً أنه سيفرض نفسه عضواً فيها بلا انتخاب
"
وهو لهذا قد لا يتوقف كثيراً عما سيتضمنه البيان من تأكيد على حق العودة وإقامة الدولة على حدود ما قبل حرب حزيران 1967 أو التأكيد على أن تكون عاصمتها القدس وحتى التأكيد على الحق في المقاومة، وما شابه، مقابل أن يخرج بقرار يكرسّ رئاسته للجنة المركزية أو حركة فتح. هذا وقد لا يتوقف كثيراً أيضاً أمام تسّرب بعض الأعضاء من غير جماعته إلى اللجنة المركزية مقابل أخذ تلك الصلاحية.

ذلك لأن إعطاءه تلك الصلاحية أو الموقع سيجعل البيان حبراً على ورق، كما سيجعل أي عضو مركزي منتخب قادم، أو أية معارضة، بلا فعالية، أو تأثير. فمن يلغي اللجنة التحضيرية للمؤتمر على ما فعل وهو مجرد عضو في اللجنة المركزية، ومن يدير ظهر للجنة المركزية والمجلس الثوري منذ تسّلمه الرئاسة الفلسطينية ومن يجمّد المجلس التشريعي، ويقيل حكومة الوحدة الوطنية وينهي اتفاق مكة ويعيّن حكومة سلام فيّاض، ويطلق يد دايتون في إعادة بناء القوات الأمنية ويذهب إلى أنابوليس والمفاوضات الثنائية، ويعطّل التوصّل لوحدة وطنية في حوار القاهرة، فكيف سيكون حاله إذا أخذ من المؤتمر السادس لقب رئيس حركة فتح أو أمينها العام؟

وبكلمة، إن الذين قبلوا المشاركة في مؤتمر غير شرعي سينهون فتح ويرتكبون خطيئة عمرهم إذا مررّوا لمحمود عبّاس أن يكون رئيساً لفتح أو أمينها العام، أو أعطوه أيّة ميزة على اللجنة المركزية. علماً أنه سيفرض نفسه عضواً فيها بلا انتخاب؟


المصدر: الجزيرة

Tuesday, July 21, 2009

مشروع استعادة قوة و مهارة القراءة

رابط المشروع اﻷصلي
هذا مشروع قد طرحة د.معتز في سنة 1999 و هذه محاولة لإعادة إحياءة ثانية تقدمها لكم مدونة ماعون

تكمن أهمية هذا المشروع في شقه العملي فقد اختار الدكتور معتز عبد الفتاح ثلاثة من كبار مفكرينا الأعلام وهم الأستاذ عباس محمود العقاد والشيخ محمد الغزالي ، والدكتور ذكي نجيب محمود ثم انتقى خمسة عشر مؤلفًا لكل مفكر ، وقدم لهذه السلسة بملف صوتي مدته 37 دقيقة يبين فيه أهمية القراءة وإعمال العقل وأن النية الحسنة لا تكفي لخدمة الأمة أو الدين
وقد اختار د. معتز من
مؤلفات الأستاذ العقاد ما يلي:
1- عبقرية عمر. : الجزء الأول (51 دقيقة)، الجزء الثاني (55 دقيقة)، الجزء الثالث (41 دقيقة)، الخاتمة (19 دقيقة)،
2- الديمقراطية في الإسلام
3- خالد بن الوليد
4- الفلسفة القرآنية
5- ابن رشد
6- عبقرية محمد
7- سعد زغلول
8- معاوية بن أبي سفيان
9- المرأة في الإسلام
10-عمرو بن العاص
11- عبقرية الصديق
12- حياة المسيح
13- أثر العرب في الحضارة الأوروبية
14- ذو النورين عثمان بن عفان
15- عبقرية الإصلاح محمد عبده
16- التفكير فريضة إسلامية (إضافة ماعون)

واختار من مؤلفات الشيخ محمد الغزالي هذه الكتب:
1- جدد حياتك الجزء الأول (44 دقيقة)، الجزء الثاني (42 دقيقة).
2- خلق المسلم
3- الدعوة الإسلامية في القرن الحالي
4- كيف نفهم الإسلام
5- كيف نتعامل مع القرآن
6- كنوز من السنة
7- ليس من الإسلام
8- هموم داعية
9- الفساد السياسي
10 - الإسلام والاستبداد السياسي
11- السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث
12- الدعوة الإسلامية تستقبل قرنها الخامس عشر
13- تراثنا الفكري في ميزان الشرع والعقل
14- الطريق من هنا
15- الإسلام والأوضاع الاقتصادية

واختار من مؤلفات الدكتور زكي نجيب محمود :
1- عربي بين ثقافتين
2- رؤية إسلامية
3- جابر بن حيان
4- قيم من التراث
5- في حياتنا العقلية
6- قشور ولباب
7- مجتمع جديد أو الكارثة
8- تجديد الفكر العربي
9- قصة عقل
10- في مفترق الطرق
11- الكوميديا الأرضية
12- نافذة على فلسفة العصر
13 - موقف من الميتافيزيقا
14- قصة نفس
15- من زاوية فلسفية
وفي تقديمه للسلسلة انتقد عبد الفتاح الفهم المغلوط للدين واهتمام شباب الصحوة بالعلوم الشرعية والتكاثر وإهمال التقدم في علوم الطبيعة والعلوم الرياضية ، كما بين أن علاقة الدين والفلسفة علاقة تكامل وليس علاقة تضاد

مدونة ماعون وضعت روابط لنسخ الكترونية لهذه الكتب ، مع توضيح اهمية شراء النسخة اﻷصلية او تقديم الدعم المادي لناشري هذه الكتب
فوضع الروابط هنا بهدف سهولة اتاحة هذه الكتب و سرعة البدء في تطبيق هذا المشروع او كورس القراءة

سعيد لوتاه.. خدمة المجتمع بالتجارة

سعيد لوتاه.. خدمة المجتمع بالتجارة

أحمد عبد الحميد


Image

يرتبط اسمه في العالم العربي بالريادة الحقيقية؛ فهو أول من أسس شركة إنشائية في الإمارات، وهو صاحب فكرة بنك دبي الإسلامي ومؤسسه، وصاحب فكرة أول فندق "إسلامي"، وأول مسكن منتج للفقراء، وأول نظام تعليمي يختصر سنوات الدراسة ويؤهل لسوق العمل.. إنه الحاج "سعيد لوتاه".

هذا الرجل صاحب الأعوام الأربعة والثمانين ولد ونشأ في مدينة دبي، ورغم هذا القدر الضخم من الإنجازات إلا أن الظروف لم تسعفه؛ لأن ينال القسط الكافي من التعليم المدرسي الرسمي.

بدأ التحدي في حياة "سعيد لوتاه" مبكرا؛ ففي سن السابعة أجاد القراءة والكتابة وتعلم الحساب في أربعة أشهر ونصف فقط، ليحفظ القرآن بعد ذلك، وبدأ حينها بتعلم التجارة التي ورث مبادئها من أهله الذين اشتهروا بتجارة اللؤلؤ.

طالع:
سعيد لوتاه.. فكرة المصارف الإسلامية

تعلم من التجارة الاعتماد على النفس؛ ليقود أول سفينة إلى سواحل إفريقيا ولم يتعد عمره الثامنة عشرة، رشح بعدها قائدا وتاجرا في البحر ليقود سفينة شراعية في غمار بحر الخليج العربي والمحيط الهندي، والبحر العربي، وكان معلما للاتجاهات وحركة النجوم وهو شاب لم يتجاوز التاسعة عشرة من عمره، ثم يبدأ بعد ذلك في تجارته الخاصة التي توسعت وامتدت برغم ما واجهه من صعاب ومشاق، والتي وازاها اهتمام دائم بالتفكير بأسلوب مختلف يبدأ بوقف التقليد الأعمى والبحث عن التجديد والابتكار.

الاستثمار في التعليم

وسعيا منه لتحقيق التجديد والابتكار قرر أن يستثمر في المجال التعليمي برؤية مختلفة؛ فلم يكن مجرد صاحب مجموعة مدارس خاصة تهدف إلى الربح، وإنما قرر أن يطبق فلسفة مختلفة نابعة من رؤية إسلامية خالصة شرحها في كتابه "لماذا نتعلم"، مفادها أن الدين أمر بتحمل الصبي الذي بلغ 16 عاما القصاص بشتى أنواعه، فكيف لا نحمله أسس مسئولية الأسرة والعمل، ومن هنا أسس نظاما تعليميا يختصر سن استكمال الدراسة من 22 إلى 16 سنة؛ ليصبح خريجو هذا النظام التعليمي أطباء وصيادلة ومهندسين في سن السادسة عشرة، وهم يعملون دوما في أفضل المراكز المرموقة بجميع أنحاء العالم.

"في أيامنا كان الابن إذا كبر قليلا يطرده النساء ويقولون له اذهب مع الرجال إلى البحر، فيأتي لوالده ويصر عليه أن يذهب معه، وبالتالي لا يبلغ الابن إلا وقد أخذ الخبرة الكافية في الحياة وتحمل المسئولية، وفتح منزلا، وجمع شيئا من المال، وله مصدر دخل..."، بهذه الجملة للحاج سعيد في إحدى حواراته يدلل على واجهة الانطلاق المبكر للعمل وتحمل المسئولية.

ويرى لوتاه أن نظام الدراسة الحالي يدعو الأولاد -والبنات- ليكبروا ويشبوا وتبرز شواربهم ولحاهم حتى يتخرجوا من الجامعات وليس لديهم أي خبرات عملية ولا مصدر دخل.. ويظل آباؤهم يصرفون عليهم كل هذه الفترة.

التعليم بالتدريب

اطلاع الحاج سعيد المباشر على تفاصيل العمل ومجرى الأمور على أرض الواقع أتاح له المجال لمعرفة المجالات التي تعاني من النقص الحاد للكوادر المهنية في الإمارات، ولهذا الغرض أقدم على تأسيس «المعهد التقني» لتخريج المهنيين في مجالات الصناعة والكهرباء والنجارة والسيارات، طارحا شعار «تعلم مهنة واملك ورشة»، كان ذلك في عام 1992.

وكان يرى أن بعض العلم الذي يناله الطلاب ما هو إلا حشو، وعند إجراء الدراسات المقارنة مع مدارس وجامعات العالم وجد أنه يمكن اختصار الكثير من الوقت بحيث يقضي خريج الطب أربع سنوات فقط في الكلي مع حصوله على نفس مضمون الجامعات البريطانية، ويحتوي السجل التعليمي "للوتاه" على سلسلة كبيرة من المدارس والمعاهد التقنية، كما يضم كليتين للطب والصيدلة، ملحق بهما مركز طبي تخصصي ومختبرات للأبحاث الطبية، بالإضافة إلى جامعة آل لوتاه العالمية بكلياتها الخمس.

وحرص الحاج سعيد على تطبيق تلك السياسة التعليمية على الأطفال في «مؤسسة تربية الأيتام» التي أنشأها عام 1982 لرعاية الأيتام من عمر خمس سنوات وحتى خمسة عشر عاما؛ حيث تتولى المؤسسة تربيتهم ورعايتهم وتشغيلهم بعد ذلك في شركاته.

فنادق بمعايير إسلامية

المحطة التالية في إبداعات الحاج "سعيد لوتاه" تمثلت في إنشائه لما أصبح يعرف بـ"الفنادق الإسلامية"، وهي فنادق ترفض تقديم الخمور، وتحظر الملاهي الليلية، وحمامات السباحة المختلطة، كما يوجد بها طوابق خاصة بالسيدات تقوم على خدمته موظفات متخصصات ومحتشمات، وبالفعل فقد كانت مجموعة فنادق الجوهرة بدبي انطلاقة لهذه الخدمة التي اتسعت حتى بلغت 6 فنادق بدبي وحدها لتنتقل إلى القاهرة أيضا؛ حيث تقدم نفس مستوى الخدمة المعهود، مع الالتزام بالمعايير الإسلامية، لكن اللافت في الفنادق الإسلامية التي بدأت في الانتشار أن غالبية مرتاديها من غير المسلمين أو العرب، مع وجود نسب إشغال عالية جدا تقترب من الـ100% على مدار العام.

المسكن المنتج

يذكر الدكتور محمد سعد في كتابه "رجال صنعوا التغيير" أن الفكرة الأكثر إبداعا والحلم الطموح الذي بدأه "لوتاه" ولا يزال يسعى لنشره في جميع أرجاء الوطن العربي هو مشروع "المسكن المنتج"، ويهدف المشروع للنهوض بالواقع المعيشي للفقراء، ويتمثل في بناء قرية ذات وحدات سكنية بمساحة كافية للزراعة وإنشاء الحظائر، مع تزويدهم بجميع الإمكانيات لزراعة الأرض، ومساعدتهم على الاعتماد على أنفسهم بدلا من تلقي المساعدات، ويشترط للحصول على المنزل أن تلتزم العائلة بالعمل في المزرعة وتوفير احتياجاتها الخاصة، وتخرج الصدقات لتستفيد بها عائلات أخرى، كما تحتوي القرية على مدرسة ومركز طبي وعيادة بيطرية ومسجد ومجمع تجاري.

وقد تم تطبيق الفكرة بالفعل في السودان واليمن وجاري البدء فيها بمصر؛ بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي للأسرة من المنتجات الزراعية والحيوانية، والاعتماد على مصادر الطاقة الطبيعية من خلال حصول الأسرة على الماء من الآبار الجوفية، وعلى الكهرباء من الطاقة الشمسية، كما يوفر المشروع دخلا إضافيا للأسرة عن طريق بيع الفائض من منتجاتهم الزراعية والحيوانية.

بالإضافة لتلك الإنجازات التنموية استطاع سعيد لوتاه خلال حياته الحافلة كتابة العديد من المؤلفات، تنوعت موضوعاتها بين الشأن المصرفي والديني والشعر النبطي، كما تلقى الكثير من جوائز التكريم، كان من بينها جائزة «الدرع الذهبي» للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بتونس، ومنح شهادة الدكتوراه الفخرية من الأكاديمية الدولية للمعلوماتية في روسيا، بالاتفاق مع الأمم المتحدة، ودكتوراه فخرية من جامعة باركتون في الولايات المتحدة.

- أخذت أغلب مادة هذا التقرير من كتاب "رجال صنعوا التغيير" للمؤلف د.محمد سعد أبو العزم، مدرس إدارة الأعمال بجامعة عين شمس بالقاهرة.


صحفي مهتم بالشأن التنموي ، ويمكنك التواصل معه عبر البريد الإلكتروني للنطاق namaa@iolteam.com

Friday, July 17, 2009

ثورات يوليو فى الأمريكتين

بقلم: معتز بالله عبد الفتاح

17 يوليو 2009 06:21:59 م بتوقيت القاهرة

رابط المقال اﻷصلي

دولة ما بعد الثورة، أى ثورة، تتشكل بعوامل عدة، وعلى رأسها ما يرفعه الثائرون من شعارات وما يحددون من أهداف والأهم من كل ذلك مدى التزامهم بهذه الأهداف وقدرتهم على التوفيق، وليست المفاضلة، بينها. هذه كانت المقدمة النظرية، ولأن شهر يوليو كان من الأشهر المفضلة لكثير من الثوار والمغامرين السياسيين، فيمكن رصد كيف حققت بعض الثورات أغلب أهدافها وأخرى كانت أقل حظا من ذلك ولماذا؟.

فقد شهد شهر يوليو 1776 إعلان المستعمرات الأمريكية الاستقلال ومن ثم الثورة ضد التاج البريطانى فيما اعتبرته بريطانيا آنذاك حربا أهلية. وأهم ما فى هذه الثورة أنها جسدت دور القيادة وقدرتها على أن تغيير مسار التاريخ إذا ما توافرت لها الرؤية والإرادة. فهؤلاء الثوار كان لديهم تصور ليس فقط لما لا يريدونه (التبعية للنظام البريطانى) ولكن كذلك ما الذى يريدونه (جمهورية لا يوجد فيها حكم ملكى أو إقطاع وراثى وتعرف التوازن بين السلطات بما يضع المؤسسات وقوانينها فوق الأشخاص ونفوذهم، وفقا لجيمس ماديسون الرئيس الرابع للولايات المتحدة وفيلسوف هذه الثورة بحق). إذن هؤلاء كانت معهم الخريطة التى تحدد لهم ماذا يريدون وكيف، لكنهم كذلك احتاجوا إلى البوصلة والقيادة القادرة على أن تقود المسيرة نحو تحقيق الهدف. والحقيقة أنه لا يمكن إغفال دور جورج واشنطن، القائد الميدانى للثورة، والذى عاد منتصرا من معاركه ضد الإنجليز فى معارك كثيرة رغما عن إخفاقات رفعت حرارة المعارضة له وشككت فى قدراته القتالية. عاد الرجل إلى مزرعته بعد أن سلم الكونجرس رسالة خطية تفيد أنه أنجز ما أوكله إليه الكونجرس من مهام محاربة الإنجليز وطردهم وعليه فهو يستأذن فى الانصراف. وكان منطق جورج واشنطن أن على الجيش أن يعود إلى ثكناته بعد أن ينجز مهامه القتالية. أما شئون الحكم فهى تترك للساسة من المدنيين أو حتى العسكريين المنتخبين، وألا يحكم الجيش كمؤسسة وإلا «تحول حكم العسكر إلى استعمار من نوع جديد» كما قال. والمثير للتأمل هو قول ملك بريطانيا آنذاك جورج الثالث، عدوه اللدود، بأن عودة واشنطن إلى الحياة المدنية وعدم محاولته ترجمة انتصاراته العسكرية إلى مكاسب سياسية ستجعل منه واحدا من أعظم شخصيات التاريخ.

ولكن يبدو أن كراهية الاستبداد ورفض النزعة الانفرادية فى السلطة تجرى فى دماء البعض، بالذات أولئك الذين لديهم خبرة جيدة فى معرفة العواقب السلبية للاستبداد. وهذا كان أهم ما ميز الآباء المؤسسيين للولايات المتحدة، فهم قارئون بارعون للتاريخ وبلغات مختلفة منها اللاتينية والفرنسية وقطعا الإنجليزية، وعلى اطلاع بتجارب عديدة حتى أن بعض مناقشاتهم تشير إلى استفادتهم من خبرات سليمان القانونى واضع الأسس الدستورية للدولة العثمانية فى مجدها. وكان جورج واشنطن لا شك واحدا من هؤلاء. فحتى بعد أن انتخبه الكونجرس بالإجماع كأول رئيس للجمهورية، وأخذ القسم كرئيس فى نيويورك كان يفضل أن يعيش فى مزرعته فى فيرجينيا وأن يدير شئون الدولة من هناك ولما وجد أعضاء الكونجرس أن وجود الرئيس بعيدا عن عاصمة الاتحاد يعيق العمل الحكومى اتخذ الكونجرس قرارا بأن يقيم الرئيس حيث توجد العاصمة. وهنا ثار أنصار الرئيس ودافعوا عن حقه فى اختيار المكان الذى يريد أن يعيش فيه وبدا الأمر كما لو أن الرئيس سيأمر الجيش بمحاصرة الكونجرس أو حله وفقا للتقاليد الأوروبية آنذاك (وهى بدائل لا وجود لها فى الدستور الأمريكى). ولا شك أن الرئيس وجيشه كانا آنذاك أقوى فاعلين سياسيين بحكم ظروف الاستقلال وهشاشة المؤسسات الفيدرالية الأخرى التى حقيقة كانت مجرد حبر على ورق. ومع ذلك غلّب الرجل المؤسسة على الفرد، والكونجرس على العسكر وأعلنها بكل احترام للشعب الذى اختار نوابه فى الكونجرس: «إن رئيس الولايات المتحدة يقيم حيث يريد ممثلو شعب الولايات المتحدة». وهذا القرار وأمثاله كثير، وراكم بكل وضوح نزعة الآباء المؤسسين للولايات المتحدة لإقامة حكم مؤسسى أفضى إلى ديمقراطية مستقرة على الأقل فى حدود من كان مسموحا لهم بممارسة الحقوق السياسية مستبعدين المرأة وغير البيض ابتداء ثم القبول بدورهم السياسى تدريجيا.

وبالانتقال جنوبا إلى أمريكا اللاتينية يتبين أن ثوارها كانوا أقل ثقافة وإطلاعا على تجارب الدول الأخرى مقارنة بنظرائهم فى أمريكا الشمالية، بل كانوا أكثر تخبطا بشأن ما الذى كانوا يرفضونه وما الذى يريدونه. وحينما لا تعرف تحديدا أين تريد أن تذهب فكل الطرق ستأخذك هناك وكل الطرق لن تأخذك هناك أيضا، لأن «هناك» ليست موضع اتفاق أو تعريف محدد من قبل القائمين على شئون الدولة، فلا هناك خريطة ولا يوجد بوصلة. فالبدائل غير واضحة والاختيارات انفعالية غير مدروسة. والحق أن اجتماعات ثوار الأرجنتين، على سبيل المثال، من أجل إعلان ثورتهم على التاج الإسبانى، الذى كان أصلا قد تهاوى تحت ضربات نابليون فى مطلع القرن التاسع عشر، تؤكد أنه حينما يحكم دولة ما مجموعة من المغامرين على غير هدى أو رؤية واضحة فإن التخبط سيد الموقف، وهذا هو الفارق بين أمريكا الشمالية والجنوبية فى المكانة العالمية رغما عن التشابه الشديد فى الثروات الطبيعية. ورغما عن أن الثائر العظيم سان مارتن لعب دورا عسكريا مشابها لدور جورج واشنطن فى أمريكا الشمالية، لكن انشغاله بتحرير بقية بلدان أمريكا اللاتينية بما فيها شيلى وبيرو وأورجواى قلل من دوره السياسى. ورغما عن أنه نجح فى تحقيق استقلال الأرجنتين فى 9 يوليو 1816 فإن ثوار الأرجنتين كانوا شديدى الانقسام على أنفسهم وتحكمت فيهم الشعارات وتسجيل المواقف من ناحية والتهديد الدائم باللجوء للعنف من ناحية أخرى، فمنهم من يفضل حكما ملكيا، ومنهم من يريد دولة فيدرالية على النمط الأمريكى، ومنهم من يريد الجمع بينهما ومنهم من يرفض كليهما. وضاعت عوائد الاستقلال بسبب حرب أهلية ضروس استمرت حوالى عشر سنوات وبدا الأمر آنذاك أن حكم الإسبان كان أفضل لمجتمع لا يجمع قادته على اختيارات محددة، حتى انتهى بهم الأمر إلى حكم ديكتاتورى نشأ لوقف نزيف الدماء وظلت الأرجنتين لمدة ثلاثة قرون تتأرجح بين الفوضى والحكم الاستبدادى وما يرتبط به عادة من فساد حتى هزيمة فوكلاند فى عام 1982. هنا بدأت الأرجنتين تراجع مسيرتها لتكتشف أن ثوارها أحسنوا الثورة لكنهم لم يحسنوا بناء الدولة.

Friday, July 10, 2009

قيمُنا وقيمُهم

بقلم: معتز بالله عبد الفتاح

10 يوليو 2009 08:59:01 م بتوقيت القاهرة

رابط المقال الأصلي

تشكل شركة IBM (International Business Machine) فى العقل الأمريكى إجمالا ولدارسى إدارة الأعمال نموذجا لا يمكن إغفاله فى المهارة والإتقان وحسن التنظيم.. واعتبرتها دورية جامعة هارفرد لإدارة الأعمال Harvard Business Review نموذجا يستحق الدراسة بل والتقليد كمثال للمهارة التنظيمية والإدارية على نحو جعل كل قرار يتخذ من قبل مجلس الإدارة أو المديرين التنفيذيين موضع دراسة مباشرة إما من باحثين كبار أو من طلبة الدراسات العليا فى الجامعات المختلفة، بل قد اختيرت فى أكثر من دراسة كتجسيد مباشر لنظريات فى الإدارة وعلم النفس التنظيمى بما فيها نظرية ديفيد ماكليلان David McClellandعن أسباب تفاوت المؤسسات والمجتمعات فى قدرتها على الإنجاز. وحتى لا أفيض فيما قد لا يفيد، فهذه الشركة من المؤسسات الاقتصادية القليلة جدا فى الولايات المتحدة التى لم تتأثر كثيرا بالأزمة الاقتصادية العالمية الحالية بحكم عناصر المؤسسية وقواعد الحكم الرشيد التى التزمت بها الشركة فى تاريخها الطويل. وهى قواعد تحكم جميع العاملين كبارا وصغارا وفقا للدراسات الشهيرة فى هذا الصدد. وسبب الكتابة عن IBM فى هذه المقالة هو حوار مع أستاذ إدارة أمريكى من أصل هندى فى معهد ماساتشوتس التقنى MIT الشهير، وكان موضوع الحوار كيف أن الحكومة الهندية الحالية تعمل بكد من أجل استيراد «القيم» الأمريكية فى الإدارة وليس فقط «قواعد» الإدارة الأمريكية، مشيرا إلى العديد من الدراسات الميدانية التى تثبت أولا التفاوت الضخم فى القيم الحاكمة للموظف فى عدد من دول العالم المتقدمة مقارنة بعدد من دول الجنوب.

والطريف أن هذه القيم لم تكن منفصلة عن القواعد الحاكمة «وفى كثير من الأحيان غياب هذه القواعد» للمؤسسات المختلفة.

فعند هؤلاء التسيب خط أحمر، اللامبالاة خط أحمر، والإهمال خط أحمر، وهو ما ذكرنى بحديث رموز الحكومة المصرية المتكرر أن أمن مصر خط أحمر، ولكن يبدو أنه بمفهوم المخالفة أصبح التسيب والإهمال واللامبالاة والرشوة خطوطا غير حمراء.

وبشىء من التأمل تبين لى أننا، فى مصر على الأقل، لدينا نسخة مصرية من آى بى إم تفهم على أنها: إن شاء الله، وبكرة، ومعلهش. وكما أن IBM رمز لثقافة معينة تحكم قطاعا واسعا من المجتمع الأمريكى، فآى بى إم المصرية ترمز لثقافة التراخى وعدم احترام القوت والإجابات غير القاطعة والاستعداد للتسامح فى الجودة والكفاءة والمهارة.

ورغما عن أن «إن شاء الله» هى فى الأصل جزء من أمر قرآنى للنبى الكريم (ص) بأنه إذا عزم على أمر ما فليقدم المشيئة حتى يضيف إلى قوته المحدودة حول الله وإرادته اللامحدودتين. أما فى ثقافتنا الشعبية، بل والحكومية، فإن «إن شاء الله» تحمل إحدى دلالتين: إما هى جزء من الإكسسوارات الدينية المسيطرة على حياتنا، وإما هى استدراك شرطى يفيد بأن الإنسان لم يقطع أمرا، وعليه لا يعرف السامع هل المقصود أن المتحدث سيفعل أم أنه يستبدل كلمة «لا» بعبارة «إن شاء الله» فتتحول من أداة عزيمة ونية واستدعاء للهمة إلى أداة تثبيط وترقب وعدم يقين.

وهو ما لا يبدو بعيدا عن «بكرة» و«معهلش» فهذه الثلاثية تشكل باختصار حياتنا المعاصرة والتى هى خليط معيب من فهم مغلوط للدين ونظم حكم بين الضعف والفساد وثقافة شعبية لا تعطى أولوية لقيم الإنجاز والإبداع والانضباط. والأسوأ من كل ذلك أن ينشأ الجيل الجديد على نفس القيم. لقد قرأت وانزعجت بشدة من تعليقات طلاب الثانوية العامة على أسئلة الامتحانات سواء الصعوبة أو الطول أو الغموض أو الخطأ فى ترجمة الأسئلة. لقد أعطينا لهم جرعة مكثفة من فنون الإهمال والتسيب واللا منطق وإهدار تكافؤ الفرص، وغالبا سيتجرعونها وتصبح جزءا من تكوينهم فى المستقبل.

وكما يقول المناطقة بضدها تتميز الأشياء، فأنا أقارن ما قرأته من تعليقات طلبة الثانوية العامة المصريين بعدة حوارات مع طلبة الـhonors programs أو برامج الطلبة المتفوقين فى جامعات ولاية ميتشجان الأمريكية. والهدف من هذا البرنامج فى الأصل أن يتفاعل مجموعة من الشباب المتفوق مع أساتذة الجامعة والمديرين الناجحين والنشطاء فى العمل التطوعى، كى يكونوا قدوة للشباب الأمريكيين من ناحية، وللإجابة عن أسئلتهم من ناحية أخرى. وفى حواراتنا معهم يكون الطلاب حريصين على التعرف على أسباب نجاح كل واحد من هؤلاء ونحن عادة لا نبخل عليهم بالنصائح القائمة على إتقان العمل وبذل الجهد والخروج من دائرة الراحة والاسترخاء لتجربة ما هو جديد ومبتكر، والحديث دائما عما يوفره النظام التعليمى والاجتماعى والاقتصادى الأمريكى من فرص للشباب وكيف يمكن لهم استغلاله. وهذا ليس بغريب، ففلسفة التعليم فى المجتمعات الحية والناهضة أن يقوم الأفضل أخلاقيا وعلميا بمهام تربية وتعليم الأجيال الصاعدة.

وحتى لا أطيل على القارئ الكريم، لقد رأيت المستقبل يصنع فى قاعات النقاش الأمريكية، ورأيت أمامى أن القطاع الأوسع من الشباب الأمريكى المتفوق فى ولاية ميتشجان يسير على نفس نهج زملائى من الباحثين وأساتذة الجامعة من احترام العلم والعلماء وتقدير الدور الذى تقوم به المدرسة والجامعة وكيف أن مجهودهم مقدر ومحترم وكيف أن عدالة النظام ليست موضع تساؤل وأن نظرتهم النقدية لمجتمعهم ونظامهم السياسى تهدف إلى تحسين النظام وتطويره وليس الخروج عليه أو الحنق منه، وليس تدميره وإنما إصلاحه.

وفى المقابل، يبدو النظام التعليمى فى مصر فى عيون الكثير من الطلاب وأولياء الأمور ككيان عبثى يحابى الأغنى والأقوى، وبدلا من احترام الأستاذ المعلم القدوة وجدت نموذج نجيب الريحانى وهو يجيب عن سؤال مدرب الكلب فى فيلم «غزل البنات» عن مهنته، فرد نجيب الريحانى: أنا بتاع علم، أنا بتاع كتب بتهكم مصحوب بشعور باللاقيمة واللا معنى واللا منطق. إذا كان واقعنا لن يتغير بسبب تزوير الانتخابات وملحقاتها، وإذا كان مستقبلنا لن يتغير بسبب تسريب الامتحانات وملحقاتها؛ فهذا قطعا سؤال مشروع: هل أجمل ما فيها ماضيها؟

سامحونى لو قلت هناك عوار حقيقى فى ثقافتنا الشعبية لا يقل عن العوار فى إدارة الحكومة لشئون مصر لكننا مررنا بما هو أسوأ فى تاريخنا، ومع ذلك حقق الإنسان المصرى المعجزات.

Saturday, July 4, 2009