Monday, June 16, 2008

أحلام العصافير «2»

هبه رؤف عزت :

راهنت في مقالي الأحد الماضي علي الإخوان لكسر الحلقة المفرغة التي يدور فيها الوطن من استبداد وموت للسياسة، راهنت رغم تقييمي المتحفظ علي أدائهم السياسي مقارنة بقدراتهم والمصداقية التي يتمتعون بها«مسألة نسبية»، ورغم أنهم يتقدمون حين ينبغي الحذر كما في طرح برنامج خذل الناس يحتاج لإعادة صياغة ليس لمضمونه فحسب بل أساساً للعقلية «أو المجموع الحسابي لعدد لا بأس به من العقليات التي صاغته ابتداء» ليتم شحذ حسها المدني والديمقراطي..والإنساني «الذي هو:الإسلامي»، ورغم أنهم يتراجعون حين ينبغي لهم أن يتقدموا، ورغم أنهم يدفعون ثمناً باهظاً دون مقابل سوي المزيد من تراكم الشعور بالمظلومية «علي حد تعبير إخواننا الشيعة» أي أنهم مظلومون دائماً، وهم كذلك في بعض الأحيان، لكن يمكنهم الانتصار أحياناً لكن لا يتقدمون ولا يستغلون الفرص.

قيل.. وسيقال «أنت لا تعرفين خبايا الأمور ولا حجم التحديات»، وسيقال «ليس كل ما يعرف ينشر!»، وسيقال «مالك اليومين دول.. إحنا ناقصينك!» وقد يقال« إنت مش عاجبانا الأيام دي..مالك مهزوزة كده ليه؟؟» بل وسيقال «يبدو أنك قررت ركوب الموجة والهجوم علي الإخوان طمعاً في الشهرة أو للفت الأنظار». علي العموم..الله يسامح من قال والله هو الحكم علي ما قد كُتب.. وقيل.

أزعم- والله وكيلي- أنني أحرص علي الإخوان أكثر من بعض القيادات التي تري نفسها خارج أي توازنات للقوة «هكذا»، وكأن تنظيما يبحث عن تغيير توازنات القوي يمكن أن يكون بريئاً بالكلية من حسابات القوة، وأزعم أنني والحمد لله ليس لي غرض فيما أكتب، فلست عضواً في الإخوان ولست عضواً في أي تنظيم من أي نوع، وبالتأكيد أنا لست من أنصار الحكومة..نسأل الله حسن الخاتمة، بل أنا فقط مواطنة علي باب الله..وأتعجب يكررون من كوادر الإخوان العليا أنهم كلهم إخوان وليس لهم أي غرض، كثير منهم بالفعل ليس له غرض بل يدفع ثمناً باهظ اًلمواقفه ومواقف قياداته بالأساس، لكن الإخوان ليسوا أطهر من الذين أسلموا مع «رسول الله صلي الله عليه وسلم» والذين أنزل الله فيهم:«منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة»..فالسياسة لعبة مدهشة، ولا يشفع لهم ببساطة أنهم يواجهون جيشاً من الذين يريدون الدنيا..فقط .

أراهن علي الإخوان لسبب بسيط..أنهم أهل للرهان في تقديري الشخصي، ولأنني أحسب أنهم قادرون علي أن يتغيروا، «وإن كنت لا أجزم ما إذا كانوا يريدون ذلك أم لا..فتلك مسألة تتعلق بالإرادة وليس بالقدرة فقط»، ولا يوجد سبب للظن أنه لا أمل فيهم كما يكرر علي أسماعنا صباح مساء أصدقاؤنا من الجيل القديم من اليسار، فالمشكلة في تقديري ليست مشكلة تيار بل مشكلة قرار، وقضية تدافع بين الأفكار والأجيال وهي سنة الله في المجتمعات والتجمعات..لو يعلمون.

الإخوان أشبه بجسد ضخم، والجماعة تفتقر منذ قترة لقيادات فكرية «بمعني المفكر العضو ذي البصيرة التاريخية»، وهذا لا يعني أنه ليس لديهم قيادات حركية مثقفة، ما أقصده هو قيادات فكرية بالمعني الثقيل، أي قيادات فكرية تصوغ رؤي مستقبلية وتجدد المنهج والمفاهيم وتتمتع بوعي تاريخي باللحظة السياسية وبقدرة علي النفاذ لمتغيرات الواقع وسيناريوهات المستقبل لتضع فكر وحركة الإخوان علي خريطة المستقبل.تكتب وتنشر فكرها لا تتداول بعض التصورات في دوائر تنظيمية مغلقة.

هذا الجسد الرابض الذي يفرض ثقله علي الساحة ويعوق أي حركة تحاول التطوير من الداخل أو الخارج، ويحتل مساحة علي أرضية الغضب الخصبة تُحَجّم الباقين وتضع سقفاً لحدود الحركة، هذا الكيان يحتاج تحريكاً وتنظيماً لكتلته ويحتاج ترشيداً وتوجيهاً لحركته، فهو أشبه بالفيل الذي يدوس الورد دون أن يراه أصلاً ويحجب الشمس عن النبت الصغير ويزعج بصوته كل طيورالأشجار المغردة.. ويسد الطرق، لكن ينبغي ولا بد أن نعلم «وتعلم دولتنا البوليسية» أننا لن ننجح في تقليص حجمه لأنه نتاج تاريخ طويل والتاريخ لا يمكن إلغاؤه، ونتاج حاضر والحاضر ضاغط، لكن يمكن إقناع الفيل بأن يتخذ له دليلاً يبصره بمواضع قدمه وأن يقلل من ضوضائه قليلاً وأن يكون رصيداً للباقين بأن يحملهم فوق ظهره لبر الأمان بدلاً من أن يدوسهم بأقدامه دون حتي أن يلتفت لما يفعل من كوارث. مهمتنا الصعبة أن نعلم الفيل الرقص والرشاقة، أو أن نقنع الفيل بأن الأفيال الصغيرة أقدر علي رؤية الأرض وتمييز مجريات الأمور علي المستوي الحقيقي فلا ضير من أن يدع أفياله التي خرجت من صلبه تدله علي أسلم المسالك وفي هذا راحة للجميع.

وضعت أربع نقاط للتغيير فاتُهمت بالتسطيح، فلا بأس من التفصيل فيها، وسأتناول في مقالاتي القادمة كل نقطة علي حدة: الأولي طلبت أن يتنحي المرشد وهو رجل له تاريخه الناصع وحضوره علي الساحة لكن آن الأوان للتغيير- لا تغيير المرشد كشخص- «فالأمر أكبر والخطب أجل من الأشخاص» بل تغيير النظر لدور القيادة وتنظيمها «بما في ذلك دور النساء ودور الأجيال الأصغر » .والثانية انسحاب الإخوان من المجلس وإخلاء الدوائر والرجوع بالسلطة للناس الذين انتخبوهم لأنهم تم منعهم بكل الحيل والألاعيب السياسية من الدفاع عن مصالحهم وهذا ليس ذنب الإخوان بل ذنب النظام الحاكم والحزب المسيطر، والثالثة أن يعكف الإخوان علي تغيير برنامجهم، لا بدعوة بعض القيادات وبأعداد كبيرة في لجان لصياغة برنامج جديد سيفتقر للتجانس كسابقه بل بفتح نقاش حقيقي حول أولويات الجماعة ومراجعة واسعة لمنطلقاتها وتلمس سبل التغيير وتحقيق تواصل أفقي بين أعضائها وإلا ستشيخ وتموت ويكون ذلك مآلها وفق السنن الربانية، وفي هذا خسارة كبيرة لها..وللوطن، وأن يتم ذلك أيضاً بفتح نوافذ الحوار مع التيارات الأخري للوصول لإجماع وطني مواز، وأخيراً الخروج من مأزق الشعارات لمرحلة صناعة السياسات، ولديها رصيد لا بأس به من الأعضاء الذين حظوا بخبرة برلمانية جيدة وآن لهم أن يشكلوا «حكومة ظل» بحقائب وزارية تشترك فيها التيارات السياسية الأخري بكوادرها المتعقلة الراغبة في إنقاذ السفينة ويقدم الإخوان تنازلات في عدد حقائبهم لأن مسئوليتهم التاريخية في تحقيق الهدف أكبر بحكم الحجم والتأثير..

وللحديث بقية..

ونسأل الله صلاح القلب والنية.


رابط المقال الأصلي


No comments: