د.هبة رءوف عزت
قطع المشهد السوداني حوار الأفكار ومراجعة قضايا الوعي بالذات..والأوقات ..والمساحات.
تأملت في تقاطع مساحات السوق مع العلاقات الاجتماعية مع زمن الرأسمالية التي تعيد تشكيل المشهد اليومي للفرد حين تمتص ساعات يومه فلا تترك له متسعاً للشأن العام..وتشوه وعيه بذاته وبمن حوله وبالأجل الطويل من التغيير السلبي الذي يصيب المجتمع، لذلك كثيراً ما كتبت في نقد الخلافات السياسية بين التيارات الفكرية التي انشغلت بالبحث عن موقع علي خريطة السلطة والمجتمع ينهار يوماً بعد يوم وتصيبه آفات المجتمعات الحديثة لأنه يمر بحداثة وعولمة مشوهة تماماً،
قطع المشهد السوداني حوار الأفكار ومراجعة قضايا الوعي بالذات..والأوقات ..والمساحات.
تأملت في تقاطع مساحات السوق مع العلاقات الاجتماعية مع زمن الرأسمالية التي تعيد تشكيل المشهد اليومي للفرد حين تمتص ساعات يومه فلا تترك له متسعاً للشأن العام..وتشوه وعيه بذاته وبمن حوله وبالأجل الطويل من التغيير السلبي الذي يصيب المجتمع، لذلك كثيراً ما كتبت في نقد الخلافات السياسية بين التيارات الفكرية التي انشغلت بالبحث عن موقع علي خريطة السلطة والمجتمع ينهار يوماً بعد يوم وتصيبه آفات المجتمعات الحديثة لأنه يمر بحداثة وعولمة مشوهة تماماً،
وقلت إننا نختلف علي الكراسي التي في أعلي الهرم في حين أن قاعدة الهرم تتآكل..ونختلف حول شكل الدولة في حين أن الدولة ذاتها ككيان جامع وسلطة تمسك بميزان العدل وتحمي الحدود والأرض ولها منطق هو تقوية الذات القومية، هذه الدولة ذاتها تنهار لصالح النظام، ولو تمكنا يوماً من إزاحته فأخشي أن الجميع سيكتشف أن عليه إعادة تأسيس الدولة ذاتها وليس فقط تأكيد شرعيته كنظام. «هذا بعيداً عن نقد مفهوم الدولة الحديثة ذاته وهو قضية أخري».
ما يشغلني الآن هو أن الرأسمالية والحداثة المشوهة التي نمر بها، التي تقدم رجلاً في مجال وتؤخر رجلاً في أخري، هي بذاتها المجال الذي صرنا نتحرك فيه ويؤثر علي وعينا، لذا نجد هذا التناقض والالتباس والارتباك في التيارات الفكرية وكذلك في السلوكيات الشخصية.
لم نَتَرَبَّ علي إسلام صاف نقي، بل تربَّينا علي إسلام يكمل مشهد الحداثة، ولذا جاء باهتاً في وعيناً، منحصراً في الطقوس وبعض المظاهر الاجتماعية لممارستها بشكل احتفالي، وغلب هذا البعد الشكلي علي الصلاة والزكاة ورمضان وحتي الحج، ولو تأملنا في تدين المصريين سنجد العجب العجاب، لكنه يظل بالتأكيد أكثر بهجة وإنسانية من ألوان أخري من فهم الأعراب للدين، الذين ذكرهم القرآن وبين كيف أنهم قد لا يحيطون بجوهره وتحدث عن الفجوة بين الممارسات والعقيدة في أكثر من موضع.
الأخطر أنه حينما أردنا أن نعود للإسلام بقوة وننفض تشوهات الحداثة التي أرادت أن تختزل الإسلام في الطقوس ليتسني للدولة أن تحتل باقي المساحات، صارت الدولة هي هاجسنا الأكبر، وظن البعض أنه لو جلسوا مكان الفرعون وأصلحوا فسيعم الرخاء وتنصلح الأحوال، وتأهلوا أن كرسي الفرعون نفسه وموضعه وسلطته وصولجانه ضد منطق الإسلام في الحكم والعدل والتربية والتعامل مع الاختلاف وتحقيق مصالح العباد.
فريق آخر ترك الكرسي وانشغل بنفسه يريد أن ينجو، أفاق بعد غفلة فظن أن الإسلام الحق هو معاداة كل ما هو معاصر باعتباره الحكر علي الإسلام، فخلقوا في وعيهم تصورات عن الحلال والحرام ذات طبيعة حادة، فإن قيل لهم مصالح الخلق في هذا الاتجاه قالوا إن شرع الله في الاتجاه المعاكس تماماً، ومنهم من ينشد خلاصاً فردياً علي جثة مقاصد الشريعة الاجتماعية، ومنهم من ينشد خلاصاً جماعياً علي جثة مفهوم الرحمة الذي هو صلب وجوهر الرسالة المحمدية، ونظرة سريعة لاختيارات الناس في صيغ التدين المتاحة في السوق الاجتماعية تكفي لبيان أن الذي نعيش فيه لا يخلق رأس مال أخلاقي ولا اجتماعي يمكن أن يقوم عليه وطن..ناهيك أن يحقق نهضة.
مساراتنا متوازية، نصلي.. نصوم ..نري أنفسنا في شكل مثالي، ثم نتحرك في مساحات المجتمع بدرجة من العنف الكامن تنفجر في لحظات الصدام .. بدءاً من صدام السيارات وصولاً لصدام العقائد .. وفي الوقت نفسه نحن نقدم نموذج المستهلك الشره في أفضل صوره.
المذهل أننا نستطيع التعايش مع كل هذه التناقضات في هدوء نحسد عليه، وتمكنا من تقسيم الوقت: لوقت لربك.. ووقت لنفسك.. ووقت للشوبنج.. ووقت للخير.. وهنا الخير بمعني محدود وليس بالمعني الاجتماعي الذي يعيد بناء العلاقات الاجتماعية ويمكن الضعفاء من مقومات القوة ليكونوا شركاء في الرابطة الاجتماعية والجماعة الوطنية ..بجد.
يكفيك أن تخدش الطبقة السطحية من هذا التدين والتقسيم للذات لتجد تحته العجب العجاب.. ويكفيك أن تتأمل الأشخاص أنفسهم في حركتهم في دوائر شتي لتجد هذا الانفصام في الشخصية، وتتأمل المساحات الاجتماعية لترصد هذا التناقض.
من غضب الله علي الإنسان أن يفرق عليه شمله، ومن رحمته أن يجمع عليه شمله، ومن غضبه علي أمة أن تختل مساراتها وتتعارض، وتتناقض مساحاتها وتتضارب، وتفقد البوصلة ويختل فيها الميزان، وأن يتحرك الناس كأنهم قد فقدوا الوعي ..بالبدهيات البسيطة.
لا يعني هذا أن هناك رغبة في صبّ الناس في قالب واحد.. إطلاقاً، لكن لابد للتنوع من إطار جامع، ولابد للأبعاد المختلفة من منظور شامل، ولا بد للاختلافات من حد أدني مشترك.
هذا ما صرنا نفتقده..ومن هنا يأتي اهتزاز القواعد .. واختلال المعايير.. وقد صدق الله العظيم حين حذر من أن يضل المرء وهو يحسب أنه..يحسن صنعاً.
المسألة ليست معقدة.
المصيبة أن المسألة واضحة وبسيطة.
عودة التوازن والانسجام لعناصر الذات والمساحات والأوقات في مجتمعنا «المشتَّت بين السبل» تحتاج فقط لعقل رشيد.. ولسان سديد.. وإخلاص نية..وجهاد نفس.. ولم شمل.. وعلو همة..وحكمة.. وإحسان.. ورجال ذوي رجولة ونساء ذوات مروءة.
فقط
.
المصدر :
http://dostor.org/ar/index.php?option=com_content&task=view&id=17888&Itemid=31
ما يشغلني الآن هو أن الرأسمالية والحداثة المشوهة التي نمر بها، التي تقدم رجلاً في مجال وتؤخر رجلاً في أخري، هي بذاتها المجال الذي صرنا نتحرك فيه ويؤثر علي وعينا، لذا نجد هذا التناقض والالتباس والارتباك في التيارات الفكرية وكذلك في السلوكيات الشخصية.
لم نَتَرَبَّ علي إسلام صاف نقي، بل تربَّينا علي إسلام يكمل مشهد الحداثة، ولذا جاء باهتاً في وعيناً، منحصراً في الطقوس وبعض المظاهر الاجتماعية لممارستها بشكل احتفالي، وغلب هذا البعد الشكلي علي الصلاة والزكاة ورمضان وحتي الحج، ولو تأملنا في تدين المصريين سنجد العجب العجاب، لكنه يظل بالتأكيد أكثر بهجة وإنسانية من ألوان أخري من فهم الأعراب للدين، الذين ذكرهم القرآن وبين كيف أنهم قد لا يحيطون بجوهره وتحدث عن الفجوة بين الممارسات والعقيدة في أكثر من موضع.
الأخطر أنه حينما أردنا أن نعود للإسلام بقوة وننفض تشوهات الحداثة التي أرادت أن تختزل الإسلام في الطقوس ليتسني للدولة أن تحتل باقي المساحات، صارت الدولة هي هاجسنا الأكبر، وظن البعض أنه لو جلسوا مكان الفرعون وأصلحوا فسيعم الرخاء وتنصلح الأحوال، وتأهلوا أن كرسي الفرعون نفسه وموضعه وسلطته وصولجانه ضد منطق الإسلام في الحكم والعدل والتربية والتعامل مع الاختلاف وتحقيق مصالح العباد.
فريق آخر ترك الكرسي وانشغل بنفسه يريد أن ينجو، أفاق بعد غفلة فظن أن الإسلام الحق هو معاداة كل ما هو معاصر باعتباره الحكر علي الإسلام، فخلقوا في وعيهم تصورات عن الحلال والحرام ذات طبيعة حادة، فإن قيل لهم مصالح الخلق في هذا الاتجاه قالوا إن شرع الله في الاتجاه المعاكس تماماً، ومنهم من ينشد خلاصاً فردياً علي جثة مقاصد الشريعة الاجتماعية، ومنهم من ينشد خلاصاً جماعياً علي جثة مفهوم الرحمة الذي هو صلب وجوهر الرسالة المحمدية، ونظرة سريعة لاختيارات الناس في صيغ التدين المتاحة في السوق الاجتماعية تكفي لبيان أن الذي نعيش فيه لا يخلق رأس مال أخلاقي ولا اجتماعي يمكن أن يقوم عليه وطن..ناهيك أن يحقق نهضة.
مساراتنا متوازية، نصلي.. نصوم ..نري أنفسنا في شكل مثالي، ثم نتحرك في مساحات المجتمع بدرجة من العنف الكامن تنفجر في لحظات الصدام .. بدءاً من صدام السيارات وصولاً لصدام العقائد .. وفي الوقت نفسه نحن نقدم نموذج المستهلك الشره في أفضل صوره.
المذهل أننا نستطيع التعايش مع كل هذه التناقضات في هدوء نحسد عليه، وتمكنا من تقسيم الوقت: لوقت لربك.. ووقت لنفسك.. ووقت للشوبنج.. ووقت للخير.. وهنا الخير بمعني محدود وليس بالمعني الاجتماعي الذي يعيد بناء العلاقات الاجتماعية ويمكن الضعفاء من مقومات القوة ليكونوا شركاء في الرابطة الاجتماعية والجماعة الوطنية ..بجد.
يكفيك أن تخدش الطبقة السطحية من هذا التدين والتقسيم للذات لتجد تحته العجب العجاب.. ويكفيك أن تتأمل الأشخاص أنفسهم في حركتهم في دوائر شتي لتجد هذا الانفصام في الشخصية، وتتأمل المساحات الاجتماعية لترصد هذا التناقض.
من غضب الله علي الإنسان أن يفرق عليه شمله، ومن رحمته أن يجمع عليه شمله، ومن غضبه علي أمة أن تختل مساراتها وتتعارض، وتتناقض مساحاتها وتتضارب، وتفقد البوصلة ويختل فيها الميزان، وأن يتحرك الناس كأنهم قد فقدوا الوعي ..بالبدهيات البسيطة.
لا يعني هذا أن هناك رغبة في صبّ الناس في قالب واحد.. إطلاقاً، لكن لابد للتنوع من إطار جامع، ولابد للأبعاد المختلفة من منظور شامل، ولا بد للاختلافات من حد أدني مشترك.
هذا ما صرنا نفتقده..ومن هنا يأتي اهتزاز القواعد .. واختلال المعايير.. وقد صدق الله العظيم حين حذر من أن يضل المرء وهو يحسب أنه..يحسن صنعاً.
المسألة ليست معقدة.
المصيبة أن المسألة واضحة وبسيطة.
عودة التوازن والانسجام لعناصر الذات والمساحات والأوقات في مجتمعنا «المشتَّت بين السبل» تحتاج فقط لعقل رشيد.. ولسان سديد.. وإخلاص نية..وجهاد نفس.. ولم شمل.. وعلو همة..وحكمة.. وإحسان.. ورجال ذوي رجولة ونساء ذوات مروءة.
فقط
.
المصدر :
http://dostor.org/ar/index.php?option=com_content&task=view&id=17888&Itemid=31
No comments:
Post a Comment