Friday, June 27, 2008

التبرعات الخيرية .. من ينافس الأمريكان؟



هشام محمد


بيل جيتس ووارين بافيت
بيل جيتس ووارين بافيت

متأثرة بما يطلق عليها الهبات العملاقة (ميجا جيفت) قفزت التبرعات الأمريكية للعام الثالث على التوالي ليصل إجمالي ما تبرع به الأمريكيون إلى 306.4 مليارات دولار، متخطية بذلك حاجز الـ300 مليار دولار، وبزيادة تقدر بـ3.9% عن العام الماضي الذي بلغت فيه إجمالي التبرعات 295 مليار دولار.

وتبدو المقارنة في غير صالح أثرياء العرب إذا قورنت أعمالهم الخيرية أو تبرعاتهم على ندرتها بما يقدمه الأمريكيون من تبرع، على الرغم من ارتفاع الكثير منهم عن مظنة دعم الإرهاب التي قد تلاحقهم حال قيامهم بأعمال خيرية.

وكانت الهبات العملاقة قد وصلت بالتبرعات الأمريكية عام 2005 لعتبة 283.5 مليار دولار ثم ارتفعت في العام التالي بعد تواصل عطاء مليارديرات أمريكا بنسبة 4.2%، خاصة أن تبرعات مليارديرات أمريكا تخطت حاجز التبرع بمئات الملايين إلى عشرات المليارات.

وتشير الدراسة السنوية التي تعدها مؤسسة عطاء أمريكا (جيفينج يو إس إيه فاونديشين) بالتعاون مع مركز الإحسان في جامعة إنديانا إلى ارتفاع عام في الهبات، الأمر الذي يعني أن الركود والكساد الاقتصادي وتدهور الدخول والانتشار النسبي للبطالة بين الأمريكيين لم يدفعهم للإحجام عن التبرع.

ونشرت المؤسسة على موقعها الإلكتروني بيانا صحفيا الإثنين 23-6-2008 ذكرت فيه أن "التبرعات الفردية التي تشكل ثلاثة أرباع الهبات ارتفعت بنسبة 2.7% لتستقر على 229 مليار دولار".

كذلك رصدت الدراسة أن تبرع الأفراد بنحو 230 مليار دولار للمؤسسات غير الربحية العام الماضي، ولم يمثل ما رصد لحملات الانتخابات الرئاسية الجارية العام الحالي نسبة 0.25% منها، على الرغم من سخونة الأجواء المفعمة بالحماسة والتي غالبا ما تهز أريحية وكرم المتبرعين للتبرع بمبالغ كبيرة، الأمر الذي يعني بالنسبة للدراسة أن "التركيز على العمل الخيري أكبر بكثير".

ونشر الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية الأمريكية في نهاية عام 2006 تقريرا عن نزوع الأمريكيين للتبرع ما نصه "يقول آلان أبرامسون المتخصص في شئون قطاع الهيئات والمؤسسات الخيرية بمعهد آسبن بواشنطن، فإن هذا أمر حميد، إذ إنه دفع تبرعات الأمريكيين نحو قمة بلغت 260 مليون دولار خلال العام الماضي 2005، وذلك بزيادة عدد الأفراد – بمن فيهم غير الأثرياء - الذين يتبرعون بمبالغ صغيرة باستخدام الإنترنت للأغراض والقضايا التي يؤمنون بها".

عطاء الأمريكيين

وعلى الرغم من أن المؤسسات الخيرية التي تلقت هذه التبرعات استقبلت من الشركات والكيانات الربحية مبالغ كبيرة فإن الأفراد داخل هذه الشركات كانوا بمثابة القاطرة التي دفعت إجمالي التبرعات إلى هذه الأرقام الضخمة، نتيجة لتبرع المليارديرات الأمريكان بما صار يطلق عليه ميجا جيفت.

ولم يورد البيان الصحفي بتبرعات 2008 تفصيلا بالجهات أو الأفراد المتبرعين، حيث ترد التفاصيل في تقرير سنوي يصدر في منتصف يوليو القادم، لكن بالرجوع للسنوات الماضية يمكن الوقوف على بعض المعلومات المهمة.

على سبيل المثال أعلن الملياردير الأمريكي وارن بافت عام 2006 أنه سيتبرع بنحو 37.4 مليار دولار من ثروته للأعمال الخيرية، تاركا لنفسه نحو 6.6 مليارات دولار، وقال بافت الذي يرأس شركة (بيركشير هاثاواي) للتأمين، إنه سيشرع ابتداء من يوليو في تقديم التبرعات لمؤسسة بيل جيتس الخيرية إضافة لأربع مؤسسات خيرية أخرى.

كذلك فمنذ نهاية عام 2005 إلى نهاية العام الماضي، ونقلا عن مجلة (البيزنس ويك) نشرت قائمة بعشرين متبرعًا هم الأكثر كرمًا في العالم، فبالإضافة إلى بيل جيتس جاء في صدر القائمة جون أي مور الذي تبرع بنصف أسهم شركة (إنتل) أي بنصف ثروته لمؤسسة بيتي وجوردن الخيرية في مجال البيئة والعلوم، ووصلت قيمة تلك التبرعات إلى مبلغ خمسة مليارات دولار أمريكي دفعة واحدة.

أما الملياردير جون ماركس تبمليتون والذي يحاول المصالحة بين العلم والدين فقد قفز إلى قائمة أكثر المتبرعين كرمًا عندما قدم تبرعًا بـ550 مليون دولار أمريكي، وجاء في المركز الخامس إيلي رواد مؤسس شركة صن أمريكا ويأتي تركيز مؤسسته الخيرية على تبني ورعاية طلاب الماجستير ذوي سنوات الخبرة القليلة وتدريبهم لتولي مناصب إدارية عالية، وقد حقق نجاحًا بارزًا في هذا المجال.

وكان للنساء نصيب من هذه القائمة، فأرملة الدكتور روبرت أتكنز تبرعت بما يقارب 500 مليون دولار لمحاربة مرض السمنة والسكري، ليتبقى لها من الثروة التي خلفها زوجها 50 مليون دولار. وفي آخر القائمة يأتي تبرع باتريك ولور هارب مؤسس أي دي جي الذي تبرع بـ386 مليون دولار لدعم أبحاث التطوير الفكري.

العرب والأعمال الخيرية

في عام 2006 بلغ إجمالي الثروات الشخصية للأثرياء العرب نحو 800 مليار دولار، يملكها نحو 200 ألف شخص، وتتركز معظم هذه الثروات في دول الخليج العربية بنسبة تزيد عن 90٪، وأوضحت دراسة اقتصادية أعدها اتحاد المصارف العربية أن نصف هذه الثروات يملكها سعوديون، إذ يصل حجم الثروات الشخصية في السعودية إلى 241 مليار دولار يملكها نحو 78 ألف شخص.

ويندر أن تزف وسائل الإعلام خبرا عن تبرع أحد أثرياء العرب لأي من مجالات الخير، أو قيامه بالرعاية المالية لأي مشروع تنموي.

ويرى البعض أن قلة تبرعات كبار الأثرياء العرب والمسلمين تعود في بعض جزئياتها إلى تداعيات أحداث 11 سبتمبر 2001، حيث نتج عن تتبع وتجميد ومطاردة مؤسسات العمل الخيري الإسلامي العربي، إما توقف أو ضعف التبرعات من قبل الأفراد أو المؤسسات المالية المانحة، وانحسار دعم الحكومات العربية والإسلامية للعمل الخيري؛ فقد غرست الحملات الإعلامية والإرهابية الميدانية بحق المؤسسات الخيرية لدى البعض - إلى حد كبير - كراهية الدعم المعنوي والمالي للعمل الخيري والإغاثي الإسلامي.

وإن أبشع النتائج التي أصابت العمل الخيري اقتياد العاملين فيه إلى كوبا حيث معسكرات جوانتانامو وبيع الأسرى والمعتقلين في باكستان وأفغانستان بدراهم معدودة إضافة إلى إحجام بعض المتطوعين والمتبرعين خوفًا على أنفسهم أو أموالهم من المصادرة، وبروز شعور المسلمين ومؤسساتهم بالاضطهاد الديني، والتدخل السافر في شعائر دينهم كالزكاة والصدقة وغيرها؛ وهي مسائل إيمانية وإنسانية عظيمة حسب التشريع الإسلامي.

كان الكاتب والمفكر فهمي هويدي قد أثاره موضوع شح أثرياء العرب فكتب في مقالة نشرت في مجلة المجلة عام 2002 بعنوان "متبرعون خافوا وتقاعسوا" إذ قال: "المسلمون القادرون من أهل الخير هم الذين أقصد، وإذ أقر بأن الناشطين في مجالات الخير من المسلمين مضيق على أكثرهم، سواء من حكوماتهم أو من الجهات الأمنية المختلفة في أقطار آسيا الوسطى التي أصبحت تتهمهم بالإرهاب، والأصولية، والوهابية، وغير ذلك، ومع ذلك فأزعم أن ثمة مساحات للفعل والتأثير ما زالت متاحة أمام المسلمين، لكنهم لم يستثمروها النحو الذي يفيد تلك المجتمعات الفقيرة المحتاجة لكل عون".

رابط المقال الأصلي


Tuesday, June 17, 2008

سيارة من القماش وأخرى تسير بالماء!


هشام محمد


سيارة وقودها فقط الماء
سيارة وقودها فقط الماء

في إطار البحث عن بدائل يمكنها إقالة البشرية من عثرتها بعدما لاحت في الأفق نذر نفاد موارد الكوكب الأرضي بسبب الاستغلال الجائر له، أجرت شركة يابانية محاولة بدت واعدة باستخدام الماء كوقود لسيارة كهرباء، فيما عرضت شركة ألمانية سيارة من القماش تصفها بأنها تعد ثورة في صناعة السيارات.

فقد تمكنت شركة جينباكس اليابانية من اختراع سيارة جديدة تسير بالماء بدلا من الوقود، في محاولة لحل المشاكل الناجمة عن الارتفاع المطرد في أسعار النفط.

وتعتمد السيارة على تقنية تعد الأولى من نوعها، إذ تحول الماء إلى طاقة كهربائية تستخدم في تسيير السيارة، حسبما ذكرت وكالة رويترز للأنباء الأحد 15-6-2008.

وكل ما تحتاجه السيارة لتر واحد فقط من الماء، أي نوع من الماء، سواء أكان من النهر أو البحر أو المطر أو حتى الشاي الياباني، لكي تسير لنحو الساعة بسرعة 80 كيلومترا في الساعة.

وفور صب الماء في الخزان الواقع في مؤخرة السيارة يستخلص مولد السيارة الهيدروجين من الماء ويحرر الإلكترونات مولدا طاقة كهربائية.

ويقول كيوشي هيراساوا المدير التنفيذي لشركة جينباكس إنه يأمل في الترويج لسيارته قبيل افتتاح قمة مجموعة الثماني في هوكايدو باليابان.

وتأمل الشركة في التعاون مع شركات تصنيع السيارات اليابانية لاستخدام هذه التقنية الجديدة في مصانعها في المستقبل القريب.

سيارة من القماش

من جهة أخرى ابتكرت شركة "بي إم دبليو" سيارة جديدة تغير شكلها بلمسة زر، وهي تبدو للوهلة الأولى مثل أي سيارة رياضية أخرى، لكن الواقع هو أنها مصنوعة من القماش بدلا من المعدن.

سيارة هيكلها من القماش حيث تبدو طياته عند الأبواب

وذكرت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية السبت 14-6-2008 أن القماش في سيارة "ذي جينا" يتجعد عند فتح الباب أو تحريك الأضواء.

وقال كريستوفر بانجل من "بي إم دبليو": "إن هذا الحل الثوري يفتح المجال أمام تصميم جديد وقدرات إنتاج كبرى".

وأضاف: "الهيكل الخارجي المصنوع من القماش يتحرك، ويمكن أن يقوم بكل ما يمكن لهيكل معدني أن يقوم به".

يشار إلى أن الشركة الألمانية التي ابتكرت هذه السيارة استندت إلى شكل سيارة الـ"زد 8" وسيارة "ذي جينا" الفضية اللون، واستخدم فيها قماش قوي يمتد باتجاه الدواليب المعدنية التي يتم التحكم بها هيدروليكيا. ولا تحتوي ذي جينا على غطاء محرك أو سقف أو صندوق، وإنما كل ما فيها هو قطعة قماش تغطي مكان القيادة المتطور جدا.

وذكرت "ديلي ميل" أن السيارة الجديدة لن تكون في صالات العرض قريبا، لكن "بي إم دبليو" تأمل في أن تطبق فلسفة هذا التصميم على كافة الموديلات في المستقبل، وفي المرحلة الراهنة يمكن مشاهدة هذه السيارة في معرض الشركة في ميونيخ.


كاتب في الشأن العلمي، ويمكنك التواصل معه عبر البريد الإلكتروني الخاص بصفحة علوم وتكنولوجيا oloom@islamonline.net

رابط المقال الأصلي


Monday, June 16, 2008

مناقشة مقالي احلام العصافير علي اسلام اون لاين


مناقشة حامية لمقالي د هبه رؤوف - احلام العصافير
تجدها في التعليقات علي الموضوع في هذا الرابط

أحلام العصافير «2»

هبه رؤف عزت :

راهنت في مقالي الأحد الماضي علي الإخوان لكسر الحلقة المفرغة التي يدور فيها الوطن من استبداد وموت للسياسة، راهنت رغم تقييمي المتحفظ علي أدائهم السياسي مقارنة بقدراتهم والمصداقية التي يتمتعون بها«مسألة نسبية»، ورغم أنهم يتقدمون حين ينبغي الحذر كما في طرح برنامج خذل الناس يحتاج لإعادة صياغة ليس لمضمونه فحسب بل أساساً للعقلية «أو المجموع الحسابي لعدد لا بأس به من العقليات التي صاغته ابتداء» ليتم شحذ حسها المدني والديمقراطي..والإنساني «الذي هو:الإسلامي»، ورغم أنهم يتراجعون حين ينبغي لهم أن يتقدموا، ورغم أنهم يدفعون ثمناً باهظاً دون مقابل سوي المزيد من تراكم الشعور بالمظلومية «علي حد تعبير إخواننا الشيعة» أي أنهم مظلومون دائماً، وهم كذلك في بعض الأحيان، لكن يمكنهم الانتصار أحياناً لكن لا يتقدمون ولا يستغلون الفرص.

قيل.. وسيقال «أنت لا تعرفين خبايا الأمور ولا حجم التحديات»، وسيقال «ليس كل ما يعرف ينشر!»، وسيقال «مالك اليومين دول.. إحنا ناقصينك!» وقد يقال« إنت مش عاجبانا الأيام دي..مالك مهزوزة كده ليه؟؟» بل وسيقال «يبدو أنك قررت ركوب الموجة والهجوم علي الإخوان طمعاً في الشهرة أو للفت الأنظار». علي العموم..الله يسامح من قال والله هو الحكم علي ما قد كُتب.. وقيل.

أزعم- والله وكيلي- أنني أحرص علي الإخوان أكثر من بعض القيادات التي تري نفسها خارج أي توازنات للقوة «هكذا»، وكأن تنظيما يبحث عن تغيير توازنات القوي يمكن أن يكون بريئاً بالكلية من حسابات القوة، وأزعم أنني والحمد لله ليس لي غرض فيما أكتب، فلست عضواً في الإخوان ولست عضواً في أي تنظيم من أي نوع، وبالتأكيد أنا لست من أنصار الحكومة..نسأل الله حسن الخاتمة، بل أنا فقط مواطنة علي باب الله..وأتعجب يكررون من كوادر الإخوان العليا أنهم كلهم إخوان وليس لهم أي غرض، كثير منهم بالفعل ليس له غرض بل يدفع ثمناً باهظ اًلمواقفه ومواقف قياداته بالأساس، لكن الإخوان ليسوا أطهر من الذين أسلموا مع «رسول الله صلي الله عليه وسلم» والذين أنزل الله فيهم:«منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة»..فالسياسة لعبة مدهشة، ولا يشفع لهم ببساطة أنهم يواجهون جيشاً من الذين يريدون الدنيا..فقط .

أراهن علي الإخوان لسبب بسيط..أنهم أهل للرهان في تقديري الشخصي، ولأنني أحسب أنهم قادرون علي أن يتغيروا، «وإن كنت لا أجزم ما إذا كانوا يريدون ذلك أم لا..فتلك مسألة تتعلق بالإرادة وليس بالقدرة فقط»، ولا يوجد سبب للظن أنه لا أمل فيهم كما يكرر علي أسماعنا صباح مساء أصدقاؤنا من الجيل القديم من اليسار، فالمشكلة في تقديري ليست مشكلة تيار بل مشكلة قرار، وقضية تدافع بين الأفكار والأجيال وهي سنة الله في المجتمعات والتجمعات..لو يعلمون.

الإخوان أشبه بجسد ضخم، والجماعة تفتقر منذ قترة لقيادات فكرية «بمعني المفكر العضو ذي البصيرة التاريخية»، وهذا لا يعني أنه ليس لديهم قيادات حركية مثقفة، ما أقصده هو قيادات فكرية بالمعني الثقيل، أي قيادات فكرية تصوغ رؤي مستقبلية وتجدد المنهج والمفاهيم وتتمتع بوعي تاريخي باللحظة السياسية وبقدرة علي النفاذ لمتغيرات الواقع وسيناريوهات المستقبل لتضع فكر وحركة الإخوان علي خريطة المستقبل.تكتب وتنشر فكرها لا تتداول بعض التصورات في دوائر تنظيمية مغلقة.

هذا الجسد الرابض الذي يفرض ثقله علي الساحة ويعوق أي حركة تحاول التطوير من الداخل أو الخارج، ويحتل مساحة علي أرضية الغضب الخصبة تُحَجّم الباقين وتضع سقفاً لحدود الحركة، هذا الكيان يحتاج تحريكاً وتنظيماً لكتلته ويحتاج ترشيداً وتوجيهاً لحركته، فهو أشبه بالفيل الذي يدوس الورد دون أن يراه أصلاً ويحجب الشمس عن النبت الصغير ويزعج بصوته كل طيورالأشجار المغردة.. ويسد الطرق، لكن ينبغي ولا بد أن نعلم «وتعلم دولتنا البوليسية» أننا لن ننجح في تقليص حجمه لأنه نتاج تاريخ طويل والتاريخ لا يمكن إلغاؤه، ونتاج حاضر والحاضر ضاغط، لكن يمكن إقناع الفيل بأن يتخذ له دليلاً يبصره بمواضع قدمه وأن يقلل من ضوضائه قليلاً وأن يكون رصيداً للباقين بأن يحملهم فوق ظهره لبر الأمان بدلاً من أن يدوسهم بأقدامه دون حتي أن يلتفت لما يفعل من كوارث. مهمتنا الصعبة أن نعلم الفيل الرقص والرشاقة، أو أن نقنع الفيل بأن الأفيال الصغيرة أقدر علي رؤية الأرض وتمييز مجريات الأمور علي المستوي الحقيقي فلا ضير من أن يدع أفياله التي خرجت من صلبه تدله علي أسلم المسالك وفي هذا راحة للجميع.

وضعت أربع نقاط للتغيير فاتُهمت بالتسطيح، فلا بأس من التفصيل فيها، وسأتناول في مقالاتي القادمة كل نقطة علي حدة: الأولي طلبت أن يتنحي المرشد وهو رجل له تاريخه الناصع وحضوره علي الساحة لكن آن الأوان للتغيير- لا تغيير المرشد كشخص- «فالأمر أكبر والخطب أجل من الأشخاص» بل تغيير النظر لدور القيادة وتنظيمها «بما في ذلك دور النساء ودور الأجيال الأصغر » .والثانية انسحاب الإخوان من المجلس وإخلاء الدوائر والرجوع بالسلطة للناس الذين انتخبوهم لأنهم تم منعهم بكل الحيل والألاعيب السياسية من الدفاع عن مصالحهم وهذا ليس ذنب الإخوان بل ذنب النظام الحاكم والحزب المسيطر، والثالثة أن يعكف الإخوان علي تغيير برنامجهم، لا بدعوة بعض القيادات وبأعداد كبيرة في لجان لصياغة برنامج جديد سيفتقر للتجانس كسابقه بل بفتح نقاش حقيقي حول أولويات الجماعة ومراجعة واسعة لمنطلقاتها وتلمس سبل التغيير وتحقيق تواصل أفقي بين أعضائها وإلا ستشيخ وتموت ويكون ذلك مآلها وفق السنن الربانية، وفي هذا خسارة كبيرة لها..وللوطن، وأن يتم ذلك أيضاً بفتح نوافذ الحوار مع التيارات الأخري للوصول لإجماع وطني مواز، وأخيراً الخروج من مأزق الشعارات لمرحلة صناعة السياسات، ولديها رصيد لا بأس به من الأعضاء الذين حظوا بخبرة برلمانية جيدة وآن لهم أن يشكلوا «حكومة ظل» بحقائب وزارية تشترك فيها التيارات السياسية الأخري بكوادرها المتعقلة الراغبة في إنقاذ السفينة ويقدم الإخوان تنازلات في عدد حقائبهم لأن مسئوليتهم التاريخية في تحقيق الهدف أكبر بحكم الحجم والتأثير..

وللحديث بقية..

ونسأل الله صلاح القلب والنية.


رابط المقال الأصلي


أحلام العصافير -1

د.هبة رءوف عزت

heba.raouf@gmail.com

أتأمل المشهد في مصر بين الحين والحين من مسافة، إما مسافة مكانية عندما أسافر للسير والنظر في أرض الله الواسعة، أو مسافة تصورية افتراضية حين أحلم، فعصر اليوتوبيا لم ينته، ولا حتي عصر الأيديولوجيا.. والفارق بينهما ليس كبيراً. اليوتوبيا كلمة تعني خارج المكان أو اللا مكان، حلم لا يتحقق داخل هذا العالم، أو علي وجه الدقة: لم يتحقق بعد. والأيديولوجيا هي منظومة أفكار متماسكة لتفسير العالم ببساطة وبشكل واضح يدور حول عدة مفاهيم مركزية تشرح كل شيء، مثل مفهوم الصراع الطبقي في الرأسمالية، أو مفهوم المجتمع الذكوري والثقافة الأبوية المركزية في النسوية التي كانت تياراً ينادي بالمساواة ثم أضحت أيديولوجية تنطلق من التمركز حول المرأة، أو مفهوم العقلانية والفردية والمنطق الوضعي في الليبرالية. وبين الأيديولوجيا واليوتوبيا علاقة وطيدة، فالأيدلوجية أياً ما كان لونها تستبطن حلماً، والأحلام لا تموت..

منذ فترة يلح عليَّ هذا المقال، تناقشت في فكرته مع أصدقاء من تيارات فكرية وخلفيات سياسية مختلفة، فلم يوافقني علي أفكاري أحد، البعض قال هذا مستحيل من الناحية العملية، والبعض الآخر قال هذا غير مفيد، وفريق ثالث قال لي في حكمة واتزان: ستخسري الكثير لو أعلنتي عن هذا المشروع المقترح، وقد تدخلي في دائرة الخصومة مع من تربطك بهم صداقة عمر.

لكن السيناريو ظل يتطور في ذهني، وأصبحت تلك الأفكار تلح عليّ، وأصبح كتمانها يمثل بالنسبة لي عبئاً نفسياً وأخلاقياً مع استمرار جمود مشهد الواقع السياسي، فقررت أن أتوكل علي الله وهو حسبي، وأن أكتبها وأجري يتراوح بين نصيب من اجتهد فأصاب، أو علي أقل تقدير أجر من اجتهد فأخطأ.

أما خسارة الأصدقاء أو اكتساب الأعداء فليس من اختصاصي، فأنا لا أشتغل بالسياسة بل أشتغل مواطناً، وأنا بحكم أنني مواطن محترف نتيجة التخصص أسعي لاكتساب الأصدقاء، فمن وجد في كلامي ما يستدعي مخاصمتي، أو مهاجمتي، فلا بأس، نصيب بقي.. نعمل إيه.. الله غالب.

ندخل في الموضوع بعد تلك المقدمة.

لم يعد معقولاً أن تستيقظ مصر كل صباح علي نفس الأسئلة، من سيخلف حسني مبارك، هل جمال مبارك سيرث الحكم أم سيتدخل الجيش، متي يتوقف احتكار الأقلية للحكم والثروة، ما التعديل القانوني القادم الذي سيمر من فوق رأس الإخوان ومن تحت أنف الناس، سواء كما حدث في قانون الطفل وقانون المرور، أو باقي القوانين علي القائمة؟!

لم يعد معقولاً أن يشعر المصري أنه إما مواطن مضحوك عليه، أو مواطن منهوب، أو مواطن مستباح، ويعيش أيامه لا يملك أن يغير من الوضع شيئاً، إما لأنه خائف من الدولة البوليسية القادرة علي إلصاق أي تهمة بأي أحد لتقفيل أبواب السياسة أو قفل المحاضر بتلبيس الناس قضايا، أو علي أقل تقدير تسريح جيش من العاطلين الذين قرروا أن العمل في الماكينة الأمنية فكرة لا بأس بها، واستغلوها لممارسة بلطجة مقننة علي خلق الله في الشارع، وهذا موضوع سأكتب عنه قريباً شجوني.

لم يعد معقولاً هذا الاستقطاب بين الحكومة والإخوان في حين يقف الشعب مسلوب الإرادة، وتدور الأحزاب المحدودة الموجودة فعلياً علي الساحة في دائرة مصالحها دون وجود حقيقي في الشارع.

حرام أن يكون هذا هو حال مصر، وأن يكون أقصي المراد أن يطيل الله عمر السيد الرئيس خشية مصير مجهول لا نعرف عنه شيئاً، وأن يتم قطع لسان أي أحد يتحدث في الموضوع، من منع هيكل من الظهور في الإعلام المصري بما فيه الفضائيات بعد محاضرته الشهيرة التي قال فيها ما أقوله هنا في الجامعة الأمريكية والتي نقلتها «قناة دريم» فحدث لأحمد بهجت ما حدث، إلي محاكمة «إبراهيم عيسي» لأنه تجرأ وسأل عن أحوال صحة الرئيس فأصبح بهذا هو الذي يهدد الاستقرار ويدمر الاستثمار.

جربنا بناء لجان شعبية لم تحقق النجاح، وبرزت حركة كفاية وهي بين مد وجزر، وحاولت من قبل أحزاب تحت التأسيس أن تحرك الماء الآسن كحزب الكرامة وحزب الوسط فأغلقت لجنة الأحزاب الباب علي أصابعها، وسعي شباب زي الورد لحشد الشارع فتم إرهابه وترويعه وتم إطلاق رصاص حي ليسقط القتلي في المحلة.

طيب نناشد الحكومة والنظام، لا فائدة، ومقال عبد المنعم سعيد في الأهرام الأسبوع الماضي عن قانون الطواريء يقول بالفم المليان للحزب الوطني:«أليس منكم رجل رشيد؟».والواضح أن.. لا.

وعندي باختصار سيناريو لكسر تلك الحلقة المفرغة لا يراهن علي الناس ولا علي الحكومة ولا علي النخبة المثقفة التي انفصلت عن الجماهير إلا من رحم ربك، وهو سيناريو يراهن ـ متفائلاً ـ علي الإخوان.

السيناريو كالآتي:

1 ـ أن ينسحب الـ 88 عضواً من المجلس ويخلوا الدوائر التي يمثلونها لأنهم غير قادرين علي تمثيل مصالح الناس، ولا معارضة القوانين، ولا ترويض الحزب الحاكم القابض بأسنانه علي كرسي السلطة، والحكومة تستفيد من وجودهم بأكثر مما يستفيد الناس ويستفيد الوطن.

2 ـ أن يتنحي المرشد العام للإخوان المسلمين وهو رجل له تاريخه ولطيف علي المستوي الإنساني وأن يختار الإخوان مرشداً عاماً ويغيروا اللائحة الداخلية لكي لا يتجاوز سن المرشد 50 سنة ويكون مرشداً مرة واحدة لفترة لا تزيد علي ثلاث سنوات، ويكون أمامهم ثلاث سنوات ليطوروا برنامجهم ديمقراطياً داخل الجماعة.. ومع شركاء الوطن من تيارات وطوائف، وبعدها ينطلقوا ـ هداهم الله ـ للمشاركة «بتواضع» في بناء تحالف ديمقراطي يخوض الانتخابات القادمة.

3 ـ أن يتم تعيين متحدثين رسميين للإخوان، الأول متحدث سياسي يتم اختياره من الأخوات وفيهن أستاذات ومحاميات وطبيبات ومهندسات ولا ينقصهن عقل ولا لسان، والثاني متحدث إعلامي من شباب المدونين لا يزيد سنه علي ثلاثين سنة.

4 ـ أن يشكل الإخوان حكومة ظل ديمقراطية تبدأ في تطوير سياسات واقعية لمصر اليوم وهنا من أجل تجنب فراغ سياسي في المستقبل القريب حين يأتي أمر الله.

بس خلاص.

إنني فقط أحلم من أجل مصر، وليس لي في هذا الحلم ناقة ولا جمل، وأعلم أنها أحلام العصافير، لكن من حق العصافير.. أن تحلم.

رابط المقال الأصلي

Saturday, June 14, 2008

البحـث عن الفطـرة


بقلم د.هبة رؤوف

أتأمل دوماً في تلازم المحن مع النعم، فهو أمر أكده الله في القرآن في الحديث عن العسر واليسر، وكرر الآية بما يفيد التأكيد والتنبيه، ولعل المثال الأهم على ذلك في السنوات الماضية هو بركان الحادي عشر من سبتمبر، بغض النظر عن الخلاف حول الفاعل والاختلاف على الضحية.

فعدد الصحفيين والباحثين الجامعيين الذين قابلتهم بعد أحداث 11/9، والذين توافدوا على بلاد العرب والمسلمين ليسألوا ويفهموا ويدرسوا عدد ضخم، وعدد الذين دخلوا على المواقع الإسلامية على الإنترنت، أو زاروا دار الإسلام الحضارية من باب الفضول، أو ذهبوا لمسجد قريب من دارهم في الدول الغربية ليسألوا عن الإسلام، أو اشتروا المصحف أو كتباً تشرح ما هو الإسلام عدد ضخم.

والحق أنني أعدت النظر في أمور كثيرة في تصوراتي ومفاهيمي في مرآة أسئلتهم، ليس بمعنى تغيير القناعات، لكن بمعنى إعادة صياغة أسس الفهم لعلة وحكمة التشريع، والتعمق في إدراك منطق المنظومة الإسلامية ومقاصدها، ومركزية مفهوم الرحمة في القيم الإسلامية.

العدل والحرية

كان الخلاف الأساسي بيني وبين العديد من أساتذتي وزملائي من تيارات مختلفة لفترة طويلة هو حول أولوية العدل والحرية، هل الإسلام دين عدل؟ أم أن منطلقه الحرية؟ وكأن الخلاف بين التيارات يستلزم تحديد قيمة مركزية نتنازع عليها، فإذا اخترت الحرية فأنت تميل لإسلام ليبرالي ديمقراطي.. مثلاً.. وإذا انحزت للعدل فأنت تميل لفهم اشتراكي تقدمي.

هذه هي المصطلحات والتصورات على الأقل في دوائر السياسة والخطاب الأكاديمي والفكري، الذي يحرص على مصطلحاته ومفاهيمه ومفرداته حرصاً بالغاً؛ لأن هذا في ظنه ما يميز الكلام العلمي عن خفة نقاشات الناس في المجتمع.. للطرافة.

مع الأيام اكتشفت أن الاختيار مضلل، وأنه لا حرية بدون عدل، فأي حرية يملكها من لا يملك قوت يومه، لكن الحرية لا يمكن تأجيلها حتى يتحقق العدل، إذ كيف سنحصل على العدل ما لم نمارس الحرية الفردية؟ وننتزع الحريات المدنية من أنظمة تُحكم بقانون طوارئ وبعصا غليظة من الترويع والترهيب؟.

لكن السؤال هو: لماذا انحبسنا في تلك الثنائية التي تنعكس في الحقيقة القطبية الثنائية؟ والتي غلبت على المجال الفكري في ظل الأيدلوجيات الحداثية، والتي وجدت تجليها الصراعي في ظل الحرب الباردة، ولم تهيمن على الخيال الغربي فحسب بل على الخيال الإسلامي كذلك، فكتب البعض عن "اشتراكية الإسلام" كلاماً نفيساً لا يعيبه إلا أن سياقه السياسي كان الدفاع عن سياسات أنظمة شمولية، ويكتب الآن البعض عن "إسلام ليبرالي"؛ لأن الموجة صارت في مقولات نهاية التاريخ وانتصار الليبرالية (كما تزعم الليبرالية في حديثها عن نفسها فقط)، ولأن حالنا لا يخفى على أحد مع تداعي الأمم علينا فقد صار لخطاب "إسلام الجهاد" رواجا في عقود خلت.

خطاب الرحمة

واليوم بعد أن تم تجريم مفهوم الجهاد من قبل قوى البطش العالمي، التي تخوض حروبها الوحشية تحت شعارات "نشر الديمقراطية"، صار "خطاب المقاومة" هو الرائج ولأسباب مفهومة ومشروعة تماماً، لكن أين نحن من "خطاب الرحمة" الذي حين نتساءل عن سر غيابه في الساحة العامة والمجال السياسي لصالح "خطاب الصدام والمواجهة" يتم توجيه تهمة الخنوع أو التخاذل للمتسائل، ربما لأن الرحمة ترتبط بالسلام، وقد ساءت سمعة الدعوة للسلام لغلبة توظيف الأعداء لمفرداته حتى صار لفظاً سيئ السمعة منذ معاهدة "كامب ديفيد"، ففقدنا مفهوماً مركزيًّا في استخدامنا اليومي نحن أحوج ما نكون إليه.

والحق أنه ليس هناك تعارض، لكن المسألة في سياقات ولحظة التاريخ، ففي ساحة الوعي، الأصل هو الجهاد والكفاح، وفي المجال المدني الأصل هو التوافق وحل النزاعات، لكن من قال: "إن في قلب المعركة لا يصح أن نتحدث عن السلام، بل نسعى له بميزان العدل والقسط"، ومن قال: "إن العلاقات الاجتماعية خالية من التدافع أو تنازع المصالح وتعارضها في كثير من الأحيان، لكننا نجنح للتبسيط برغم أن التبسيط قد أورثنا الكوارث على كافة الأصعدة".

وترشدنا السيرة النبوية إلى أن الأصل في رسالة الإسلام هو الرحمة، وأن الغرض من السلم والحرب والمصالحة والمهادنة أو المواجهة هو الدفاع عن مقصد الرحمة، فالدوران مع علة الرحمة في الجهاد هو الذي يدفع لقبول السلم، وفي ساحات القتال لا تنزع الرحمة من القلوب بل كتب علينا القتال وهو كره لنا؛ لأن الرحمة هي الأقرب للفطرة، وتلك الرحمة هي التي تتأسس عليها القواعد الأخلاقية للحرب كلها؛ لأنه إذا كانت غاية القتال تأسيس العدل والرحمة بالناس، فلا معنى من السعي لتلك الغاية بقتل النساء والأطفال أو التمثيل بالجثث أو ترويع النساك والرهبان أو حرق الأخضر وتدمير اليابس، بل علمنا رسول الله الرحمة بالأعداء، والعفو عند المقدرة.. رحمة.

الرحمة إذن معنى مركب يشمل العدل والحرية معاً، والغاية من دعوة الإسلام أن ترد الناس للفطرة، والصراعات السياسة التي استبعدت الرسالة الأخلاقية للسعي الإنساني بالمعنى العميق حرمت المجال العام من قوة دفع وطاقة بناءة وإيجابية، فنتج عن ذلك إفقار للسياسة هو أخطر من الإفقار الاقتصادي.. أو ربما هما صنوان.

والقضية ليست خطباً على المنابر بل ينبغي أن تتجلى في الحياة اليومية والتفاصيل الصغيرة (حيث يكمن الشيطان)؛ لذلك فهناك حاجة لأن تغلف الرحمة مستويات التفاوض الاجتماعي الممتد بين التيارات والأعراق والأديان ليكون المجال العام فعلاً ساحة تمدن تجمع المواطنين كبشر، والبشر كمواطنين.

مفتاح التواصل

وأزعم في التحليل الأخير أنه إذا لم يكن هناك إنصاف واحترام لإنسانية الإنسان مغلف بالرحمة فلن يكون هناك لا عدل.. ولا حرية، فالقوانين وحدها لا تكفل تنظيم المجتمعات، والحريات وحدها في المقابل لا تحمي الحقوق أو تكفل العدالة، والسياسة اليومية والعامة حين تفقد بعدها الإنساني تغلب عليها حسابات المصالح الصماء.

أما على المستوى الفردي فالرحمة مفتاح التواصل، ومنطلق التواضع، ودافع الإنصاف والعفو، ومحرك التسامح، وطاقة التصالح مع الآخرين والمادة الخام لبناء الجسور وإدراك أن الاختلاف سنة.. والعدالة مسئولية.

إن الإنسان الأخلاقي أو المتخلق بالرحمة يتحرك في دوائر الحياة باعتباره خليفة لله، والمنظومة السياسية والاقتصادية الإسلامية تتأسس على الاحتفاظ بهذا التماسك الإنساني على كل المستويات، ومن هنا حكمة تحريم الربا والتوصية بالفضل عند التنازع والأمر بالعفو عند الخلاف وجبر الخواطر عند المصالحة وهكذا، ومفهوم الفطرة الذي قصرناه طويلاً على البعد الديني في الدعوة يجب أن يتحرر ليغدو من أسس فهم الاجتماع الإنساني، وإصلاحه، فما يفعله الإسلام هو أنه يحرر الفطرة من قيود اللحظة الضيقة وحساباتها المحدودة ليربط الإنسان بجوهر ذاته وبالبعد الرباني في نشأته الأولى، وبأخيه الإنسان؛ لأن الفطرة مشترك إنساني أول، واختلاف المصالح والعقائد نعبره على جسر هذه الفطرة السليمة، والتي يمكن لو أدركناها أن نؤسس عليها حلفا أخلاقيا متجددا يذكرنا بحلف الفضول الذي أثنى على فلسفته رسول الله.

فقط حين نؤمن أن الله منح الإنسان الأمانة وهي الحرية، وكلَّفه بالعدل كمسئولية، وأن الرحمة هي الميثاق الغليظ الذي يجب أن يحكمنا حتى في لحظات النزاع بل وفي الحرب، فقط حينها ستكون حياتنا بالتأكيد أكثر ثراء مما هي عليه الآن بكثير.

إن نضالنا لا يقتصر على تحرير الأرض ودفع العدوان، فنضالنا غايته حماية الإنسان لتبقى له فطرته سليمة، والعدو ليس فقط جيوش الحلفاء أو جنود الفرعون، فهناك معارك أطول واجبة علينا في ظل اكتساح منظومة الاستهلاك والرأسمالية الشرسة التي لا تعرف سوى حسابات الربح المادي حتى لو تم تأجير الأوطان أسواقاً مفتوحة.

وفي ظل تخلي الكثير من الدول الديمقراطية العريقة عن معاني حقوق الإنسان وضمانات الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية لسجناء الرأي وسجناء الحرب، يبدو أننا -برغم كل مشاكلنا وقضايانا المتأزمة- قد تضاعف علينا عبء ومسئولية حماية حقوق الإنسان، ليس لأنفسنا فقط بل للعالم كله، والتحدي هو كيف نبدأ من هنا ونغير واقعنا المؤلم المخزي؟ ثم ننطلق كما فعلت حضارتنا تاريخيًّا لنكون رواد إصلاح للحضارة العالمية؟ هذا هو سؤال المرحلة، وتلك هي الأمانة التي يجب أن نقوم بها من جديد لنكون بحق ورثة من جاء.. رحمة للعالمين.


Thursday, June 12, 2008

د/سليم العوا : قانون المحاماة الجديد لا يليق بالمهنة ومشبوه

الفساد اصبح قانون
هذا من اهم افسادات عصر مبارك

مساكن بلا حديد.. اسأل خبيرا

حوار لفكرة جديدة تستحق المتابعة

هتا رابط الحوار

لحوم الصويا تقضي على جشع الجزارين

في الريف المصري يحرص الفلاحون على استخدام عبارة "مفيش فقر.. في قلة رأي"، للتعبير عن الإسراف في الإنفاق على أمر ما في الوقت الذي يمكن فيه تحقيق نفس الهدف بنفقات أقل.. هذه العبارة وجدت بعد زيارة قمت بها إلى مصنع منتجات الصويا بمعهد تكنولوجيا الأغذية بوزارة الزراعة المصرية أنها تنطبق على كثير منا في تعامله مع أزمة الغذاء، فنحن - حسب المثل - نعاني من قلة رأي، لأننا نتجه بكثرة إلى استهلاك اللحوم ذات السعر المرتفع، ونصرخ من جشع الجزارين، في الوقت الذي يمكن فيه أن نقضي على جشعهم إذا اتجهنا لتقليل الاعتماد على اللحوم من خلال تدعيمها بالصويا.

الفكرة - كما يقول المهندس سعد الأنصاري رئيس الإدارة المركزية للصناعات الغذائية بالمعهد - تعتمد على استخدام الصويا مع اللحوم لإنتاج منتج يجمع بين فائدة البروتين الحيواني والنباتي.

صحي ومفيد

ويتميز هذه المنتج بأن طعمه يفوق طعم اللحم الخالص كما أكد الأنصاري.

وأوضح أن باحثي المعهد أجروا تجارب على ثلاثة منتجات من البرجر.. الأول مصنع من اللحم الخالص، والثاني من اللحم مضاف له نسبة 10% صويا، والثالث مضاف له نسبة 25%، فأظهرت النتائج أن أفضلهم من ناحية الطعم هو المنتج الثالث الأعلى في نسبة الصويا.

"لكن الأفضلية لا تقتصر فقط على الطعم"، بحسب الأنصاري.

وأضاف أن هذا المنتج يفوق اللحم التقليدي من الناحية الصحية، فهو يحتوي على مواد موجودة بالصويا لها دور في الوقاية من تصلب الشرايين وارتفاع الكولسترول، وهي المشاكل التي يسببها اللحم التقليدي، كما أنه يحتوي على مواد أخرى تنشط جهاز المناعة وتقي من أمراض القلب وتجلط الدم والسرطانات.

سهولة الإعداد

"وإلى جانب هذه الفوائد فإن سهولة إعداد المنتج تعتبر عاملا مميزا له"، بحسب ما قالت المهندسة حنان عبد الغني من مصنع الصويا بالمعهد.

وأوضحت أن إعداد هذا المنتج يعتمد على خاصية يتمتع بها الصويا، وهي احتواؤه على الألياف القابلة للذوبان في الماء، فيتم نقعه لمدة ثلاث ساعات في الماء حتى يتشربه، ثم يضاف إلى اللحم، ويمكن باستخدام هذه الطريقة الحصول على 3 كيلوجرامات من لحم الصويا، باستخدام كيلوجرام ونصف الكيلوجرام من اللحم التقليدي مضاف له نصف كيلوجرام صويا.

وتؤكد حنان أنها قبل أن تنصح المستهلكين بهذه الطريقة فإنها جربتها عمليا بمنزلها ولاقت قبولا بين أفراد أسرتها، حتى أنهم أصبحوا يطالبونها دائما بإعداد اللحم باستخدام الصويا.

ثقافة التغذية

"ورغم كل هذه الفوائد فإن مثل هذه المنتجات قد لا تجد قبولا عند المستهلك العربي"، بحسب ما قال د.أحمد خورشيد خبير الصناعات الغذائية تعليقا على هذا المنتج.

وأرجع ذلك إلى أن المستهلك العربي ليست لديه ثقافة التغذية التي توجد عند الغرب، لأنه أصبح أسير ما تعود عليه، على عكس المستهلك الغربي الذي يبحث دائما عن الفائدة الصحية.

وطالب د. خورشيد بضرورة أن تسعى الدول العربية إلى تغيير العادات الغذائية لشعوبها، لأن الوقوع في أسر ما تعودت عليه الشعوب قد لا يفيد مستقبلا مع التزايد في ارتفاع أسعار الغذاء.

وأكد ضرورة التعامل مع هذه القضية على أنها قضية حياة أو موت؛ لأن نقص الغذاء ستكون نتيجته الأمراض التي ستترك أثرها على إنتاجية البشر، فضلا عن تكلفة علاجه

رابط المقال الأصلي

Saturday, June 7, 2008

انتكاسة ما قبل النكسة.. المؤامرة كمعلومة

ينسب للأستاذ خالد محيي الدين أنه قال: "كان عبد الناصر عظيما في إنجازاته وكان عظيما في أخطائه" والمعني المقصود أن الرجل كان وراء إنجازات عظيمة تحسب له وكان وراء إخفاقات كثيرة تحسب عليه. ويقف العقل المصري حائرا بين كيفية تقييم هذه المرحلة لا سيما أننا لم نزل نعيش في كل هذه الإنجازات والمغانم وكل هذه الإخفاقات والمغارم في آن معا.
د. معتز بالله عبد الفتاح
ويجسد هذه المعضلة ما ذهب إليه الشيخ محمد الغزالي في خطبة الجمعة التالية لوفاة الزعيم الراحل وكان الشيخ علي المنبر يدعو ويقول: "اللهم ارحم الرئيس الراحل، بقدر ما رحم المسلمين. اللهم أعل من شأنه بقدر ما أعلي من شأن الإسلام والمسلمين. اللهم ارفع مكانته بقدر ما رفع من شأن الإسلام والمسلمين. اللهم أعزه بقدر ما أعز الإسلام والمسلمين..." يروي من حضر هذه الخطبة أن المصلين الذين كانوا يرددون آمين ظنوا في البداية أن الشيخ يدعو للرئيس ولكنهم مع تأمل نص الدعاء فطنوا أن للشيخ مآرب أخري من دعائه. وهو ما لا يبدو مستغربا من مثله.
وأجد نفسي أحيانا في مواجهة بعض الأساتذة والزملاء الناصريين الذين إما عاشوا الحلم الناصري وكانوا جزءا منه، أو بعضهم ممن تربوا علي التقاليد الناصرية بتأثير الأهل أو القراءة وقد ساوي كثيرون منهم بين مصر وعبد الناصر. وهما شرفان لا أدعي أيا منهما. فقد ولدت بعد أن مات الرئيس الراحل بعامين. أي أنني ولدت بعد أن انتكسنا. وحينما كبرت بدا لي الأمر كمن يشاهد الفيلم من آخره. مصر مهزومة ومأزومة والأمة العربية انفرط عقدها وخلفنا وأمامنا كتلة من المشاكل التي سواء تسبب فيها عبد الناصر أو مهد لها بسياساته واختياراته، ولا ننسي أنه هو الذي اختار السادات نائبا لرئيس الجمهورية فهي نخبة بعضها من بعض. والقضية ليست في الشخص، وإنما في نمط إدارة الدولة.
وقد قال لي صديق فكه: لقد غني عبد الحليم لعبد الناصر قائلا: "ريسنا ملاح ومعدينا" وبعد أن غرقت المركب قال: "إني أغرق ... إني أغرق." والغرق المقصود له بعدان أحدهما صامت كالسرطان الخبيث الذي أكل مجتمعنا المدني وأحزابنا السياسية وحرية الصحافة والمبادرة الفردية والتراكم الرأسمالي القائم علي اقتصاد السوق وروح الكفاءة والمناخ الليبرالي الذي كانت مصر تعرفه، رغما عن عيوبه، قبل الثورة. والبعد الآخر فج شاهدنا في نكسة عام 1967.
ويبدو لي أن هناك مدخلين في فهم عواقب الفترة الناصرية: المدخل الأول يقول إننا كنا نسير في الطريق الصحيح لكن الغرب تآمر علينا ليدمر إنجازاتنا ومن هنا كانت النكسة، فالنجاح والإنجازات التي حققتها مصر قبل النكسة هي السبب في النكسة لأننا نجحنا أكثر من اللازم لذا تآمر علينا المتآمرون. وبمد الخط علي استقامته، فإن رد الفعل المنطقي هو التمسك بالأشخاص والسياسات التي كانت قائمة قبل النكسة لأننا كنا "صح." والمدخل الآخر أننا كنا خطأ علي نحو ما كتب نجيب محفوظ في ثرثرة فوق النيل والكرنك وكلاهما كتب قبل النكسة بعام أو عامين ليعتبرا شهادة أمينة علي انتكاسة ما قبل النكسة. وعليه فإن النكسة هي نتيجة منطقية لانتكاسة مصرية في الكثير من المجالات الأخري بما في ذلك فهمنا وقراءتنا للخريطتين الإقليمية والعربية وإدراك مصادر التهديد وموازين القوي. وكلها من المهام الأساسية لأي رئيس دولة، لا سيما إن كانت له خلفية عسكرية.
وكلما قرأت أو استمعت لمن يدافعون عن هذه الفترة، ازددت يقينا بأن إدارة الدولة الناصرية كانت تعاني خللا أعتقد أننا لم نزل نعانيه وهو خلل غياب قواعد اتخاذ القرار الرشيد. وأنا أقدم هذه القراءة للتجربة الناصرية حتي لا نظل أسري لفكرة المؤامرة التي يحاول البعض ومنهم الأستاذ العظيم والصحفي القدير محمد حسنين هيكل أن يجعلها نقطة الانطلاق من باب أن الأمة العربية وفي قلبها مصر وقعت فريسة للخطة (ألفا) ومن بعدها (أوميجا) وأن القوي الدولية تآمرت علينا متحالفة مع القوي الرجعية في المنطقة والقوي الرجعية داخل البلاد.
والمؤامرة لا شك كانت موجودة، فهي ليست نظرية وإنما كانت لعبد الناصر معلومات موثقة. لكن طبيعة شخصية عبد الناصر، وطبيعة الدولة التي صنعها، وقواعد صنع القرار التي استنها ما كانت لتجعله أو غيره يستفيد من أي معلومة عن أي مؤامرة إلا في إبلاغها للشعراء والصحفيين والإعلاميين كي يتخذوا منها مادة لتأجيج "المشاعر الثورية لدي أبناء الشعب العربي في كل مكان." فالمؤامرة حق، ولكن كيف تتفاعل معها هو واجب القيادة، كما أن مطبات الشوارع حق، لكن متي تهدئ ومتي تنحرف بالسيارة عن الطريق حتي تتجنب "مؤامرات" البيئة المحيطة بك هو جزء من مهام قائد السيارة المحترف.
فبنية الارشاد السياسي الذي كان سائدا أفضت، لا شك، إلي ما حدث في 5 يونيو 1967 كصورة فجة من نمط كان سائدا في اتخاذ القرارات المصرية والعربية حيث يضع الحاكم نفسه ومجتمعه في أزمة يكون عليه الخروج منها. فبدلا من أن ندير الأزمات فإننا ندار بالأزمات. وتكون التنمية والتقدم نوعا من النجاح في الخروج من هذه الأزمات. فمثلا وبالتطبيق علي ما حدث في 5 يونيو 1967، فإنه حتي لو كانت فكرة مساندة سوريا صحيحة فإن الإجراءات المندفعة والتصعيد المبالغ فيه من قبل مصر لم تكن علي نفس الدرجة من الصحة، ويبدو أن هذا نمط متكرر في الحقبة الناصرية حيث القرارات المندفعة التي لا تبالي بالآثار الجانبية
أستاذ العلوم السياسية- جامعة القاهرة

عمرو أديب : هيكل في نادي القضاة .. وموقفه من الأحداث الجارية