Friday, April 24, 2009

محمد الرسول هدم قلاع الاستبداد فأعدنا بناءها

أعمده

بقلم:
معتز بالله عبد الفتاح

24 ابريل 2009 05:48:16 م بتوقيت القاهرة

تعليقات: 1

محمد الرسول هدم قلاع الاستبداد فأعدنا بناءها

نحن لسنا متخلفين بسبب ديننا، وإنما تخلفنا يأتى رغما عن سمو مبادئه، وبسبب عدم قدرة المشتغلين بأمور الفقه على الخيال غير المتصادم مع عقائد الدين وأخلاقياته.

ومع ذلك فلا بد من الإشارة إلى اجتهادات محمودة لعدد من المفكرين الإسلاميين المعاصرين بدءا من الشيخين الغزالى والقرضاوى، والأساتذة عمارة والعوا وهويدى والبشرى عن التأصيل الشرعى للديمقراطية.

فلهم فى هذا الأمر كلام مهم لا يقل فى ثرائه وعمقه عن مؤلفات كبار الفلاسفة الغربيين الذين أثروا الحياة السياسية فى أوروبا وأمريكا خلال القرن الثامن عشر تحديدا، بيد أن هذا الكلام لم يزل بعيدا عن الثقافة العامة للكتلة الحية من المصريين الذين أحزن كثيرا لأن أجدهم غرقى فى روايات بديعة عن الماضى الذى يمثل منطقة آمنة للدعاة والمشايخ لأنهم يتعاملون معه بانتقائية شديدة تجعلنا نجمع بين الاعتزاز به وتكرار كل ما فيه من أخطاء لأننا لم نتعامل مع تراثنا بما يحمله العلم من منطق وما تحمله الفلسفة من شك. فهو حديث غير علمى وغير فلسفى فى مجمله.

وعليه فهى مسئولية مباشرة على كل صاحب كلمة أن يتفاعل مع هذه الاجتهادات التى قدمها هؤلاء حتى تتحول محاربة الفساد والاستبداد إلى فريضة لا تقل عن فريضة الصلاة والصوم.

فموسى عليه السلام كان ثائرا ضد الاستبداد والطغيان والعنصرية التى مارسها الفراعنة، ومحمد (صلى الله عليه وسلم) النبى والسياسى العظيم لم تعارضه قريش بسبب شعائر الإسلام من صلاة وصوم وحج وإنما بسبب ثورية الدين الجديد فى إحقاق الحق ومحاربة الظلم ومناهضة العبودية والانتصار لحقوق المرأة والمضطهدين.

لو كان الإسلام الذى جاء به الرسول الكريم محمد هو نوع الإسلام الشكلى الشعائرى المنافق الذى نعيشه والذى يهتم بأن يحرم سرقة الدش ولا يعبأ بتحريم سرقة الانتخابات، لما اعترض كفار قريش.

إن جهدا أكبر مطلوب من أهل الرأى والثقافة حتى تكون الديمقراطية أولوية فى حسابات المصريين ويرتفع الطلب عليها، مادامت النخبة الحاكمة غير مستنيرة بما يكفى لأن تكون سباقة فى النهوض بشعبها، وهذا ما لا يتم إلا بتوضيح الخلل الذى حدث حينما وضع الرسول بذرة الحكم الرشيد، ولم يقم الأمراء والعلماء على رعايتها، فأثمرت نظم حكم كانت أقرب لما كان شائعا عند الروم والفرس منه عن المبادئ العظيمة التى جاء بها الأب المؤسس لهذه الأمة، محمد رسول الله.

فإذا كان الحكم الرشيد يعنى احترام السلطة ورفض الطغيان فهذا ما قاله الرسول وفعله، فاحتراما للسلطة قال: «إذا كنتم ثلاثة فأمِّروا أحدكم»، أى لا بد من احترام السلطة حتى وإن كانت مؤقتة بالسفر، لكن وجود الإمارة والحكم لا يعنى الاستبداد أو التجبر والطغيان، بدليل أن الله ذم كل مستبد لأنه: «كان من المفسدين»، «إنه كان عاليا من المسرفين»، «واستفتحوا وخاب كل جبَّار عنيد»، «كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار».

والحقيقة أن الفقه الإسلامى فى مجمله، مدفوعا فى الأساس بالخوف من الفتنة والاقتتال، تجاوز عن هذه التفرقة الدقيقة، فساد فى عقول المسلمين منطق «مستبد... لكن» كنوع من تبرير الاستبداد من أجل الاستقرار والأمن الداخلى.

والطريف أن أكثر من نصف تاريخ الخلافات والممالك الإسلامية لم يعرف الاستقرار والأمن المنشودين، فكان المنطق هو المزيد من الاستبداد وليس تغييرا نوعيا فى علاقة الدولة بالمجتمع من خلال بناء مؤسسات تمثيل سياسى تضمن احترام السلطة وتقرير الاستقرار والأمن على نحو ما انتهت إليه الأمور فى مجتمعات أخرى.

ويكفى التذكير بمشهد مؤيدى آل جور ومؤيدى بوش فى انتخابات 2000 فى الولايات المتحدة، والتى وقف فيها الطرفان على جانبى الرصيف انتظارا لحكم المحكمة الدستورية دون أن يطلق أى منهما طلقة رصاص واحدة، وذلك لأنهم يثقون فى أن للدولة مؤسسات عادلة ونافذة قادرة على أن تضع الأمور فى نصابها.

وإذا كان الحكم الرشيد يتضمن آلية محددة لصنع القرار السياسى حين تتعدد وجهات النظر، فهذا ما قرره الرسول الكريم استجابة لأمر قرآنى نزل فى أعقاب هزيمة عسكرية ترتبت على أنه شاور أصحابه فقرر كثيرون منهم أن الأوْلى هو الخروج لجبل أحد، ومع ذلك كانت الهزيمة، ومع ذلك أيضا لم يكن النهى بأن يقول الله سبحانه بألا تستشرهم لقصور فى فهمهم، ولكنه نزل بقوله: «فاعفُ عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر».

بل مدح القرآن الكريم ملكة سبأ حين طبقت هذا المبدأ حتى قبل أن تسلم مع سليمان لله رب العالمين حين قالت لأهل شورتها: «ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون»، بيد أن الشورى ستعنى تفاوتا فى الآراء وربما تفضى إلى النزاع، فأقر الرسول (ص) مبدأ مهما حين غلب فكرة قرار الأغلبية مخاطبا أبا بكر وعمر قائلا: «لو اتفقتما على أمر ما خالفتكما» لأنهما اثنان وهو واحد، حتى لو كان نبيا.

ويضع الأساس الفلسفى لهذه الفكرة بقوله: «الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد»، وهو ما فقهه عمر بن الخطاب حين أشار إلى مبدأ القرار بالأغلبية حين ترك ستة من الصحابة يتخيرون بالأغلبية واحدا منهم للحكم. وهو ما لم يستمر مع الأسف فى تاريخنا معظمه بما أفضى إلى فتن واقتتال بدءا من عثمان وحتى يومنا هذا.

وإذا كان الحكم الرشيد يتضمن مبدأ التمثيل السياسى بآلياته المعروفة (أحزاب وانتخابات وبرلمانات)، فهذه منطقة لم يجتهد فيها الفقهاء المسلمون السابقون بما يكفى، فى حين أن المبدأ أقره الرسول الكريم حين كان يجمع مسلمى المدينة للتشاور فى أمر ما بقوله: «اختاروا نقباءكم»، أى انتقوا ممثليكم حتى يعبروا عن رؤاكم ومصالحكم فى شئون الحكم وسياسة المال.

والتمثيل السياسى يقتضى الاختيار بين مرشحين فى انتخابات عامة والتى وجد الكثيرون، ومنهم الإمام الخومينى مثلا، أنه نوع من الشهادة العامة. والمسلم مأمور شرعا ألا يكتم الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه بنص القرآن. ومن يشهد ينبغى أن يشهد بالحق حتى لا تكون شهادة زور لأن الحديث يقول: «عدلت شهادة الزور الإشراك بالله تعالى».

وإذا كان الحكم الرشيد له صيغ مختلفة ومتفاوتة فإننا مطالبون شرعا بألا نكون كالحمار الذى يحمل أسفارا بل ينبغى أن نسير فى الأرض بالنظر والتعلم والتبصر، حتى لا نقع فيما وقعت فيه أمم أخرى من أخطاء، وحتى تستبين طريق النهضة حتى لو احتجنا لأن ننقل عن الآخرين بعضا مما ابتكروه.

والحقيقة أن الاجتهاد فى هذا الأمر يطول، لكن لا شك أن هذه المبادئ والممارسات الأولى لم يرعها الفقهاء حق رعايتها بالتنظير والتصميم والتأسيس، فانتهينا إلى عكس مبادئ الدين الذى ندين به.

وكأننا مطالبون بإعادة اكتشاف أصول ديننا. وهو أمر مفهوم فى ضوء سيطرة ماض طويل عمل تاريخيا فى اتجاه «طبعنة الاستبداد» أى جعله أمرا طبيعيا لا بد من التعايش معه وليس الوقوف ضده، وحتى تتحول المبادئ إلى أفكار شائعة بين الناس، فلا بد من مجهود ذهنى وثقافى ضخم يقوم به قادة الرأى العام الذين هم، من أسف، فى أغلبهم مشغولون بأمور بعيدة عن أسباب النهضة ومقومات البناء الحضارى.

ثم يضاف إلى ذلك تكوين النخب التى تولت الحكم فى مرحلة ما بعد الاستقلال فى معظم المجتمعات المسلمة والتى كانت أولوياتها بعيدة تماما عن هذه المفاهيم السابقة.
وقصارى القول؛ فإن ما دمره الإسلام من قلاع الاستبداد تم بناؤه مرة أخرى بيد المنتسبين إليه، وها نحن مطالبون بأن نحاول تدميرها مرة أخرى عسانا ننجح.
إكاديمى مصرى بالولايات المتحدة

Friday, April 17, 2009

إذا كنا متدينين.. فلماذا متخلفون؟

أعمده

بقلم:
معتز بالله عبد الفتاح

17 ابريل 2009 04:15:04 م بتوقيت القاهرة

تعليقات: 12

إذا كنا متدينين.. فلماذا متخلفون؟

لا أحب الكتابة فى أمور الدين رغما عن دأبى فى القراءة عنها وذلك خوفا من الخطأ فى أمر جلل وإجلالا للمكانة العظيمة التى يشغلها علماء أفاضل كرسوا حياتهم لدراسة شئونه والتباحث حوله. ولكننى أواجه معضلة أخرى وهى أن النموذج التفسيرى لأسباب تخلفنا سيختل بشدة إن لم نناقش الدور الذى لم يلعبه فقهاؤنا تاريخيا ونذوق نحن وبال تقاعسهم حتى الآن.

وسبب هذا المقال المباشر هو عدد من الرسائل التى علقت على مقال سابق أشرت فيه لأن الدول المسلمة غير العربية حققت نجاحات ملحوظة على صعيد التحول الديمقراطى أكثر من الدول العربية. وكان أحد الردود هو أننى «أخطأت خطأ شرعيا، لأننى جعلت الديمقراطية معيارا للحكم على الدول المسلمة، فى حين أن الديمقراطية هى خروج عن أصل ثابت من أصول الشريعة الإسلامية... وتقليد للغرب الذى لا يريد للمسلمين أن يتبنوا الشورى التى أمرنا بها الله.»

أعتقد أن هناك خطأ فى الاستدلال مصدره خطأ فى الإبلاغ. فالله سبحانه وتعالى لم يبلغنا فى كتابه العزيز وصفات جاهزة فى أمور السياسة، عكس ما فعل فى أمور أخرى مثل تفاصيل الميراث وصلاة الخوف والطلاق، ولكنه أعطانا إشارات واضحة كان على فقهائنا أن يبنوا عليها أطرا نظرية تأخذ هذه الإشارات من إطار المبادئ والتوجيهات العامة إلى نظريات محكمة تكون مقدمة لبناء مؤسسات راسخة تقوم بمهام الحكم.

فمثلا قبل أن تبنى مصانع السيارات كان لا بد من وجود «الفكرة» ثم التصميم النظرى على الورق ودراسات الجدوى ثم بدء التجريب ثم التوسع التجارى فيها. ولعل الله قد أعطانا الفكرة بأنه «أنزل الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس» ولكن كان على العقل المسلم أن يترجم هذه الإشارة إلى منافع الحديد إلى منتجات تامة الصنع بعد مراحل من التنظير والتصميم وصولا إلى التصنيع.

لكن ما حدث أن غيرنا فقه عنا وسبقنا إلى ما كنا نحن أولى به، فسيارات العالم تجوب شوارعنا ونحن نتنافس على شرائها دون أن يكون للمسلمين دور ملحوظ لا فى التصميم أو التنفيذ، ومع ذلك هذا لا يعنى أن هذه السيارات حرام لأننا لم نخترعها.

والأمر ليس بعيدا عن ذلك فى شأن الديمقراطية. فالقرآن الكريم وممارسات الرسول العظيم قدمت لنا إشارات مهمة ومبادئ سامية كان ينبغى للعقل الفقهى المسلم أن ينشغل بها تنظيرا وتأسيسا حتى تتحول إلى واقع نعيشه.

ولكن المعضلة أن سبقنا غيرنا إلى ما كنا نحن أولى به. ولهذا فأنا أعتقد أن فقهاءنا السابقين واللاحقين قد خذلونا لأنهم لم يقوموا بواجبهم الكافى فى الاجتهاد والتأسيس لنظام سياسى إسلامى قادر على محاربة الاستبداد والفساد. وهو ما قرره الشيخ محمد الغزالى فى كتابه «مشكلات فى طريق الدعوة الإسلامية» بقوله: «ولا بد من الاعتراف ابتداء بأن فقه العبادات، وجوانب من فقه المعاملات اتسع عندنا اتساعا أكثر من اللازم، وأن الاستبحار التشريعى فى أمور الطهارة والصلاة والحج والزكاة وما إلى ذلك كان أكثر مما يطيقه الفرد المسلم أو المجتمع المسلم، وقليل من هذا كان يكفى الناس... لكن لا شك أن فى الأمة تخلفا فى سياسة الحكم وسياسة المال.»

صدق الشيخ الغزالى، وبنفس الدرجة من الصراحة أقول، لولا أننا استوردنا من الغرب بعض آليات إقرار موازنة الدولة والرقابة عليها لكنا نعيش زمن ملوك المسلمين الذين نسميهم مجاملة خلفاء حيث لا انفصال بين ميزانيتهم الشخصية وميزانية بيت المال. ولكان الواحد منا يقف عند قصورهم ينتظر عطاياهم.

ولولا أننا اضطررنا أن نستورد فكرة الأحزاب السياسية والبرلمانات المنتخبة والصحافة الحرة لكنا جميعا، إلا الإمعات، ننتظر أن يقام علينا الحد بحكم الترويج للفتنة وتأليب الرأى العام.

إن الفقهاء المسلمين تاريخيا لم يجدوا غضاضة فى قبول فكرة أن الشورى واجبة (أى لا بد أن يستشير من بيده الأمر) لكنها ليست ملزمة (أى أن من يستشير ليس ملزما برأى أهل الشورى)، وكأن على رئيس الجمهورية أن يستشير مجلسى الشعب والشورى واللذين يقدمان له قائمة من البدائل المحتملة ولرئيس الدولة أن يختار أحد هذه البدائل أو أن يتجاهلها جميعا، المهم أنه استشارهما حتى لو تجاهل ما انتهيا إليه.

حتى إننى سعدت سعادة بالغة، أعقبها إحباط كبير، بعد أن قرأت للشيخ القرضاوى استشهاده بكلام الفقيه ابن عابدين عن الشورى والذى يؤكد فيه أن الشورى ليست فقط واجبة ولكن ملزمة أيضا. ولكن مصدر إحباطى هو أننى حينما حاولت أن أعرف أكثر عن ابن عابدين اكتشفت أنه من المتأخرين، عاش فى القرن التاسع عشر أى أنه كان فى نفس فترة رفاعة الطهطاوى والذى كان يحكى لنا عن بنية ومؤسسات الديمقراطية الفرنسية ودور البرلمان فى الرقابة والتشريع ونحن لم نزل نتداول مسألة إلزامية الشورى.

وعليه فإن أمتنا احتاجت حوالى 12 قرنا حتى يكتشف أحد فقهائها أن الشورى ملزمة، وهو اكتشاف لم يتبعه تنظير وتأسيس، فلم يزل أغلب الفقهاء أميل إلى الرأى القديم حتى وإن كانوا على انحصار، كما احتاجت الأمة حوالى قرنا آخر كى يعرف فقهاؤنا أن الديمقراطية مقبولة إسلاميا.

وللحق فقد سبقهم فى هذا المفكرون الليبراليون (العلمانيون) الذين درسوا فى الغرب أو قرأوا عنه باستفاضة، ومع ذلك لم ينجح هؤلاء أو أولئك بعد فى أن يجعلوها أولوية على أجندة العرب. فللدعاة والفقهاء أجندة خاصة للغاية تركز على الرقائق والعبادات وتاريخ الفتوح وغيرها من الأمور المهمة لكنها بعيدة كل البعد عن تبصير الناس بأهمية بناء نموذج سياسى يهاجم الاستبداد ويضمن للمواطنين حقوقهم السياسية.

وقد حاولت فى إحدى الدراسات أن أرصد أجندة العلماء والدعاة المسلمين العرب للتعرف على القضايا التى يرونها أولى بالتقديم، فتبين لى أن هناك فقط 15 شريطا مسجلا يهاجم على نحو مباشر الديكتاتورية فى العالمين العربى والإسلامى من قرابة 7800 شريط شملتها العينة آنذاك (أى حوالى شريطين من كل ألف شريط)، وبالتالى ليس مستغربا لماذا يجمع الإنسان العربى بين التدين الشكلى والتخلف البنيوى طالما أنه يظل حبيس هذا النمط من الرسائل الاتصالية التى تبعده عن فهم ومقاومة جوهر الاستبداد الذى يعيشه ويخلق عنده استلابا حضاريا (أى شعور بالعجز عن تغيير واقعه).

نحن لسنا متخلفين بسبب ديننا، وإنما تخلفنا يأتى رغما عن سمو مبادئه، وبسبب عدم قدرة المشتغلين بأمور الفقه من أن يمتلكوا القدرة على الخيال غير المتصادم مع عقائد الدين وأخلاقياته. فلم يقدم الفقهاء المسلمون نظريات خمس لا يقوم نظام سياسى رشيد إلا بها: فلا توجد نظرية فى التداول السلمى للسلطة، وإنما يظل الحاكم يحكم إلى آخر يوم فى حياته وكأن هذا الأصل فى الشريعة، ولم يقدموا نظرية فى المعارضة السلمية تتجاوز فكرة أن المعارضة تعنى إثارة الفتنة.

ولم يقدموا نظرية فى تعدد مراكز صنع القرار تضع قيودا على استبداد المستبد، ولم يطوروا نظرية فى التمثيل السياسى تضمن للجميع المشاركة السياسية بغض النظر عن الدين والنوع، ولم يقدموا نظرية فى الحقوق والحريات تجعل الجميع سواسية أمام القانون. أما وقد سبقنا غيرنا، ورفضنا أن نلحق بهم، فلا غرابة أننا متخلفون حتى وإن بدت علينا مظاهر التدين الزائف.

Friday, April 10, 2009

اجتماع الثروة والتخلف عند العرب استثناء

أعمده

بقلم:
معتز بالله عبد الفتاح

10 ابريل 2009 05:38:51 م بتوقيت القاهرة

تعليقات: 0

اجتماع الثروة والتخلف عند العرب استثناء

تعجب بعض القراء مما ذكر فى مقال سابق من أن العرب «22 دولة» وإن كانوا يمثلون 10٪ من دول العالم «220 دولة» و5٪ من سكانه إلا أنهم يمثلون حوالى 50٪ من الدول غير الديمقراطية فى العالم.

والحقيقة أن هذه حقيقة، فقد حاول بعض الباحثين الغربيين الربط بين الإسلام وغياب الديمقراطية على اعتبار أن العلة تدور مع معلولها وجودا وعدما كما يقول المناطقة، فإن حضر الإسلام غابت الديمقراطية عند هؤلاء، لكن تبين من الدراسات الميدانية، انظر مثلا كتاب المسلمون والديمقراطية الصادر عن دار «الشروق»، أن المشكلة الحقيقة ليست فى كل الدول ذات الأغلبية المسلمة، بل هى ليست فى أحاد المسلمين بالضرورة، وإنما هى بالأساس فى الدول العربية.

لكن معظم الدول ذات الأغلبية المسلمة غير العربية حققت الكثير على صعيد التطور الديمقراطى بل إنها تفوقت على نظيراتها من الدول غير المسلمة ذات الظروف الاقتصادية والاجتماعية المشابهة، فهناك ديمقراطيات ناشئة وواعدة فى مالى والسنغال، وأخرى فى إندونيسيا وماليزيا وتركيا، وتظل بلداننا العربية تجمع بين معضلة الزواج الكاثوليكى بين التخلفين السياسى والاقتصادى وما يحفظ استمراريتهما من منطق «مستبد، لكن» فنجد دائما للمستبد عذرا أو أعذارا، فصدام حسين كان مستبدا لكنه حمى الأمة من الشيعة الفرس، وجمال عبدالناصر بطل الثورة والقومية العربية وتسلطه ثمن مقبول مقابل ما حققناه من انجازات فى عهده؛ وبعد التأمل نكتشف أن الاستبداد ثمن باهظ جدا يأكل أى انجاز آخر مهما بدا جذابا على المدى القصير.

وبنفس المنطق يرى معظم العرب أن الديمقراطية ليست ذات أولوية طالما أن هناك نهضة اقتصادية، فهذا يعوض ذاك. هذا منطق خاطئ حتى وفقا لأكثر الدراسات الاقتصادية ميدانية «أى بعدا عن الأيديولوجية»، فمن الثابت أن الدول ذات الحزب الواحد أو المسيطر «مثل الصين وسنغافورة» تحقق قفزات هائلة فى معدلات النمو خلال فترات قصيرة لكنها لا تستطيع أن تحافظ على هذا المعدل لفترة طويلة من الزمن، ولهذا تتساوى فى المتوسط المجتمعات التسلطية مع المجتمعات الديمقراطية وكأن الأداء الاقتصادى على المدى الطويل نسبيا «أكثر من عشر سنوات فى المتوسط» ليس مرتبطا بمدى ديمقراطية الحكم وإن كان يرتبط بمدى رشادة عملية صنع القرار ووجود قواعد مؤسسية مستقرة وشفافة.

ولهذا توضح دراسات الاقتصاد السياسى للتنمية أن الدول الأقل مؤسساتية «وهى عادة الأقل ديمقراطية»، تكون الأكثر محابة وفسادا والأقل رشادة فى قراراتها التنموية ومن ثم الأقل قدرة على تحقيق أهدافها المعلنة بما ينال من قدرتها على تحويل رأسمالها المادى «كبترول وأراض ومياه» إلى رأسمال «نقدى وتمويلى»، ومن ثم إلى رأسمال بشرى «فى صورة إنجازات تعليمية وصحية وإدارية»، وبالتالى إلى نهضة عامة.

وعليه فالدول العربية النفطية، مثلا، وإن كانت ذات موارد اقتصادية «ريعية» كبيرة لكنها غير قادرة على تحويلها إلى نهضة اجتماعية واقتصادية بنفس القدر الذى نجحت فيها دول أكثر ديمقراطية ومؤسساتية وأقل فى الموارد الطبيعية. ولتبسيط الصورة تخيل معى شخصا يملك ثروة تقدر بالملايين من الجنيهات نقدا وعدا ولكن يعيش وأسرته فى فقر يليق بمن لا دخل له وعلاقتهم بالعلم ضحلة ويعانون أمراضا يمكن علاجها لكنهم لا يعرفون كيف يحولون رأسمالهم النقدى إلى رأسمال تعليمى وصحى واجتماعى. هل تعرف من هذا الشخص؟ إنه أنا وأنت ومعظم المجتمعات العربية.

ولنستخدم لغة الأرقام وفقا لتقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة لعام 2008؛ فمتوسط دخل الفرد السعودى «محسوبا بقدرته الشرائية وليس كرقم مطلق فى أيدى المواطنين السعوديين» حوالى 14 ألف دولار فى السنة فى حين كان أداء المجتمع السعودى على مقياس التنمية البشرية «أى أداء المجتمع الصحى والتعليمى» حوالى 77 من مائة. فى حين أن متوسط دخل المواطن فى الإكوادور 4000 دولار فقط فى السنة لكن المجتمع الإكوادورى يقف فى نفس المستوى مع السعودية على مقياس التنمية البشرية. بل إن الصين ذات المليار وربع المليار نسمة تقف على نفس النقطة تقريبا مع المملكة السعودية فى الأداء التعليمى والصحى فى حين أن متوسط القوة الشرائية للصينيين أقل من نصف نظرائهم السعوديين؛ إذن هناك تسرب فى عملية تحويل رأس المال النقدى إلى رأس مال اجتماعى واقتصادى وبشرى، وهذا التسرب يعنى أن هناك هدرا فى طاقات المجتمع ورخاوة فى قدرة الدولة على الاستفادة من مواردها. ولنأخذ مصر مثالا آخر: فمتوسط قدرة المواطن المصرى الشرائية حوالى 4200 دولار فى السنة لكن مصر حققت فقط 70 نقطة من مائة على مقياس التنمية البشرية وهى تقريبا نفس ما حققته بوليفيا رغما عن أن متوسط دخل المواطن البوليفى حوالى 2800 دولار فقط.

والفارق بين مصر وبوليفيا كالفارق بين من بنى جامعة بـ100 مليون جنيه ومن بنى جامعتين على نفس المستوى وبنفس المبلغ.

هل هذا مستغرب؟ مع الأسف، لا. ألم نسمع عن المبانى السكانية التى تبنى ثم تغلق، وعن الجراج الذى يهدم أحد طوابقه بعد أن يتم بناؤه، أو عن الطريق الدائرى الذى يتوقف العمل فيه بسبب اكتشافنا فجأة أنه يخترق المنطقة الأثرية؟ بل هناك ما هو أعظم من ذلك فالساحل الشمالى بطول 1700 كم ومساحة تقدر بـ72 ألف كيلو متر مربعا «مع ملاحظة أن المصريين يقطنون الآن حوالى 40 ألف كيلو متر مربعا» كان يمكن أن يكون أشبه بنظيره فى دولة مثل تونس، حيث يكون نقلة كبيرة لأعداد مهولة من المصريين إلى مدن حقيقية شبيهة بالإسكندرية بدلا من منتجعات ترفيهية تستغل لمدة ثلاثة أشهر ثم تغلق بلا قيمة اقتصادية أو اجتماعية مضافة لبقية السنة.

وفى خلال أسبوع واحد علق الدكتوران رشدى سعيد وفاروق الباز على مشروع توشكى، وكل بمنطقه، انتهيا إلى أن المشروع «كله خطأ فى خطأ» وفقا للأول، و«يصعب إقامة حياة مستدامة فيه» وفقا للآخر مع أن المشروع تكلف حتى الآن حوالى 6 مليارات جنيه كان يمكن أن تنفق على ما هو أكثر نفعا وجدوى.

قصارى القول، أزمتنا فى عقولنا وفى إدارتنا لشئوننا وفى قدرتنا على وضع قياداتنا موضع المساءلة على ما فرطوا ويفرطون فيه من مواردنا. إن المتتبع لتحليل قيادات الدولة فى مصر لمشاكلنا يجدهم يؤكدون دائما أن تعثر التنمية فى مصر يعود إلى ثلاثية: الزيادة السكانية، والاضطرابات الإقليمية، والأصولية الإسلامية دون أن يعترفوا قط بالخطايا الحكومية نتيجة ضعف التخطيط ورخاوة الدولة فى تنفيذ ما تعد به. إن ثلاثية الأعذار التى طالما ساقها الحزب الوطنى لتبرير الخلل فى إدارة شئون الدولة، وإن كان فيها بعض الصدق، لكنها ليست كل الحقيقة. فالبيئة الإقليمية لإيران، بما فيها من حرب ثمانى سنوات وحصار اقتصادى أمريكى دائم لمدة 30 سنة، لا تقل اضطرابا عن بيئة مصر الإقليمية، وعدد سكانها يقارب عدد سكان مصر، بل هى محكومة بالأصولية الإسلامية فى أجل صورها، ومع ذلك فأداؤها العام أفضل كثيرا من أدائنا. تتجلى هذه الصورة أمامى وأنا أدرس مع طلابى تجارب التنمية فى دول كثيرة بدأت مع مصر وبعد مصر وحققت أفضل كثيرا مما حققته مصر، ويسألوننى ماذا حدث فأقول فتش عن القيادة.

Friday, April 3, 2009

مرشد الإخوان الجديد.. هل من جديد؟

أعمده

بقلم:
معتز بالله عبد الفتاح

3 ابريل 2009 06:00:06 م بتوقيت القاهرة

تعليقات: 0

مرشد الإخوان الجديد.. هل من جديد؟

انتخاب مرشد جديد لجماعة الإخوان لا يقل أهمية عن انتخاب رئيس الحزب الوطنى، فهذان هما أهم منصبين سياسيين فى مصر. وما يترتب على توجهات المرشد الجديد سيكون كاشفا عن موازين القوى داخل الجماعة بين قوى الليبرالية وقوى التشدد ومنشئا لصورة ذهنية عنها أمام المجتمع المصرى والعالم الخارجى.

ومما لا شك فيه أن هناك تحولات كثيرة ومهمة قد حدثت فى مواقف الإخوان تجاه قضايا كثيرة، ولكنها ظلت بعيدة عن الليبرالية الحقيقية والتى تجعلهم ليسوا ليبراليين حقيقيين؛ وتجعل الليبراليون الحقيقيون، على قلتهم، لا يقبلونهم.

والمزاوجة بين ما هو إسلامى وما هو ليبرالى معضلة تحتاج أولا إلى جهد ذهنى وإبداع نظرى قام ويقوم به مفكرون إسلاميون كبار من أمثال الغزالى والقرضاوى والبشرى والعوا وأبو المجد وهويدى، كل على طريقته وفى حدود خطوطه الحمراء؛ وتحتاج ثانيا إلى عقول متفتحة من قيادات الجماعة حتى تأخذ هذه الأفكار الليبرالية وتنطلق بها فى سماء المواطنة المصرية.

إن الجماعة إذن مشدودة بين تيارين رئيسيين ينتقدانها من خارجها أحدهما أصولى والآخر ليبرالى.

فمن ناحية يوجه التيار الأصولى للجماعة انتقادات من قبيل «إن الإخوان قد وقعوا فى أخطاء عظيمة وسقطات عقائدية وبدأوا يتحدثون عن فقه جديد لا يعرفه علماء الإسلام، سووا فيه بين المسلمين وغيرهم فى جميع حقوق المواطنة المادى منها والمعنوى، والمدنى منها والسياسى» (الظواهرى، فرسان تحت راية النبى) بل إنه تهكم على الإخوان لأنهم يعطون «للنصارى» الحق فى تولى كل وظائف الدولة ما عدا منصب رئيس الدولة «أنهم لا يرون غضاضة فى أن يتولى رئاسة وزراء مصر نصرانى! ترى ولماذا لا يكون يهوديا؟ أليس فى مصر مواطنون يهود؟ أم أن المسألة دعاية سياسية وليست مبادئ؟» (نفس المصدر).

وفى الوقت نفسه يقف منهم فريق من المصريين سواء المختلفين معهم فى الديانة أو الأيديولوجية موقف الناقض لأنهم ليسوا ليبراليين على الإطلاق، ويستشهدون بتصريحات المرشد العام مصطفى مشهور فى عام 1999، حينما قال إنه لا ينبغى للمسيحيين الدخول فى الجيش والعودة بالأقباط إلى صيغة أهل الذمة، وما قاله المرشد الحالى من عبارات تدل على استعداده لأن تكون مصر ولاية أو دويلة فى دولة خلافة أكبر حتى لو كان الخليفة ماليزيا.

فى ضوء كل ذلك، من الذى ستنتخبه الجماعة مرشدا لها؟ هل سيكون أقرب إلى فكر البشرى الذى قال إن غير المسلمين فى الدول المسلمة لهم جميع الحقوق فى تولى جميع المناصب بما فى ذلك الولاية العليا لأنها الآن أصبحت ولاية لمؤسسات وليست لأفراد؟ أم هى أقرب إلى فكر سيد قطب الذى يرى أن الأصل فى علاقة المسلمين بغيرهم جاءت صراحة فى آيات سورة التوبة لأن الأصل ألا يعيش فى الدولة المسلمة إلا المسلمون؟

إن الإخوان سيواجهون اختبارات عدة مع مرشدهم الجديد، وإما أن ينجح فينتقل بالجماعة، بل ربما بمصر كلها إلى مستقبل أكثر ديمقراطية من خلال جماعة وطنية قادرة على أن تكون نواة لمعارضة وطنية جامعة وإما أن تظل جسدا ضخما بعقل ماضوى غير قادر على استيعاب التحديات والتطلعات. وفى تقديرى أن أهم اختبارين فكريين أمام المرشد الجديد هما اختبار حدود الوطن واختبار حدود المواطنة.

ولنبدأ باختبار المواطنة، فحقوق الإخوة الأقباط ليست منحة من المسلمين، فقد ولى عصر الذمة وعصر الملة وجاء عصر المواطنة.

وعلى هذا فالإخوان مطالبون بأن يحددوا موقفهم شرعا من أقوال بعض الفقهاء السابقين من قبيل قول القرطبى بعدم جواز استكتاب أهل الذمة. أو الاستنابة إليهم، وهو ما أوضحه ابن تيمية فى قوله: «لا يستعان بأهل الذمة فى عمالة ولا كتابة لأنه يلزم منه مفاسد» وهو كلام يبدو أقرب إلى نصيحة يقدمها الفقيه إلى السلطان فى زمن بعينه منه إلى موقف شرعى ثابت لاسيما فى ضوء عشرات الآيات التى تحض على البر والقسط «مثل آيات سورة الممتحنة».

وينبغى أن تنبنى المواطنة على تأصيل شرعى حقيقى ولا تبدو كتقية سياسية تسترضى الخصوم. ولنستلهم روح التسامح التى أبداها الرسول الكريم ــ صلى الله عليه وسلم ــ مع نصارى نجران حين عاهدهم على معاونتهم على بناء ما تهدم من كنائسهم، والبيع والشراء معهم، وهى نفس الروح التى سيطرت على ما كتبه ابن القيم عن جواز الصدقة والوقف على مساكين أهل الذمة «الذين ينبغى أن نعتبرهم الآن مواطنين كاملى المواطنة».

بل أعتقد أن النجاح بامتياز فى اختبار المواطنة ينبغى أن يشهد للمسيحيين المصريين بأنهم تبنوا مواقف وطنية كثيرة حفظت لهذا البلد وحدته واستقراره وهو ما حدا بزعيمهم «مكرم باشا عبيد» أن يعلن أمام المعتمد البريطانى أنه «مسلم وطنا مسيحى دينا» رافضا فكرة إنشاء وطن للمسيحيين فى جنوب مصر وللمسلمين فى شمالها، وهو بذاته السياسى الوحيد الذى سار خلف جنازة حسن البنا وله أحفاد كثيرون يملأون ربوع الوطن لا يقلون فى وطنيتهم عنه.

كما أن اختبار حدود الوطن يقتضى التخلى عن فكرة الخلافة بشكلها التقليدى بما تضمنته من ضم الأقوى للأضعف وفقا لنظرية العصبية التى قال بها ابن خلدون، فهى تاريخ أكثر منها مستقبل؛ ولو كان لها من مستقبل فستأخذ شكلا فيدراليا ديمقراطيا على نمط الفيدرالية الأوروبية الناشئة دون عنف أو إكراه؛ فلا يمكن بناء الوطن بالتضحية بحرية المواطن وحقوقه.

فالأولوية لمصر الوطن ليس لأسباب سياسية تكتيكية وإنما أيضا وفقا لتأصيل شرعى سليم على نحو ما جاء فى الآية الكريمة: «إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم فى سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض» وكأن هؤلاء الذين نصروا المهاجرين من مكة إلى المدينة لهم ولاية مباشرة أشبه بعلاقة المواطنة التى يعيشها المصريون جميعا حتى وإن حدث اختلاف فى الدين، وهذا ما جسده دستور المدينة الذى خلق مواطنة جديدة قائمة على الانتماء للمكان بغض النظر عن الدين.

أما «الذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شىء حتى يهاجروا وإن استنصروكم فى الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق» أى إن المسلمين الذين هم الآن فى أماكن بعيدة عن ديارنا فعلينا نصرتهم، لكن ليس علينا الولاية لهم أو الشعور بأن علينا أن نكون وهم مواطنون فى دولة واحدة بالضرورة؛ ففى تاريخ المسلمين نفسه كانت هناك دول خلافة متعددة خلال نفس الفترة الزمنية.

إن هذين التحديين الفكريين لا بد أن يترجما إلى برامج سياسية وتغييرات تنظيمية تعكس رؤية مختلفة لدور الجماعة ولعلاقتها بغير الإسلاميين من القوى والأحزاب الأخرى.

إن الجماعة فى سباق مع الزمن، ولايمكن أن تأتى المواقف القديمة بنتائج جديدة مادامت الحياة السياسية المصرية على نفس جمودها. فإذا كان مستقبل هذا الوطن هو الديمقراطية والليبرالية، فلن يتم هذا إلا إذا قبل جميع أطراف المباراة السياسية بقواعدها الديمقراطية والليبرالية وهو ما يقتضى جهدا ذهنيا مضنيا.

وأدعو الإخوان لتأمل قول فهمى هويدى: «طلب الحرية مقدم على تطبيق الشريعة.. تقديم ترتيب، لا تقديم تفضيل» وإلا ستظل مصر بلا حرية وبلا شريعة، لأنكم لم تسيروا فى الأرض فتنظروا كيف تتطور الأفكار وتنضج الجماعات.