Sunday, December 9, 2007

الريسوني يدعو لمأسسة نظام الشورى!

الريسوني يدعو لمأسسة نظام الشورى!

محمد العلوي


Image
غلاف الكتاب

برؤية تجمع بين التأصيل الفقهي والتجربة الميدانية، أصدر الفقيه الأصولي أحمد الريسوني، كتابا جديدا بعنوان: "الشورى في معركة البناء"، من منشورات المعهد العالمي للفكر الإسلامي.

الكتاب الجديد ليس سردا لنصوص شرعية وتجارب من التاريخ الإسلامي، لإثبات حجية الممارسة الشورية على المستوى الفردي والجماعي والديني والدنيوي، وإنما هو تمحيص للمقولات المتعلقة بها في أفق مأسستها، مثل مؤسسة التعليم والزكاة والوقف، وتحقيق نهوض حضاري للأمة.

في الوهلة الأولى يبدو الكتاب اجترارا لما كتب في موضوع الشورى أو علاقتها بالديمقراطية، لكن الفقيه الريسوني منذ البداية وبنظرته الأصولية يؤكد على القارئ أن: "ما تناولته في هذا البحث هو إما قضايا جديدة أو زوايا جديدة أو خبايا جديدة، وما سوى هذه الأصناف الثلاثة لا أعرض له إلا على سبيل التذكير الموجز، أو للبناء عليه والعبور منه إلى غيره، أو لأجل ما يحتاجه من استدراك أو تصحيح أو توضيح".

ولذا جاء الكتاب الجديد في أربعة مباحث تروم خدمة "الجهود المبذولة في معركة بناء الأمة وإخراجها من الخمول إلى الفاعلية، ومن التبعية والاتباع إلى الرسالية والإبداع".

هذه المباحث هي: مكانة الشورى في البناء الإسلامي، قضايا أساسية في الممارسة الشورية، التجربة الشورية بين عهدها التأسيسي ومآلها التاريخي، والشورى اليوم: كيف نبنيها وكيف نبني بها؟ إضافة إلى مقدمة للمستشار الأكاديمي للمعهد بالمغرب الدكتور خالد الصمدي، وتقديم وخاتمة للمؤلف.

وعبر استنباطات أصولية من آيات قرآنية وأحاديث نبوية ووقائع من التاريخ الإسلامي، يؤكد الريسوني أن الفرد محتاج لتنزيل الشورى في أحواله الخاصة وفي واقعه العام، فالشورى لازمة للفرد مع مثله من الأفراد، وللزوج وزوجته، وللآباء مع الأبناء.

د الريسوني

ويرى الريسوني بناء على تقليب النظر في آيات الشورى وآيات غيرها أن: "الشورى لازمة للجماعة في أمورها العامة، ولكل من يريد التصرف في شأن من شئونها الجماعية المشتركة، أما حين يتعلق الأمر بالشئون الشخصية والحقوق الفردية، فالشورى فيها متروكة لصاحب الشأن وصاحب الحق، وحكمها لا ينزل على درجة الندب والاستحباب، لما تحققه من مصالح وتدفعه من مفاسد."

ويشدد بالقول: "إننا نستطيع القول وباطمئنان إن أحد الأسباب الكبرى لتخلفنا وانحطاطنا ـ أفرادا ومجتمعات ودولا ـ هو التعطيل الواسع للشورى في حياتنا العامة والخاصة، عبر قرون وقرون".

أما مجالات الشورى، حسب المؤلف، فهي تتسع لتشمل المجال السياسي الدنيوي وتنزيل الأحكام الاجتهادية والخلافية، والقضاء وتنظيم الشورى واستثمارها: "وإجمالا فكل ما يتطرق إليه الاحتمال والاستشكال ويدخله الاجتهاد البشري، وكل ما يثير عادة الخلاف والتنازع، وكل ما سكت عنه الوحي، وكل ما هو مشترك بين الناس من واجبات وحقوق ومصالح، ففيه مجال للشورى وجوبا أو ندبا، حسب أهمية كل مسألة وحجم انعكاساتها على الناس في دينهم ودنياهم وعلاقتهم".

وظائف ومقاصد الشورى

وبعد إيراد مجموعة من النصوص الفقهية لمقاصد الشورى، يحاول الفقيه الريسوني استقصاء هذا الجانب من هذا النظام الأصيل في الفقه الإسلامي، ويحدد فوائدها في عشرة مقاصد:

أولها "الوصول إلى الصواب والأصوب: وقد لا تكون المشاورة لتمييز الصواب من الخطأ، ولكنها قد تكون من أجل الموازنة والمفاضلة بين الصواب والأصوب، وبين الحسن والأحسن".

ثانيها "الخروج من الأهواء والمؤثرات الذاتية: فلكل إنسان نصيبه من الهوى قل أو كثر، ولكل واحد أحواله وميوله النفسية، ولكل واحد اعتباراته الذاتية، سواء كانت دوافع أو موانع.. والمخرج من هذا هو الشورى".

ثالثها "منع الاستبداد والطغيان: وهذا من أعظم مقاصد الشورى وفوائدها، فالشورى نقيض الاستبداد، إذا حضرت الشورى غاب الاستبداد، وإذا غابت الشورى حضر الاستبداد.. فالاستبداد داء والشورى وقاية ودواء".

ويصحح الريسوني في هذا المقصد إلصاق الاستبداد بالحكام فقط ويقول: "الاستبداد ليس خاصا بالحكام والأمراء والزعماء، فهناك الزوج المستبد والأب المستبد والمفتي المستبد.. وكل صاحب سلطة سياسية أو إدارية أو علمية أو اجتماعية يمكن أن يصبح مستبدا إذا ترك الشورى".

أما رابع تلك المقاصد فهو "تعليم التواضع: فالشورى تعلم صاحبها أنه محتاج لغيره وإلى ما عند غيره.. فهي تكسر نزعة الاستغناء والاستعلاء والاستنكاف عن مشاورة الغير والاستفادة منه".

خامسها "إعطاء كل ذي حق حقه: فمشاورة أصحاب أي أمر (أمرهم شورى بينهم) أو من ينوبون عنهم، وأخذ رأيهم بعين الاعتبار هو إنصاف لهم وإحقاق لحقهم، كما أن التصرف في حقوق الناس منوط بموافقتهم أو بإذنهم أو بتفويضهم وتوكيلهم".

سادسها "إشاعة جو الحرية والمبادرة: فالشورى أولا وقبل كل شيء حرية في التفكير وحرية في التعبير الصادق الأمين، والشورى إذا أفرغت من حرية التفكير والتعبير أصبحت مجرد ملهاة أو مجرد مناورة على وزن مشاورة".

سابعها "تنمية القدرة على التفكير والتدبير: فالشورى مدرسة للتربية والتعليم والتدريب والتأهيل، فهي تتيح لجميع المستشيرين والمستشارين فرصة عملية ودروسا تطبيقية لتنمية ملكاتهم الفكرية وخبراتهم الميدانية".

ثامنها "تقوية الاستعداد للتنفيذ والتأييد: فالقرارات والتكاليف والتدابير التي تنبثق عن تشاور وتراض، وتكون على قدر كبير من التوازن والموضوعية، يتلقاها الناس عادة بالحماس والرغبة في تنفيذها وإنجاحها وتحمل متطلباتها، بخلاف القرارات الانفرادية الاستبدادية".

تاسعها "تحقيق الألفة والمحبة: فالشورى تعطي أعلى درجات المشروعية والمصداقية الولايات العامة ومن يتولونها وما يصدر عنها من اجتهادات وقرارات، وهذا ما يحقق عادة درجات عالية من الرضا والاطمئنان (عن تراض منهما وتشاور).

عاشرا "تحمل التبعات السيئة: في حالة القرار الشوري والتدبير الجماعي يكون المسئول ومن معه قد فعل ما يجب عليه وتحرى ما يمكن تحريه.. وبهذا يحس الناس أنهم - بشكل أو بآخر - كلهم قد شاركوا في اتخاذ القرار المتخذ، وكلهم مسئولون عنه وعن تبعاته.

خلخلة للمسلمات

ولم يقف الريسوني عند بسط حكم الشورى في بعديها الفردي والعام، وذكر مقاصدها المرغبة فيها، بل انتقل إلى تمحيص بعض المفاهيم المتعلقة بها، وأشار إلى أن أهل الشورى هم عموم وليسوا خصوصا، كما أن "الرجل والمرأة في الشورى سواء"، إلا ما استثني بدليله الخاص.

وفي حديثه عن مساواة المرأة للرجل في الشورى، يناقش الريسوني مسألة ولاية المرأة، وأنه لا يجوز تحملها للولايات العامة، فيقول إن: "هذا النظر غير صحيح ـ أو على الأقل غير مسلم به ـ فأما أن المرأة لا يجوز لها أن تتحمل أي ولاية عامة فهذا لا سند له بهذا العموم وبهذا الإطلاق.. أما الولاية العامة المتحفظ عليها أو على بعض صورها في الفقه الإسلامي فهي الولاية الكاملة في حق المرأة الواحدة المنفردة في توليها، وليس مجرد عضوية مجلس يتكون من عشرات أو مئات من الأعضاء"، مستثنيا تولي المرأة للولاية التنفيذية، لما تتطلبه من شدة وصرامة، ومدافعة وصراع في الداخل والخارج.

ويوضح الريسوني أن الشورى رغم خطابها العام، فإنها يمكن أن تخصص وتنحصر في البعض دون البعض، ومما يقبل النيابة والوكالة، "المهم عندي هو تقرير أن الشورى في الأصل عامة لجميع المسلمين، ثم ترد الاستثناءات والتخصيصات بأسبابها وأدلتها، وتقدر بقدرها، فحين تتحقق الكفاية ويتحصل مقصود الشورى فلا لزوم في الاستمرار في الشورى وفي توسيع دائرتها".

ويحدد الريسوني ثلاث صفات لأهل الشورى، وهي: "العلم والأمانة والخبرة، كما أن اختيارهم يتم بالتعيين والانتخاب"، وإن كان الريسوني يرى أن الثاني هو المعتمد، فيقول: "وبالرغم أن لكلتا الطريقين فوائدها وعيوبها، فمما لا شك فيه أن طريق الانتخاب الجمهوري أفضل وأجدى وآمن وأضمن، ولذلك أرى اعتمادها بالدرجة الأولى، مع إمكانية اعتماد طريقة التعيين بدرجة ثانية ومحدودة".

ويحسم الريسوني ثنائية الشورى بين الإلزام والإعلام، بتبني أن الشورى ملزمة: "وفي السيرة النبوية وسنة الخلفاء الراشدين وعموم الصحابة سنجد التوجه واضحا إلى الالتزام بمقتضى الشورى، والأخذ بما اتفق عليه المستشارون أو ذهب إليه أكثرهم"، مقدما نماذج شرعية وتاريخية من خلال السيرة النبوية، ترجح رأي الأغلبية واعتماده في تنزيل الشورى.

شروط مأسسة الشورى

وبعد ما قدم الريسوني ملامح من التجربة الشورية الإسلامية ومآلها التاريخي، دعا الفقيه الأصولي إلى مأسسة الشورى لتحقيق النهوض والبناء لدى الأمة، أسوة بمأسسة التعليم والزكاة والوقف.

وقال: "فالشورى دين ووحي وشرع من الله تعالى، فهي جزء من الشريعة، بل قاعدة كبرى من قواعدها، فتطبيقها تطبيق للشريعة وتعطيلها تعطيل للشريعة، فالمسلمون يهتدون ويترشدون بالوحي أولا وبالشورى ثانيا، ثم يأتي مطلق العلم والعقل، وتأتي التجربة والاجتهاد".

ويستثني الريسوني مجال القضاء من المجالات التي غيبت فيها الشورى، "حيث بقيت الشورى حاضرة في هذا المجال، وهو ما شكل وجها مضيئا للحياة الإسلامية والممارسة الإسلامية، وهو نظام يتفوق على نظام المستشارين المحلفين المعمول به لدى الغرب".

ويوضح الريسوني: "أن الفراغ التنظيمي والفقهي في مسألة إدارة الشورى وإدارة الاختلافات السياسية شكل على الدوام سببا لتحكم منطق القوة والغلبة، بكل ما يعنيه ذلك من فتن وصراعات وتصفيات دموية"، مقدما أربعة قواعد لإدارة الشورى، وهي: "تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من فجور، سد الذرائع، المصالح المرسلة، الاقتباس من الغير لما فيه مصلحة وخير".

وفي العلاقة بين الشورى والديمقراطية، يشير الريسوني إلى أنه إذا كان من قدر المسلمين العيش في"عصر الديمقراطية" وعولمة الديمقراطية في إطار الأصوات المطالبة بالإصلاح، فمن قدرنا أيضا أن نكون نحن من يقوم بترشيد الديمقراطية وترقيتها ومداواة أدوائها: "فحاجة الديمقراطية إلينا وإلى ما عندنا لا تقل عن حاجتنا إليها وإلى ما عندها، بل هي أشد، فنحن نحتاجها في اقتباسات وتجارب شكلية وتنظيمية وإجرائية، بينما الديمقراطية بحاجة إلينا لمعالجة بعض آفاتها البنيوية وأدوائها الجوهرية".

ويفوض الريسوني للعلماء والدعاة أمر تنقية الديمقراطية من سيطرة أصحاب المال والنفوذ، وذلك باعتماد البيان؛ لأن أحكام الإسلام تقوم على الإيمان والرضا وليس على الإكراه.

وبما أن الشورى "منهج حياة ومنهج تفكير وتدبير ومنهج علاقات ومعاملات"- حسب الريسوني، فهي تتطلب إشاعة ثقافة الشورى "وحتى لو نجحنا في إقامة نظام الشورى وعملنا في وسط غير متخلق وغير منضبط بضوابط مترسخة ومتعالية، فلا يبعد أن يتحول هذا النظام الشوري إلى مجرد أداة للصراعات والمناورات، وميدان للشد والجذب والجدل العقيم، وهنا يمكن أن نضيف إلى الشورى المعلمة والشورى الملزمة صنفا ثالثا هو"الشورى المؤلمة"، وهي التي لا تنتج إلا الخصومات والحزازات والأوجاع، وقد تتحول الشورى والمؤسسات الشورية إلى وسيلة للمكاسب والمناصب وقضاء المآرب".

وفي النهاية يبقى التأكيد على أن الكتاب يمثل لبنة جديدة في البناء الأصولي للشورى، حاول الفقيه الريسوني إثبات ضرورته الشرعية والواقعية في بناء نهضة الأمة، بالمزاوجة بين التأطير النظري والتطبيق العملي، وبرؤية متحررة من الفهوم السابقة والمعاصرة، وهو ما يكسبه وزنه العلمي التأصيلي، ويفرض على جميع المسلمين العمل على الاستفادة منه، لتنزيل الشورى في حياتهم الخاصة والعامة، والعمل على مراكمة شروط مأسستها.


صحفي مغربي

Sunday, October 21, 2007

كلمات اقتصادية من التاريخ الإسلامي

كان علي رضي الله عنه يدور في سوق الكوفة بالدرة ويقول: معاشر التجار، خذوا الحق تسلموا، لا تردوا قليل الربح فتحرموا كثيره.

قيل لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: ما سبب يسارك؟ قال: ثلاث، ما رددت ربحاً قط، ولا طلب مني حيوان فأخرت بيعه، ولا بعت بنسيئة، ويقال: إنه باع ألف ناقة فما ربح إلا عقلها: باع كل عقال بدرهم فربح فيها ألفاً وربح من نفقته عليها ليومه ألفاً

من كلمات ابن خلدون «القليل في الكثير.. كثير


Wednesday, October 17, 2007

كشف الأقنعة عن نظريات التنمية الاقتصادية

يقدم هذا الكتاب رؤية نقدية ثاقبة لنظريات التنمية الاقتصادية الغربية ويرى أن التحولات في هذه النظريات لا تعبر عن موقف علمي لمن يتبناها بقدر ما تعبر عن موقف أيدولوجي متحيز يعكس مصلحة وقوة الذين يروجون لتلك الأفكار.

مقتطفات من المقال الأصلي:

التبدل في النظريات والأفكار الاقتصادية ينبع من غلبة المصالح الأنانية للدول الغربية في علاقتها بدول العالم الثالث، ويعبر عن تحيز مفكريها لمصالح وثقافة هذه الدول، وليس تعبيراً بأي حال عن فكر محايد أو علمي

في العالم العربي والثالث عموما ظهرت كتابات اقتصادية تتحدث عن أهمية دور الدولة في التنمية والتخطيط، وساعد على ذلك تطلع الدول المستقلة حديثا إلى أن تقوم بدور في التنمية، كما أن الدول الاشتراكية وعلى رأسها الاتحاد السوفياتي منحت هذه الدول الحديثة آمالا في تحقيق التنمية


أصبحت الشركات المتعددة الجنسيات أقوى من الدول التي لم تعد تستطيع التحكم في نشاط هذه الشركات، بل أصبحت هي التي تحدد للاقتصاديين جدول أعمالهم الجديد الذي يعكس مصلحة من يتحكم في مصير العالم



الأجندة التي تقدمها المؤسسات الدولية لكل دول العالم الثالث هي أجندة خادعة لأنها تعبر عن مصالح الدول الغنية والطبقات الغنية في الدول الفقيرة، ومهما اتخذت هذه الأجندة وجه العلم فإنها كاذبة لأن لها وجها أيديولوجيا خفيا ومراوغاً




Saturday, July 28, 2007

اقتصاد يغدق فقرا

يجادل المؤلف في هذا الكتاب في جدوى النظام الاقتصادي الليبرالي السائد اليوم، وفي بحثه عن آثاره وتداعياته على المجتمعات والإنتاج يجد أن النمو الاقتصادي العالمي لم يحقق رفاهية للناس والمجتمعات.

بل كانت النتيجة زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء وتفشي البطالة والفقر وتراجع أنظمة التكافل والرعاية الصحية والاجتماعية وانخفاض الأجور وانتهاك حقوق العاملين بأجر الذين يشكلون أغلبية الناس
.

Monday, July 23, 2007

محطات اقتصادية من فكر مالك بن نبي

محطات اقتصادية من فكر مالك بن نبي

عرض/سكينة بوشلوح


مشكلة التخلف التي يعاني منها العالم الإسلامي هي أكبر مشكلة تعرقل سيره إلى الأمام وتضعه في خانة الدول المتخلفة التي لا تتحكم في زمام أمورها الاقتصادية لأنها لا تنتج شيئا، أو بحسب تعبير كارل ماركس "لا تنتج قيمة إضافية".

ولو وضع مشكلة التخلف ضمن نظرة شاملة متكاملة لحقق اقتصادا يمكنه من مواجهة الضرورات الداخلية والخارجية التي تحيط به.

من هذا المنطلق عالج الباحث قادة بحيري في مؤلفه "محطات اقتصادية من فكر مالك بن نبي" نظرة المفكر الجزائري الراحل إلى الاقتصاد وما أضافه إليه من أفكار لها علاقة بعلم الاجتماع وسلوكات الأفراد وتصرفاتهم.

-الكتاب: محطات اقتصادية من فكر مالك بن نبي


-المؤلف: قادة بحيري


-الصفحات: 187


-الناشر: دار الغرب للنشر والتوزيع، الجزائر


الطبعة: الأولى/2006
واقع العالم الإسلامي


بداية وعن الواقع الاقتصادي للدولة الإسلامية، يشير المؤلف إلى أن بن نبي يرى أن الدولة الإسلامية وجدت نفسها بعد نيلها الاستقلال السياسي بين خيارين اثنين: إما خيار الإباحية الرأسمالية أو خيار الاشتراكية، ظنا منها أنه لا يوجد خيار ثالث. وهذان الخياران لم يأتيا صدفة، بل صدرا عن قابليتها للاستعمار.

لقد حصرت الدول العربية فكرها في هذين البديلين الاقتصاديين، ولو أنها فكرت قليلا بعيدا عن المصالح الشخصية التي تحكمت في قراراتها السياسية لوجدت الخيار الاقتصادي في حل ثالث. ولربما كان هذا الحل أفضل من مبادئ آدم سميث و أحكام كارل ماكس.

وغداة الاستقلال مباشرة، وجد العالم الإسلامي اقتصاده مقتصرا على الاستهلاك بدل الإنتاج. لقد صنع الاستعمار من الرجل العربي المسلم -يؤكد المؤلف- رجلا لا يفكر إلا في بطنه، همه الوحيد كيف يلبي رغباته المادية، ولا يفكر أبدا في الوسائل التي تمكنه من الخروج من ورطته، مقلدا حاجات غيره طبقا لقانون ابن خلدون "المغلوب مولع باتباع الغالب"، وبذلك اتجه نحو تكديس الأشياء بدل البناء.

وظاهرة التكديس في نظر مالك بن نبي أدت إلى التمدن لا إلى الحضارة، وهذا التمدن يمكن صناعته في لحظة معينة من الزمن، إذ يكفي أن نرتدي ملابس غربية ونظارات غالية وهاتفا نقالا من نوع رفيع ونتحدث بلغة غيرنا ونحطم الرقم القياسي في التمدن، لكن رغم كل ذلك سنظل نحمل في ذواتنا أفكارا لا تحرك المجتمع، وعقلا ضيقا لا يتعدى الأفق، ولا نبني الحضارة التي تصنع منتجاتها.

وهنا يذكر المؤلف أنه لو حاولنا عكس المعادلة وحاولنا صنع حضارة من منتجاتها، فسيكون هذا بكل بساطة من قبيل وضع المحراث أمام الثور، وعليه فالمجتمع الذي لا يصنع أفكاره -يؤكد بن نبي- لا يمكنه على أية حال أن يصنع المنتوجات الضرورية لاستهلاكه ولا المنتوجات الضرورية لتصنيعه، ولا يمكنه في عهد التشييد أن يشيد بالأفكار المستوردة أو المسلطة عليه من الخارج.

ومن ثم تصبح التبعية الاقتصادية من أكبر المشاكل التي تعاني منها الدول النامية، ويصبح الركود والجمود ليسا من عوامل التقهقر والتخلف فحسب بل ومن عوامل الفناء والخروج من التاريخ كما حدث لدول اندثرت ومحيت من الخريطة السياسية.

بين الإنتاج والاستهلاك


بعدما تطرق بحيري لنظرة مالك بن نبي إلى الواقع الاقتصادي للدولة العربية والنامية، يعرج في نقطة تالية إلى سبيل الخروج من هذا الواقع، وينطلق بداية من التأكيد على أن العالم الإسلامي قد تعثر في طريق النهضة والتنمية، فكل المجهودات التي قام بها في هذا المضمار باءت بالفشل، في حين انطلقت دول أخرى في نفس الاتجاه وحققت نتائج ملموسة وأرقاما تضعها في مصاف الدول المتطورة.

"


المجتمع لا يأخذ توازنه إلا إذا تساوى فيه حجم الإنتاج وحجم الاستهلاك، ولن يتأتى هذا إلا بعملية تخطيط دقيقة ومنهجية، ذلك أنه كلما ارتفع حجم الاستهلاك إلى مستوى لا يمكن التحكم فيه اتجه المجتمع نحو التبذير والفساد


"
فها هي اليابان والصين ودول أخرى أصبحت اليوم تنافس جيرانها في أوروبا، ويكفي أن نلقي نظرة على أهم المنتوجات التي تدخل بلادنا حتى نعرف هذه الحقيقة الاقتصادية.

وها هي الهند وباكستان ودول أخرى آسيوية تخرج من ظلام التخلف وتجد لنفسها مكانا في الخريطة الاقتصادية يحسب له ألف حساب.

أما الدول العربية -يشير المؤلف- فإن اقتصادها لا يزال مقصورا على الواردات رغم تمتعها بالمساحات الشاسعة واليد العاملة العاطلة.

لقد أهملت معادلة اقتصادية لا تقل أهمية عن التخطيط الاقتصادي الدقيق المنسي أو المجهول في حياتها اليومية.. هذه المعادلة تكمن في أداء الواجب وطلب الحق.

فعندما عرف الغرب حقيقة هذه المعادلة خطا خطوات ملحوظة في عملية التنمية، فأصبح الاقتصاد ركيزة أساسية ويومية في حياته.

والحق كما يذكر بن نبي أن الاقتصاد في الغرب صار منذ قرون ركيزة أساسية للحياة الاجتماعية وقانونا جوهريا لتنظيمها.

إن العلاقة بين الحق والواجب هي التي ترسي القواعد الأساسية لجميع ميادين التطور في المجتمع. ومن المعروف أن الفرد في الدول العربية والإسلامية يطالب بحقوقه ويؤدي بعد ذلك واجباته، في حين أن الأفراد في العالم المتطور يؤدون واجباتهم ثم يطالبون بحقوقهم طبقا لمنوال خاص يطبع ثقافتهم وتصرفاتهم.

إن العلاقة "واجب-حق" تضعنا أمام علاقة اقتصادية "إنتاج-استهلاك"، فكلما أدى المجتمع واجباته زاد الإنتاج وكلما زاد الإنتاج تمتع الاقتصاد بالوفرة والرفاهية واستفاد جميع أفراد المجتمع بهذا الخير.

والعكس صحيح أيضا فكلما طالب أفراد المجتمع بالحقوق اتجه نحو التكديس والفساد والرشوة، فالسياسة التي تنهض أساسا بالمطالبة بالحقوق وتهمل جانب الواجبات لا تعدو أن تكون قد اتجهت هذا الاتجاه على أساس اختيار ضمني أو صريح بين مفهومين أخلاقيين: الواجب والحق.

مالك بن نبي يؤكد -حسب رأي المؤلف- أن المجتمع لا يأخذ توازنه إلا إذا تساوى فيه حجم الإنتاج وحجم الاستهلاك، ولن يتأتى هذا إلا بعملية تخطيط دقيقة ومنهجية تحترم فيها مقاييس الاقتصاد الكلي، ذلك أنه كلما ارتفع حجم الاستهلاك إلى مستوى لا يمكن التحكم فيه اتجه المجتمع نحو التبذير والفساد.

أما حين يتجه منحنى الطلب نحو الأسفل أي عندما يزيد عدد المستهلكين على عدد المنتجين فإن المجتمع يتجه نحو التأزم والقلة، ونتيجة لذلك تظهر الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وينحل المجتمع ويصبح أفراده يفسدون أكثر مما يصلحون، وتضمحل المؤسسات السياسية والاقتصادية التي تسهر على احترام النظام، وهكذا يتجه المجتمع نحو الركود والتقهقر.

الاستثمار المالي والاجتماعي


"


على العالم المتخلف أن يغير من مفهومه ليحوله من "العمل نتاج الاستثمار" إلى "الاستثمار نتاج عمل"، ذلك أن المعادلة الأولى ذات طابع مالي في حين أن المعادلة الثانية أساسا ذات طابع اجتماعي


"
تبعا لما سبق ذكره من أسباب التخلف في العالم العربي، ركز المؤلف على مدلول الاستثمار عند مالك بن نبي الذي يرى أن التنمية الاقتصادية التي لا تأخذ الإنسان بعين الاعتبار تبوء حتما بالفشل، فالنهضة يجب أن تتضمن الجانب التربوي الذي يجعل من الإنسان القيمة الاقتصادية الأولى التي تتحقق بها خطة التنمية.

ولهذا فعلى العالم المتخلف أن يغير وجهة الاستثمار حتى يتخلص من رواسب التخلف التي لحقت به في السنين الأخيرة، وأن يغير من مفهومه ليحوله من "العمل نتاج الاستثمار" إلى "الاستثمار نتاج عمل"، ذلك أن المعادلة الأولى ذات طابع مالي في حين أن المعادلة الثانية أساسا ذات طابع اجتماعي.

المعادلة الأولى تتطلب استثمار رؤوس أموال أجنبية كما يحدث حاليا في البلاد العربية، حيث نرى أن دفع عجلة التنمية يرتكز على مؤسسات أجنبية ذات جنسيات مختلفة.

في حين تترجم المعادلة الثانية مبدأ الاتكال على الذات ومبدأ الاستثمار الاجتماعي الذي يجب أن لا يُنظر إليه من منطلق السهولة التي لا تعطي للأشياء قيمتها الحقيقية، ولا من منطلق الاستحالة الذي يجعل من عملية التفاعل الاقتصادي عملية صعبة ومشبكة.

وعليه فالمسلم اليوم مطالب بأن ينظر إلى الأمور نظرة إيجابية تأخذ بعين الاعتبار مسلمتين اقتصاديتين:

1- لقمة العيش حق لكل فم.


2- العمل واجب على كل ساعد.

ولأن المطلوب ليس الدفاع عن الإسلام وأصالته، يقرر الباحث قادة أن فعالية الفرد المسلم هي المطلوب إحياؤها وإنماؤها، فهي حسب رأي بن نبي تنمو تدريجيا مع تعقد المصلحة، ومن ثم فإن الدول الإسلامية لو طبقت في برامجها الاقتصادية المسلمتين المذكورتين لحلت أكبر مشاكلها ألا وهي البطالة التي رمت بثقلها على اقتصادات هذه الدول.

وعليه فإنه متى تكونت لدى العالم الإسلامي الإرادة الواضحة للتخلص من التخلف فإنه سيجد أولا في المجال النظري أن اختياره ليس محدودا بالرأسمالية ولا بالماركسية، وأنه بالتالي يستطيع تعويض الاستثمار المالي المفقود لديه بالاستثمار الاجتماعي الموجود على أساس المسلمتين المعروضتين، سواء كان ذلك في نطاق مخطط مرحلي خاص بظروف ما يسمى بالإقلاع، أم كان المخطط يعني أيضا الاستمرار إذا ما رأى المجتمع مصلحته في ذلك.

"


لعل أفضل عمل تبدأ به أي دولة من أجل انطلاقة اقتصادية قوية هو تركيب عناصر الحضارة كما يسميها مالك بن نبي وهي "الإنسان والتراب والوقت" داخل شبكة اجتماعية قوية يكون عنصر الدين فيها ذا مكانة عالية


"
إن المتأمل في راهن العالم العربي والإسلامي يخلص -في رأي المؤلف- إلى أنه بدأ يرفض التخلف بكل أنواعه وأشكاله من أمية ومجاعة، وهو الآن يحاول دخول عالم الكبار بعدما ذاق مرارة الفقر والتخلف.

ولعل المحادثات الاقتصادية بين الجزائر ومنظمة التجارة الدولية والاتحاد الأوروبي لأصدق مثال على النية الطيبة التي تسعى من أجلها بلادنا للخروج من ورطة التخلف.

ولكن قبل البدء في دخول عالم الكبار لابد من شروط ضرورية، وإلا فإن كل محاولة في هذا الشأن يكون مآلها الفشل وخيبة الأمل، ولعل أفضل عمل تبدأ به أي دولة من أجل انطلاقة اقتصادية قوية هو تركيب عناصر الحضارة كما يسميها مالك بن نبي وهي "الإنسان والتراب والوقت"، داخل شبكة اجتماعية قوية يكون عنصر الدين فيها ذا مكانة عالية، لأن هذا العنصر هو الذي يعطي هذا التركيب قيمته الأخلاقية.

أما الإنسان فيه فهو الفرد المكيف والقادر على أن يؤثر في المجتمع بثلاثة مؤثرات رئيسية هي الفكر والعمل والمال، وحينها يكون التوجيه المنهجي للعمل شرطا عاما أولا، ثم وسيلة لكسب العيش بعد ذلك.

ويختم المؤلف كتابه بأن هذا التوجيه لن يكون فعالا إلا إذا أخذ شكلا رسميا تسهر عليه مؤسسات مختصة في توجيه العمل، خاصة تلك المهتمة بتوجيه اليد العاملة العاطلة وتوجيه رؤوس الأموال المحلية والأجنبية توجيها صادقا يحقق التنمية الشاملة التي تراعي الفرد وتعطيه فرصة في الحياة.