| ||
| ||
متأثرة بما يطلق عليها الهبات العملاقة (ميجا جيفت) قفزت التبرعات الأمريكية للعام الثالث على التوالي ليصل إجمالي ما تبرع به الأمريكيون إلى 306.4 مليارات دولار، متخطية بذلك حاجز الـ300 مليار دولار، وبزيادة تقدر بـ3.9% عن العام الماضي الذي بلغت فيه إجمالي التبرعات 295 مليار دولار. وتبدو المقارنة في غير صالح أثرياء العرب إذا قورنت أعمالهم الخيرية أو تبرعاتهم على ندرتها بما يقدمه الأمريكيون من تبرع، على الرغم من ارتفاع الكثير منهم عن مظنة دعم الإرهاب التي قد تلاحقهم حال قيامهم بأعمال خيرية. وكانت الهبات العملاقة قد وصلت بالتبرعات الأمريكية عام 2005 لعتبة 283.5 مليار دولار ثم ارتفعت في العام التالي بعد تواصل عطاء مليارديرات أمريكا بنسبة 4.2%، خاصة أن تبرعات مليارديرات أمريكا تخطت حاجز التبرع بمئات الملايين إلى عشرات المليارات. وتشير الدراسة السنوية التي تعدها مؤسسة عطاء أمريكا (جيفينج يو إس إيه فاونديشين) بالتعاون مع مركز الإحسان في جامعة إنديانا إلى ارتفاع عام في الهبات، الأمر الذي يعني أن الركود والكساد الاقتصادي وتدهور الدخول والانتشار النسبي للبطالة بين الأمريكيين لم يدفعهم للإحجام عن التبرع. ونشرت المؤسسة على موقعها الإلكتروني بيانا صحفيا الإثنين 23-6-2008 ذكرت فيه أن "التبرعات الفردية التي تشكل ثلاثة أرباع الهبات ارتفعت بنسبة 2.7% لتستقر على 229 مليار دولار". كذلك رصدت الدراسة أن تبرع الأفراد بنحو 230 مليار دولار للمؤسسات غير الربحية العام الماضي، ولم يمثل ما رصد لحملات الانتخابات الرئاسية الجارية العام الحالي نسبة 0.25% منها، على الرغم من سخونة الأجواء المفعمة بالحماسة والتي غالبا ما تهز أريحية وكرم المتبرعين للتبرع بمبالغ كبيرة، الأمر الذي يعني بالنسبة للدراسة أن "التركيز على العمل الخيري أكبر بكثير". ونشر الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية الأمريكية في نهاية عام 2006 تقريرا عن نزوع الأمريكيين للتبرع ما نصه "يقول آلان أبرامسون المتخصص في شئون قطاع الهيئات والمؤسسات الخيرية بمعهد آسبن بواشنطن، فإن هذا أمر حميد، إذ إنه دفع تبرعات الأمريكيين نحو قمة بلغت 260 مليون دولار خلال العام الماضي 2005، وذلك بزيادة عدد الأفراد – بمن فيهم غير الأثرياء - الذين يتبرعون بمبالغ صغيرة باستخدام الإنترنت للأغراض والقضايا التي يؤمنون بها". عطاء الأمريكيين وعلى الرغم من أن المؤسسات الخيرية التي تلقت هذه التبرعات استقبلت من الشركات والكيانات الربحية مبالغ كبيرة فإن الأفراد داخل هذه الشركات كانوا بمثابة القاطرة التي دفعت إجمالي التبرعات إلى هذه الأرقام الضخمة، نتيجة لتبرع المليارديرات الأمريكان بما صار يطلق عليه ميجا جيفت. ولم يورد البيان الصحفي بتبرعات 2008 تفصيلا بالجهات أو الأفراد المتبرعين، حيث ترد التفاصيل في تقرير سنوي يصدر في منتصف يوليو القادم، لكن بالرجوع للسنوات الماضية يمكن الوقوف على بعض المعلومات المهمة. على سبيل المثال أعلن الملياردير الأمريكي وارن بافت عام 2006 أنه سيتبرع بنحو 37.4 مليار دولار من ثروته للأعمال الخيرية، تاركا لنفسه نحو 6.6 مليارات دولار، وقال بافت الذي يرأس شركة (بيركشير هاثاواي) للتأمين، إنه سيشرع ابتداء من يوليو في تقديم التبرعات لمؤسسة بيل جيتس الخيرية إضافة لأربع مؤسسات خيرية أخرى. كذلك فمنذ نهاية عام 2005 إلى نهاية العام الماضي، ونقلا عن مجلة (البيزنس ويك) نشرت قائمة بعشرين متبرعًا هم الأكثر كرمًا في العالم، فبالإضافة إلى بيل جيتس جاء في صدر القائمة جون أي مور الذي تبرع بنصف أسهم شركة (إنتل) أي بنصف ثروته لمؤسسة بيتي وجوردن الخيرية في مجال البيئة والعلوم، ووصلت قيمة تلك التبرعات إلى مبلغ خمسة مليارات دولار أمريكي دفعة واحدة. أما الملياردير جون ماركس تبمليتون والذي يحاول المصالحة بين العلم والدين فقد قفز إلى قائمة أكثر المتبرعين كرمًا عندما قدم تبرعًا بـ550 مليون دولار أمريكي، وجاء في المركز الخامس إيلي رواد مؤسس شركة صن أمريكا ويأتي تركيز مؤسسته الخيرية على تبني ورعاية طلاب الماجستير ذوي سنوات الخبرة القليلة وتدريبهم لتولي مناصب إدارية عالية، وقد حقق نجاحًا بارزًا في هذا المجال. وكان للنساء نصيب من هذه القائمة، فأرملة الدكتور روبرت أتكنز تبرعت بما يقارب 500 مليون دولار لمحاربة مرض السمنة والسكري، ليتبقى لها من الثروة التي خلفها زوجها 50 مليون دولار. وفي آخر القائمة يأتي تبرع باتريك ولور هارب مؤسس أي دي جي الذي تبرع بـ386 مليون دولار لدعم أبحاث التطوير الفكري. العرب والأعمال الخيرية في عام 2006 بلغ إجمالي الثروات الشخصية للأثرياء العرب نحو 800 مليار دولار، يملكها نحو 200 ألف شخص، وتتركز معظم هذه الثروات في دول الخليج العربية بنسبة تزيد عن 90٪، وأوضحت دراسة اقتصادية أعدها اتحاد المصارف العربية أن نصف هذه الثروات يملكها سعوديون، إذ يصل حجم الثروات الشخصية في السعودية إلى 241 مليار دولار يملكها نحو 78 ألف شخص. ويندر أن تزف وسائل الإعلام خبرا عن تبرع أحد أثرياء العرب لأي من مجالات الخير، أو قيامه بالرعاية المالية لأي مشروع تنموي. ويرى البعض أن قلة تبرعات كبار الأثرياء العرب والمسلمين تعود في بعض جزئياتها إلى تداعيات أحداث 11 سبتمبر 2001، حيث نتج عن تتبع وتجميد ومطاردة مؤسسات العمل الخيري الإسلامي العربي، إما توقف أو ضعف التبرعات من قبل الأفراد أو المؤسسات المالية المانحة، وانحسار دعم الحكومات العربية والإسلامية للعمل الخيري؛ فقد غرست الحملات الإعلامية والإرهابية الميدانية بحق المؤسسات الخيرية لدى البعض - إلى حد كبير - كراهية الدعم المعنوي والمالي للعمل الخيري والإغاثي الإسلامي. وإن أبشع النتائج التي أصابت العمل الخيري اقتياد العاملين فيه إلى كوبا حيث معسكرات جوانتانامو وبيع الأسرى والمعتقلين في باكستان وأفغانستان بدراهم معدودة إضافة إلى إحجام بعض المتطوعين والمتبرعين خوفًا على أنفسهم أو أموالهم من المصادرة، وبروز شعور المسلمين ومؤسساتهم بالاضطهاد الديني، والتدخل السافر في شعائر دينهم كالزكاة والصدقة وغيرها؛ وهي مسائل إيمانية وإنسانية عظيمة حسب التشريع الإسلامي. كان الكاتب والمفكر فهمي هويدي قد أثاره موضوع شح أثرياء العرب فكتب في مقالة نشرت في مجلة المجلة عام 2002 بعنوان "متبرعون خافوا وتقاعسوا" إذ قال: "المسلمون القادرون من أهل الخير هم الذين أقصد، وإذ أقر بأن الناشطين في مجالات الخير من المسلمين مضيق على أكثرهم، سواء من حكوماتهم أو من الجهات الأمنية المختلفة في أقطار آسيا الوسطى التي أصبحت تتهمهم بالإرهاب، والأصولية، والوهابية، وغير ذلك، ومع ذلك فأزعم أن ثمة مساحات للفعل والتأثير ما زالت متاحة أمام المسلمين، لكنهم لم يستثمروها النحو الذي يفيد تلك المجتمعات الفقيرة المحتاجة لكل عون". |
د.هبة رءوف عزت
أتأمل المشهد في مصر بين الحين والحين من مسافة، إما مسافة مكانية عندما أسافر للسير والنظر في أرض الله الواسعة، أو مسافة تصورية افتراضية حين أحلم، فعصر اليوتوبيا لم ينته، ولا حتي عصر الأيديولوجيا.. والفارق بينهما ليس كبيراً. اليوتوبيا كلمة تعني خارج المكان أو اللا مكان، حلم لا يتحقق داخل هذا العالم، أو علي وجه الدقة: لم يتحقق بعد. والأيديولوجيا هي منظومة أفكار متماسكة لتفسير العالم ببساطة وبشكل واضح يدور حول عدة مفاهيم مركزية تشرح كل شيء، مثل مفهوم الصراع الطبقي في الرأسمالية، أو مفهوم المجتمع الذكوري والثقافة الأبوية المركزية في النسوية التي كانت تياراً ينادي بالمساواة ثم أضحت أيديولوجية تنطلق من التمركز حول المرأة، أو مفهوم العقلانية والفردية والمنطق الوضعي في الليبرالية. وبين الأيديولوجيا واليوتوبيا علاقة وطيدة، فالأيدلوجية أياً ما كان لونها تستبطن حلماً، والأحلام لا تموت..
منذ فترة يلح عليَّ هذا المقال، تناقشت في فكرته مع أصدقاء من تيارات فكرية وخلفيات سياسية مختلفة، فلم يوافقني علي أفكاري أحد، البعض قال هذا مستحيل من الناحية العملية، والبعض الآخر قال هذا غير مفيد، وفريق ثالث قال لي في حكمة واتزان: ستخسري الكثير لو أعلنتي عن هذا المشروع المقترح، وقد تدخلي في دائرة الخصومة مع من تربطك بهم صداقة عمر.
لكن السيناريو ظل يتطور في ذهني، وأصبحت تلك الأفكار تلح عليّ، وأصبح كتمانها يمثل بالنسبة لي عبئاً نفسياً وأخلاقياً مع استمرار جمود مشهد الواقع السياسي، فقررت أن أتوكل علي الله وهو حسبي، وأن أكتبها وأجري يتراوح بين نصيب من اجتهد فأصاب، أو علي أقل تقدير أجر من اجتهد فأخطأ.
أما خسارة الأصدقاء أو اكتساب الأعداء فليس من اختصاصي، فأنا لا أشتغل بالسياسة بل أشتغل مواطناً، وأنا بحكم أنني مواطن محترف نتيجة التخصص أسعي لاكتساب الأصدقاء، فمن وجد في كلامي ما يستدعي مخاصمتي، أو مهاجمتي، فلا بأس، نصيب بقي.. نعمل إيه.. الله غالب.
ندخل في الموضوع بعد تلك المقدمة.
لم يعد معقولاً أن تستيقظ مصر كل صباح علي نفس الأسئلة، من سيخلف حسني مبارك، هل جمال مبارك سيرث الحكم أم سيتدخل الجيش، متي يتوقف احتكار الأقلية للحكم والثروة، ما التعديل القانوني القادم الذي سيمر من فوق رأس الإخوان ومن تحت أنف الناس، سواء كما حدث في قانون الطفل وقانون المرور، أو باقي القوانين علي القائمة؟!
لم يعد معقولاً أن يشعر المصري أنه إما مواطن مضحوك عليه، أو مواطن منهوب، أو مواطن مستباح، ويعيش أيامه لا يملك أن يغير من الوضع شيئاً، إما لأنه خائف من الدولة البوليسية القادرة علي إلصاق أي تهمة بأي أحد لتقفيل أبواب السياسة أو قفل المحاضر بتلبيس الناس قضايا، أو علي أقل تقدير تسريح جيش من العاطلين الذين قرروا أن العمل في الماكينة الأمنية فكرة لا بأس بها، واستغلوها لممارسة بلطجة مقننة علي خلق الله في الشارع، وهذا موضوع سأكتب عنه قريباً شجوني.
لم يعد معقولاً هذا الاستقطاب بين الحكومة والإخوان في حين يقف الشعب مسلوب الإرادة، وتدور الأحزاب المحدودة الموجودة فعلياً علي الساحة في دائرة مصالحها دون وجود حقيقي في الشارع.
حرام أن يكون هذا هو حال مصر، وأن يكون أقصي المراد أن يطيل الله عمر السيد الرئيس خشية مصير مجهول لا نعرف عنه شيئاً، وأن يتم قطع لسان أي أحد يتحدث في الموضوع، من منع هيكل من الظهور في الإعلام المصري بما فيه الفضائيات بعد محاضرته الشهيرة التي قال فيها ما أقوله هنا في الجامعة الأمريكية والتي نقلتها «قناة دريم» فحدث لأحمد بهجت ما حدث، إلي محاكمة «إبراهيم عيسي» لأنه تجرأ وسأل عن أحوال صحة الرئيس فأصبح بهذا هو الذي يهدد الاستقرار ويدمر الاستثمار.
جربنا بناء لجان شعبية لم تحقق النجاح، وبرزت حركة كفاية وهي بين مد وجزر، وحاولت من قبل أحزاب تحت التأسيس أن تحرك الماء الآسن كحزب الكرامة وحزب الوسط فأغلقت لجنة الأحزاب الباب علي أصابعها، وسعي شباب زي الورد لحشد الشارع فتم إرهابه وترويعه وتم إطلاق رصاص حي ليسقط القتلي في المحلة.
طيب نناشد الحكومة والنظام، لا فائدة، ومقال عبد المنعم سعيد في الأهرام الأسبوع الماضي عن قانون الطواريء يقول بالفم المليان للحزب الوطني:«أليس منكم رجل رشيد؟».والواضح أن.. لا.
وعندي باختصار سيناريو لكسر تلك الحلقة المفرغة لا يراهن علي الناس ولا علي الحكومة ولا علي النخبة المثقفة التي انفصلت عن الجماهير إلا من رحم ربك، وهو سيناريو يراهن ـ متفائلاً ـ علي الإخوان.
السيناريو كالآتي:
1 ـ أن ينسحب الـ 88 عضواً من المجلس ويخلوا الدوائر التي يمثلونها لأنهم غير قادرين علي تمثيل مصالح الناس، ولا معارضة القوانين، ولا ترويض الحزب الحاكم القابض بأسنانه علي كرسي السلطة، والحكومة تستفيد من وجودهم بأكثر مما يستفيد الناس ويستفيد الوطن.
2 ـ أن يتنحي المرشد العام للإخوان المسلمين وهو رجل له تاريخه ولطيف علي المستوي الإنساني وأن يختار الإخوان مرشداً عاماً ويغيروا اللائحة الداخلية لكي لا يتجاوز سن المرشد 50 سنة ويكون مرشداً مرة واحدة لفترة لا تزيد علي ثلاث سنوات، ويكون أمامهم ثلاث سنوات ليطوروا برنامجهم ديمقراطياً داخل الجماعة.. ومع شركاء الوطن من تيارات وطوائف، وبعدها ينطلقوا ـ هداهم الله ـ للمشاركة «بتواضع» في بناء تحالف ديمقراطي يخوض الانتخابات القادمة.
3 ـ أن يتم تعيين متحدثين رسميين للإخوان، الأول متحدث سياسي يتم اختياره من الأخوات وفيهن أستاذات ومحاميات وطبيبات ومهندسات ولا ينقصهن عقل ولا لسان، والثاني متحدث إعلامي من شباب المدونين لا يزيد سنه علي ثلاثين سنة.
4 ـ أن يشكل الإخوان حكومة ظل ديمقراطية تبدأ في تطوير سياسات واقعية لمصر اليوم وهنا من أجل تجنب فراغ سياسي في المستقبل القريب حين يأتي أمر الله.
بس خلاص.
إنني فقط أحلم من أجل مصر، وليس لي في هذا الحلم ناقة ولا جمل، وأعلم أنها أحلام العصافير، لكن من حق العصافير.. أن تحلم.
رابط المقال الأصلي