Saturday, November 1, 2008

"الأزمة المالية الأمريكية العالمية، مصيبة أم جريمة؟"..دراسة للدكتور صلاح عبد الكريم

قصة امبراطورية التمويل والديون

"الأزمة المالية الأمريكية العالمية، مصيبة أم جريمة؟"..دراسة للدكتور صلاح عبد الكريم



حزب الوسط الجديد- السبت 01 نوفمبر 2008
مقدمة لكي نفهم أبعاد هذه الأزمة، وما إذا كانت كما يقول كثيرون من الخبراء، أرهاصة انهيار وشيك للنظام المالي والاقتصادي العالمي، أو علي الأقل نهاية للريادة الأمريكية المالية والاقتصادية علي العالم، فإنه يتعين علينا أن ننظر إلى الأسس والقيم التي بني عليها هذا النظام ، لنحكم بأنفسنا علي حقيقة هذه الأزمة وكيفية الخروج منها لصالحنا ولصالح البشرية. ومنذ حدوث الأزمة، بل وحتى قبل ظهور إرهاصاتها، تحدث كثيرٌ من خبراء الاقتصاد عنها، شارحين ومحذرين ومقترحين للحلول. لكن الغالب على أحاديثهم ودراساتهم وحلولهم كان النظر إلى الأزمة من داخل سياق علوم الاقتصاد الغربية، مهتدين بالاصول النظرية للفكر الاقتصادي الغربي. وهم لهذا السبب (من وجهة نظري) لا يسهمون في إيجاد حلولٍ حقيقية لهذه الأزمة ، ولا في إخراج الناس من حيرتهم. وإذا فكر الجميع من داخل القفص الحديدي الذي تجد البشرية نفسها فيه رهينة هذا النظام المالي الاقتصادي الذي وضعته الحضارة المادية الغربية، فليس هناك مخرج لا من هذه الأزمة ولا من القفص الحديدي. ونحن لهذا، عند تناولنا لهذه الأزمة، ننطلق بالضرورة من منطلقات مختلفة؛ لأننا لو انطلقنا من نفس المنطلقات، فستصيبنا الحيرة التي أصابت الجميع. أولاً: الهيمنة الأمريكية من خلال التمويل والديون نظامٌ نقدي يقوم على الديون! في النظام النقدي الحديث الذي تفتقت عنه قريحة الحضارة المادية، لا يتم خلق النقود إلا إذا اقترضها أحدهم. نحن جميعاً نتعامل بنقود محملة بديون تدفع عنها فوائد، والنقود الحديثة تنتقل إلي حيز الوجود حال اقتراضها. ويعود أصل رأسُ المال الذي يسعى لتوليد المزيد من نفسه دون أن يقدم أية سلعةٍ حياتيةٍ أو خدميةٍ إلى الربا. ولكن لم يحدث في التاريخ البشري من قبل أن كان هذا الشكل هو النمط المسيطر على تنظيم الحياة الاجتماعية. لقد حدث هذا عندما أصبح المال يدور في دوائرَ مغلقةٍ بين استثمار المال وتوليد الأرباح بحيث أصبح في كل مرحلة من نموه يرتبط بهدفٍ واحد، هو مضاعفة نفسه. ولم يعد هناك الآن أي التزام لرأس المال تجاه أي نظامٍ اجتماعيٍ على وجه الارض. فالأموال تتحرك بحرية وتتزايد وتدخل إلى البلدان كلها وتخرج منها، ليس بغرض دعم الحياة الاجتماعية في الدول المضيفة، بل على النقيض. وحتى الموارد وأشكال الحماية القانونية والسياسية يتم توجيهها لزيادة انتشار هذا السرطان الرأسمالي. العجيب هنا هو أن الجميع مدينون وبلا استثناء بما فيهم الأغنياء، سواءٌ أكانوا رجال أعمالٍ أم شركاتٍ كبرى أم حكومات دولٍ كبرى وعظمى، بل إن الدولة العظمى الوحيدة هي أيضاً في نفس الوقت الدولة المدينة العظمى! لقد استعصى على فهمي أن الجميع مدينون، وبلا استثناء، الجميع! من هو الدائن إذن لكل سكان الكرة الأرضية؟ والحكمة الريفية التي تعلمناها من أجدادنا ويعرفها الجميع هى أن الدين ذل. من هنا يذل من؟ إن كل دول العالم، وكل المؤسسات الصناعية الكبرى في العالم تقريبًا ، ومعظم سكان الدول الصناعية مدينين إلى الجهات التي تصدر النقود، أي البنوك المركزية والبنوك الخاصة والبنوك التجارية... إلخ. إن نظام البنوك الحالي يخلق سلسلة لا تنتهي من الديون والقروض. إننا نعيش في عصر النقودِ المحملة بالديون. وكل المحتوى النقدي سوف يتلاشى إذا حدث أن تم سداد جميع الديون والقروض البنكية. وهذا الأمر يتم إخفاءه عن الجميع! لقد كان من الطبيعي أن تكون آلية إيجاد النقود على رأس الموضوعات الأساسية في مناهج المال والاقتصاد الجامعية، وذلك لأهميتها الشديدة في فهم الاقتصاد. ولكن هذا لا يحدث للأسف. راجع بنفسك تلك المناهج لتتأكذ مما أقول. النظام المصرفي العالمي مملوك لأفرادٍ، ويدار بغرض الربح إذا كان كلامي هذا يصيبك بالحيرة، فأصبر، فسوف تزداد حيرتك كما ازدادت حيرتي عندما علمت أن النظام البنكي الغربي كله بما في ذلك البنوك المركزية وعلي رأسها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (وهم الذين يصدرون العملات النقدية ويحددون معدل الفائدة علي القروض) كلها مملوكة ملكية خاصة لأفراد يمثلون منذ نشأة الحضارة الغربية النخب المتنفذة. والنخب المتنفذة هي خليط وتكتل من رجال المال والبنوك والساسة والملوك والأسر الحاكمة وكبار رجال الصناعة وكبار القادة وبعض كبار العلماء. وهي تدير البنوك المركزية والبنوك والمؤسسات المالية كأي مؤسساتٍ تجارية خاصة أخري، بغرض تحقيق الربح. إن النخب تستخدم النقود لتحقيق سيطرتها علي الأمور، فمن خلال إصدار النقود التي يتعامل بها الجميع، وتحديد سعر الفائدة، وتحديد كمية النقود المطروحة للتداول وتغيير متطلبات ما يسمى بالاحتياطي النقدي الجزئي في البنوك (أي نسبة الودائع إلي القروض الممنوحة) ، تتقلب المجتمعات الإنسانية فيما يسمى بالدورات الاقتصادية بين التضخم والكساد. وإذا أوجدت البنوك كمياتٍ كبيرةٍ من هذا النقد المصطنع فسنكون في رخاءٍ وازدهار؛ وإذا لم يحدث هذا، فسوف نفقد القدرة على التعامل والتبادل مع بعضنا البعض ويعم الكساد. وكلما أوجدت البنوك كمياتٍ متزايدة من هذا النقد المحمل بالفائدة، كلما زاد المحتوى النقدي في المجتمع وزاد التضخم وتآكلت القوة الشرائية للنقود، في نوعٍ عجيب من الضرائب العصرية. وعندما يحاول عدد كبير من الناس استخدام ثرواتهم النقدية في نفس الوقت، أو يحاولوا التخلص مما يسمى بالأصول المالية مثل الأسهم والسندات وغيرها. فإن هذه الثروة النقدية تفقد قيمتها والثقة فيها وتنهار، وتختفي ببساطة لأنها لم تكن موجودة في المقام الأول علي الإطلاق. إن نمو هذه الثروة النقدية وتبادلها وهذا التمدد والانكماش في المحتوى النقدي ، في قلب الأسباب التي أدت إلى ما يسمى بالدورة الاقتصادية بين ازدهار وكساد وهو أساس بنية الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي الهشة. بل إن الحملة الأمريكية الجديدة للهيمنة على العالم تُعتبر فرصة كبيرة لمزيد من الإنفاقات (أي الديون) ولمزيدٍ من الأرباح البنكية ولمزيدٍ من تضخم الدولار بالطبع. أي أن جميع مستخدمي الدولار في جميع أنحاء العالم هم في حقيقة الأمر الممولون الحقيقيون للإمبراطورية الأمريكية الجديدة السافرة من خلال الضرائب المفروضة على الدولار عن طريق التضخم. ولكن إلى متى يمكن أن يدوم النظام المالي الحالي لهذه النقود الغريبة؟ إن الاقتصاد الأمريكي العملاق غارقٌ الآن في القروض مثلهُ في ذلك مثلُ بقية العالم. وقطع الدومينو واقفة في وضع الاستعداد لكي تتساقط. وأيُ حدثٍ يقلصُ من المحتوى النقدي أو يقلل من الثقة في الدولار، سوف يكشف العيوب المتأصلة في هذا النظام المبني على القروض. إن صروحاً مالية هائلة تنهار الآن في لمح البصر، أو يتم شراءها بالملاليم بواسطة مؤسساتٍ أخرى الله وحده يعلم عمق مشاكلها. هل هذه نهاية النظام المالي للرأسمالية الصناعية كما يقولون؟ هل هذه نهاية الريادة الاقتصادية العالمية للولايات المتحدة؟ وإذا كان هذا صحيحا، فهل ستنزوي كقوة عظمى بهدوء كما فعل الاتحاد السوفيتي؟ أم أننا على أعتاب مرحلة جديدة من عدم الاستقرار العالمي يمكن أن تؤدي إلى حروبٍ لا يعلم مداها إلا الله؟ صعود واضمحلال الهيمنة من خلال التمويل ثم القروض وعجز الميزان التجاري خرجت الولايات المتحدة الأمريكية من الحرب العالمية الثانية بأقوى اقتصاد في العالم، حيث كان انتاجها الصناعي عام 1945 أكثر من ضعف الإنتاج السنوي لدول أوروبا واليابان مجتمعة، ولديها 65% من احتياطي الذهب العالمي. وحلت البنوك والمؤسسات المالية الأمريكية محل مؤسسات مدينة لندن كمصادر للتمويل العالمي (مثلما حدث في مشروع مارشال لتمويل إعادة بناء أوروبا بعد دمار الحرب العالمية الثانية). وتم فرض السيطرة الاقتصادية الأمريكية على العالم من خلال جعل الدولار هو العملة العالمية التي تستخدم في معظم التبادل التجاري، بحيث يتم تسعير السلع به وجعله عملة الاحتياطي العالمي مع التزام أمريكا بتحويله للذهب بسعرٍ متفقٍ عليه، وفرض احترام هذا النظام بالقوة العسكرية. وكانت الخطة تستلزم إنشاء ما يسمى بمنظمات اتفاقية بريتون وودز وهي صندوق النقد والبنك الدولي (أضيفت لهما فيما بعد اتفاقيات الجات ومنظمة التجارة العالمية) لتكون أدوات الإمبراطورية الأمريكية غير السافرة المرتكزة علي الائتمان والتمويل، لأن مطابع الدولار الذي يحتاجه الجميع لشراء السلع موجودة في أمريكا. اضطرت أمريكا إلى الدخول في حروبٍ اقليمية متعددة للمحافظة على هذه السيطرة أدت إلى عسكرة الاقتصاد الصناعي الأمريكي بالتدريج علي حساب تطوير الاقتصاد الصناعي المدني. وهكذا بدأت السيطرة الاقتصادية الأمريكية في التدهور في النصف الثاني من الخمسينيات، بعد أن تعافت اقتصاديات كثير من دول الحلفاء مثل ألمانيا واليابان، بل وبعض الدول النامية، وأصبحت منتجاتهم تنافس الصناعة الأمريكية في عقر دارها بسبب التجارة الحرة، حتى أصبحت السوق الاستهلاكية الأمريكية لا غنى عنها للجميع. وأصبحت الريادة الأمريكية ومكانة الدولار في خطر، وكان لابد من وضع حدٍ لهذا. وهكذا تم في عام 1971 إلغاء إمكانية تحويل الدولار إلى ذهب. كما تم زيادة أسعار البترول أربعة أضعاف، واستخدام فوائضه في إقراض الدول النامية المستهلكة له (للوفاء بالزيادة في أسعاره- كنوعٍ من الإتاوة) والإيقاع بها في فخ الديون المتوالدة، مما نتج عنه وأد نموها والتخلص من خطرها. ولم يكن أمام الدول الصناعية ذات الفوائض الدولارية إلا ثلاثة بدائل: إما أن توجد سوقاً بديلة لسوق أمريكا وهذا غير ممكن، أو تـُعرض اقتصادها للانكماش بالتوقف عن التصدير للسوق الأمريكي، أو أن تستثمر فوائضها في أمريكا في صورة سندات الخزانة الأمريكية. أدرك صناع السياسة أنه يمكن لأمريكا أن تحتفظ بازدهارها وريادة الدولار للأسواق المالية بإحداث عجزٍ في الميزان التجاري بينها وبين الدول الصناعية ، وارغامها على تحويل فوائضها إلي سندات الخزانة الأمريكية إن أرادت التصدير للسوق الأمريكي، عن طريق جعلها معتمدة علي الحماية الأمريكية مع التلويح دائماً بنزع درع الحماية النووية. وهكذا، وبعد اضمحلال تفوق الاقتصاد الأمريكي الصناعي التقليدي، تحولت السياسة الأمريكية من كون أمريكا الممول الرئيس للعالم إلي كونها المدينة الأكبر في العالم. وحلت المؤسسات المالية الأمريكية في نيويورك (المتعاملة في السندات الأمريكية وغيرها من أدوات استثمار الفوائض التجارية للدول الأخرى في الأسواق المالية الأمريكية) بالتدريج محل المراكز الصناعية الأمريكية الكبرى كأكبر نشاط اقتصادي أمريكي. كان هذا يعني في الواقع إصدار المزيد من الدولارات لتغطية العجز التجاري والنفقات الأمريكية بدون زيادة في الإنتاج الأمريكي. وكان يعني أيضاً حدوث التضخم وتهاوي قيمة الدولار. ولأن أمريكا هي القوة الوحيدة، اضطر العالم إلي الاستمرار في قبول الدولار المتضخم ذو القيمة المتهاوية كأداة للمقايضة علي السلع ودفع قيمتها، واستمر الجميع في السعي للحصول علي الدولارات. واستمر الأمر علي هذا الحال حتى عام 1979 عندما بدأت ألمانيا واليابان وحتى السعودية في التخلص من سندات الخزانة الأمريكية لتدني ثقتهم فيها ولانخفاض عائدها. واضطر محافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي لمضاعفة الفائدة في أكتوبر 1979 ثلاثة أضعاف (إلى حوالى 21%) لإغراء الدول للاحتفاظ بسندات الخزانة. وكان الهدف هو إنقاذ الدولار كعملة للاحتياطي العالمي من الانهيار مهما كان الثمن. وأدي هذا إلي ارتفاع قيمة الدولار أمام كل العملات الرئيسة الأخرى، وإلى جعل المنتجات الأمريكية باهظة الأسعار في الأسواق العالمية وتسبب في تدهور الصادرات الأمريكية وإلي ركود حركة بناء العقارات وانهيار صناعة السيارات والصلب، ودفع الصناعة الأمريكية إلي الانتقال خارج أمريكا بحثاً عن تكلفة أقل للتمويل والأصول والعمالة. لقد تم إنقاذ الدولار على حساب الاقتصاد الأمريكي. وأصبحت أمريكا ترغم الجميع علي استثمار فوائضهم التجارية فيها بمعدل يقترب حالياً من 2 بليون دولار يومياً. وطالما أن هناك عجزاً في الموازنة الأمريكية، فهناك أذون خزانة للجميع. تنشيط الاقتصاد الأمريكي المتدهور عن طريق الفقاعات الاستهلاكية كان هذا يعني أيضاً استمرار تدهور الاقتصاد الأمريكي المحلي والصناعة الأمريكية ، واستمرار انتقالها إلى حيث التكلفة الأقل. وتحولت مراكز التسوق إلى قاطرة الاقتصاد بدلاً من المراكز الصناعية. وحيث أن هذا التدهور، بالإضافة إلى التضخم وتهاوي القوة الشرائية للدولار، كان يضعف مجتمع الاستهلاك الأمريكي وقدرته الفعلية على الاستهلاك، فقد كان من الضروري دفع الاستهلاك ولو بوسائل مصطنعة. وهكذا، كان يتم خلق الفقاعات الاستهلاكية وفقاعات الثروة المصطنعة؛ لامتصاص السيولة الزائدة في المجتمع جراء التضخم وزيادة المحتوى النقدي في الاقتصاد من ناحية، وللمحافظة على دوران الاقتصاد الأمريكي المحلي من ناحية أخرى، وللإبقاء على آلية إحداث العجز في الميزان التجاري الفيدرالي الذي يحفظ الريادة العالمية للدولار والسيطرة العالمية من ناحية ثالثة. ومع زيادة الأسهم والسندات الأمريكية في أيدي الجميع، زادت أنشطة تداولها، ونشطت الأسواق المالية الأمريكية في المضاربات فيها بكل أنواع المضاربات. لقد كان من الأعمال المكملة لإستراتيجية إدامة الهيمنة الأمريكية، أن يتم تنشيط المؤسسات المالية الأمريكية ودعمها وحمايتها وفتح الطريق أمامها، للاشتباك في معاملاتٍ ومضارباتٍ مالية تحاول بها ضرب المنافسين، واستعادة ما يمكن من الفوائض الدولارية من أيدي الآخرين، وابتكار الأدوات المالية التي تمكنها من ذلك. وهكذا تحول الاقتصاد الأمريكي بالتدريج إلي هرم من السندات والمضاربات. وكانت أنواع السندات والمضاربات دائمة التطور، ولكنها كانت دائما بمعزل عن أي نشاط إنتاجي في الاقتصاد الحقيقي بصورة متزايدة. ظهرت منذ منتصف السبعينيات أدوات مالية جديدة للمضاربة والمراهنة على قيم الأسهم والسندات والعقود والعملات. وشهدنا رفعًا للضوابط المالية والقوانين المنظمة وأجهزة المراقبة، وتطورات كبيرة في الاتصالات والحاسبات الآلية ساهمت كلها في خلق نظام مالي دولي شديد التداخل. وزادت معدلات تلك المراهنات حتى أصبحت الآن تقدر بحوالي 590 تريليون دولار أمريكي (وهو يساوي عشرة أضعاف الاقتصاد العالمي كله) مما ساهم في تعقيد وعدم استقرار النظام المالي الدولي. ومع تطور الحواسب الآلي ، تم وضع البرامج والمعادلات الرياضية المعقدة التي تضع في حسابها كل المتغيرات، ويستطيع الحاسب الآلي عن طريقها تحديد وتنفيذ عمليات البيع والمضاربة بصورة لحظية لتحقيق أقصى ربح. بل واعتقدوا أنهم نجحوا عن طريق برامجهم في خلق شفاط آليٍ هائل يكنس الأرباح من كل الأسواق المالية في العالم. مثلما حدث مع شركة (Long Term Capital Management-LTCM) لقد أصبحت تلك المضاربات من التعقيد بحيث قيل عنها أنها تعتبر من أسلحة الدمار المالي الشامل. وهذا الوضع جعل الاقتصاد الأمريكي اقتصاداً استهلاكياً يعتمد علي الواردات من الدول الأخري حتى بلغ العجز في الميزان التجاري الأمريكي عام 2007 أكثر من 700 بليون دولار. وزاد الكساد الذي تعانيه أمريكا. وتقلصت العمالة الصناعية بسبب التجارة الحرة وانتقال المصانع إلي الخارج. ولجأت الأسر إلي الاقتراض لتوفير ضروريات الحياة. ومع ثبات الرواتب منذ عام 2000 فإن المصدر الوحيد للأموال التي تم ضخها في الاقتصاد الاستهلاكي في هذه الفترة كان من أرباح التضخم في أسعار العقارات، ذلك السوق الذي يتهاوي حالياً. آلية استعادة الفوائض الدولارية من الآخرين حاولت تلك المؤسسات المالية الأمريكية الكبرى عن طريق المضاربة فيما بينها في أسعار عقود البيع المستقبلية للبترول والمعادن والغذاء (التي تضاعفت فجأة بدون زيادة طفرية في الاستهلاك، أو نقصٍ كبير في الانتاج)، استعادة الفوائض الدولارية من أيدي الآخرين حماية للدولار المتدهور من الانهيار كعملة الاحتياطي العالمي (بعض الخبراء يقدرون أن حوالي من 60% إلي 70% من الزيادة التي حدثت في أسعار البترول حدثت نتيجة لهذه المضاربات)، مما أدى أيضاً إلى تفاقم أزمة الاقتصاد الأمريكي. فمع ارتفاع تكلفة البترول والمعادن والمنتجات الزراعية، كان المتبقي في أيدي الناس للإنفاق علي بقية مستلزمات الحياة والخدمات يقل باستمرار. وحيث أن هناك أشياءً لا يمكن إلغاءُها مثل الرعاية الصحية والتعليم، فلابد أن يؤدي هذا إلي التعثر في سداد كل الأقساط. وأصبح لدي الدول الأخرى ما يقترب من 9 تريليون دولار في صورة ديون علي الحكومة الأمريكية تتطلب فائدة سنوية تزيد عن 50 بليون دولار ناهيك عن سدادها. وأصبحت أمريكا تعيش علي الاقتراض من الجميع، وكأن الجميع يعملون عندها مجاناً، وليس أمامهم إلا الاستمرار في شراء أذون الخزانة والحصول علي المزيد منها كفائدة سنوية، وتجديد المنتهي منها بأذون جديدة، لأن المقابل هو انهيار صادراتها أو ارتفاع قيمة عملتها أمام الدولار، وهو ما يعني أيضاً انهيار صادراتها وحدوث انكماش اقتصادي بها. أي أن بلاداً فقيرة مثل إندونيسيا تصدر رأس المال إلي أمريكا بدلاً من العكس! والخزانة الأمريكية وبنك الاحتياطي الفيدرالي يدركون اضطرار العالم لشراء أذون الخزانة الأمريكية لمنع النظام النقدي العالمي من الانهيار. كما تم أيضاً تطبيق حزمة من الإجراءات بهدف استعادة الفوائض الدولارية منها خفض قيمة الدولار بنسبة حوالي 40% على مدى عامين، وخفض الفائدة على أذون الخزانة الأمريكية حتى وصلت إلى 0.16%. كما وصل الدين الداخلي العام والخاص في أمريكا إلي أكثر من 40 تريليون دولار بعد أن كان 7 تريليون فقط عام 1985 حتى أنه ينمو بمعدل أكبر من إجمالي نمو الناتج القومي الأمريكي. وفي القلب من هذا الدين، الديون الخاصة بالمستهلكين (حيث بلغت الديون الشخصية لكل رجل وأمرأة وطفل في أمريكا 37.5 ألف دولار في المتوسط تدفع عنها فوائد) والديون الخاصة بالرهن العقاري. ثانياً: فقاعة الرهون العقارية والأزمة المالية الحالية كان الاقتصاد الأمريكي في 2000-2001 يبدو كما لو كان ينمو أخيرًا عقب ركودٍ شديد، وعقب انهيار قدره 60% في البورصة. فبعد انتهاء مهمة فقاعة (dot.com) وتخليص الشعب الأمريكي من فائض السيولة المتوفرة لديه، وبداية من يناير 2001 قام جرينسبان بإجراء 12 تخفيض متتالي في سعر الفائدة حتى وصلت من 6% إلي 1% في يونيو 2003، كما تم إطلاق شركات الرهن العقاري التي استهدفت أساساً قطاع الفقراء والمهاجرين والمناطق الملونة لخلق فقاعة الرهون العقارية. وآلية خفض نسبة الفائدة على القروض هي الآلية المتبعة دائما لخلق الفقاعات الاستهلاكية. ومع إقبال الناس على شراء المنازل، ارتفعت أسعارها. وشعر الجميع أنهم عثروا على كنز. وانطلق الجميع في الاستهلاك تحت شعاراتٍ مثل"هيا بنا نتسوق" أو "تسوق حتى تسقط من الإعياء" (Shop until you drop) ، بحيث أصبح 76% من إجمالي الناتج القومي الأمريكي يتم في صورة إنفاقات استهلاكية، ومعظمه مرتبطٌ بانتعاش السوق العقاري. لقد تمكن بنك الاحتياطي الفيدرالي من إغراء الأسر الأمريكية لكي تستدين بمعدلاتٍ قياسيةٍ بخفض سعر الفائدة، وبالتلويح بحلم امتلاك منزل. وعندما تشتري الأسر المنازل فإنها تحتاج إلى كثير من السلع الأخرى (مما ينمي الاقتصاد) تحصل عليها بمزيدٍ من القروض بضمان منازلهم. تكتلٌ عصابي متكامل يصنع فقاعة الرهن العقاري تحول سوق الائتمان الأمريكي بعد إلغاء الرقابة الحكومية إلى شبكة مترابطة وهائلة من التكتلات. وتم هذا بالدعم الكامل من جرينسبان وتواطؤ كل أجهزة الإدارات الأمريكية المتعاقبة. ولكي يتم حبك اللعبة، استلزم هذا تواطؤ أكبر شركات التقييم المالي في العالم (مودي وستاندرد أند بورز). التي كانت تعطي تقييماً مرتفعاً لتلك السندات، وكذا شركات تأمين (11 شركة أسست خصيصاً برؤوس أموال متواضعة) لإصدار وثائق تأمين (بما قيمته 2.4 تريليون دولار) على سنداتٍ يعلمون أنها ليست مضمونة التحصيل، كخطوة لازمة لحبك اللعبة. وكان تطور الفقاعة كما يلي: o قامت البنوك بإقراض شركات الرهن العقاري التابعة التي قامت بدورها بعمل القروض للعامة والرهون العقارية الضامنة، ثم قامت بتكوين حزم (محافظ) من تلك القروض، واصدار سنداتٍ ومراهناتٍ بضمان تلك الديون وتدفقاتها، وبيعها بالجملة والقطاعي للجميع والحصول علي رسوم وأرباح في كل خطوة، ثم قام الجميع بالمراهنة والمضاربة عليها في عملياتٍ محشوة بالمعادلات الآلية وأعمال الحاسبات. o وفي حماية التقييم المرتفع والتأمين الوهمي، تم توريق كل شيء من الأصول المرهونة إلي ديون القروض والعقارات المؤجرة والقروض العقارية السكنية وقروض الطلبة وديون بطاقات الإئتمان، بل تم توريق ديون الدول النامية. وكان يتم تجميع هذه الأوراق المالية في حزم وبيعها في أسواق العالم. o ولأن عملية التوريق هذه كانت معقدة جداً وتتم حسب معادلات يضعها علماء الرياضيات المتخصصون، فلم يكن هناك أحد يدرك تماماً كنه عملية توزيع المخاطر، أو يدرك قيمة الضمان الموجود في قلب هذه الغابة المتشابكة من المراهنات، ومن هو المنتفع قانوناً من هذا الضمان. o كانت السندات بحاجة إلي بعض الحيل ليتم تداولها على أنها سنداتٌ ممتازة، وهي إصدار تقييم ممتاز لها، وتغطية مخاطرها بوثيقة تأمين. وهكذا تم إحكام الخدعة. وتم تكوين تشكيل عصابي كامل من البنوك والمؤسسات المالية وشياطين السماسرة (بعمولات مغرية) وشركات الرهن العقاري الصغيرة، للإيقاع بأكبر عددٍ ممكن من البسطاء ، مثل كبار السن والأقليات وأصحاب الدخول المنخفضة، وتوريطهم في فخ قروض مصممة بطريقة ليست لهم قدرة علي فهمها أو سدادها بضمان منازلهم التي يعيشون فيها، وباستخدام كل أنواع حيل الكذب والخداع فيما يطلقون عليه الآن "قروض الكاذبين". ورغم هذا كانت مؤسستي فاني ماي وفريدي ماك تضمنان تلك القروض العقارية! بل إن بعض الذين حصلوا علي قروض لشراء المنازل كانوا يعرفون جيداً أنهم لن يستطيعوا دفع أقساطها، وكانوا يعطون بياناتٍ شخصية ملفقة عن قدرتهم علي السداد! ربما لأنهم كانوا يظنون أنهم يمكنهم بطريقة ما الاستيلاء علي هذه المنازل! o كانت نسب الفائدة على القروض العقارية "تحت الممتازة" تبدأ بـ 2% لفترة قصيرة ثم ترتفع لتصل إلي ما يقرب من 40%. o كما أصدرت البنوك قروضاً ضخمة للمضاربات على الأسهم والسندات بنسب تغطية متدنية تصل إلي 2% علي أساس أنها سوف تورق هذه المخاطر الجمة على أي حال وتبيعها لمؤسسات الاستثمار في الأسواق المالية. o بل إن البنوك والمؤسسات المالية استخدمت هذه الرهون العقارية وسندات الأقساط للحصول علي قروض هائلة بنسب تغطية بسيطة استخدمتها في شراء الشركات وغيرها. o زادت أسعار المنازل بنسبة 124% بين أعوام 1997-2006، واستخدم بعض ملاك المنازل هذه الزيادة للحصول علي قروض جديدة لاستخدامها في شراء السلع الاستهلاكية، بحيث زادت الديون الشخصية بنسبة 130% خلال عام 2007 فقط مقابل زيادة قدرها 100% في العقد الذي سبق 2007 بأكمله. كانت القروض تبدأ بأقساطٍ منخفضة بأسعار فائدة متغيرة (ترتفع كلما رفع البنك المركزي أسعار الفائدة) وتبدأ الأقساط منخفضة لمدة ثلاث سنوات (تذهب كلها خلالها لسداد الفوائد ولا تذهب إلى ملكية جزءٍ من المنزل). وإذا تأخر المقترض عن دفع أي دفعة تتضاعف أسعار الفائدة بنحو ثلاث مرات. كان المستثمرون يعتقدون أنهم يملكون سندات مضمونة بعقارات يمكن الحجز عليها وبيعها إذا توقف السداد، ويحصلون على عوائد من المدفوعات الشهرية. ولكن هؤلاء المستثمرين رهنوا تلك السندات، على اعتبار أنها أصول، مقابل قروضٍ جديدة للاستثمار في شراء مزيد من السندات. أي استخدموا قروضاً للحصول على مزيد من القروض! وتساهلت البنوك لدرجة أنه كان يمكن اقتراض ما يساوي 30 ضعف قيمة الرهن. باختصار، اعتقد المالك أن المنزل بيته، وظن البنك أن المنزل ملكه أيضاً. واعتقد المستثمرون أن المنزل نفسه ملكهم هم لأنهم يملكون السندات. وبما أنهم رهنوا السندات، فإن البنك الذي قدم لهم القروض يعتقد أن هناك منزلاً في مكان ما يغطي قيمة هذه السندات، رغم أن القروض التي أصدروها تبلغ نحو 30 ضعف قيمة المنزل. ومع ارتفاع أسعار المنازل ، كان يمكن الحصول على قرض جديد مقابل رهن جزءٍ من المنزل، لشراء المزيد من السلع، مثل دفع مقدم سيارة جديدة مثلا، وقام بنكٌ بتمويل الباقي. وبتحويل الدين الجديد إلى سندات وبيعها إلى بنك استثماري آخر احتفظ بجزء منها، وقام بدوره ببيع الباقي إلى صناديق تحوط وصناديق سيادية في أنحاء العالم كله. كان مالك السيارة يعتقد أنه يمتلك السيارة، واعتقد البنك الأول أنه يمتلك السيارة، واعتقد البنك الثاني أنه يمتلك السيارة، واعتقد المستثمرون أنهم يملكون سندات لها قيمة لأن هناك سيارة في مكان ما تضمنها. المشكلة أن كل هذا حصل بسبب ارتفاع قيمة المنزل ، ولك أن تتصور ما يمكن أن يحدث عندما تنخفض قيمة المنزل ، ويفقد المقترض الأصلي عمله. واستمر هذا النشاط حتى آخر يونيو 2004 عندما بدأ جرينسبان في رفع الفائدة مرة أخرى في 14 زيادة متتالية وصلت بها إلي 4.5% علي مدي 19 شهر (فيما يبدو وكأنه تفجيرٌ متعمد للفقاعة العقارية) مما أدى إلي بدء انهيار فقاعة الرهن العقاري قبل أن يترك منصبه. كما بدأت أسعار العقار في الانخفاض! الأزمة والانهيار حدثت بداية الأزمة عام 2007 عندما رفع البنك الألماني دعوى أمام المحكمة الفيدرالية في كليفلاند-أوهايو يطلب تمكينه من الحجز علي 14 منزل توقف أصحابها عن سداد أقساط ديونهم، وهو مبلغ تافه جداً بالنسبة للبنك الألماني الذي تبلغ أصوله العالمية 1.1 تريليون يورو. وقد طلب القاضي من البنك الأوراق القانونية التي تثبت حقه في إجراء هذا الحجز، ولم يكن لدى البنك هذه المستندات. ولم تكن حجته إلا أن البنوك تفعل هذا منذ سنوات بلا أي مشاكل. ومما زاد الطين بلة أنه عندما كان أصحاب المنازل يقومون برهنها للبنوك ضماناً للقروض وللأقساط، لم يكن يتم تسجيل الرهون لصالح المؤسسة المقرضة لأنها كانت تنوي توريق وثائق الرهون وبيعها في سوق المال حيث يتم تداولها بين عشرات المؤسسات المالية. وعليه، تم تفادي عمليات التسجيل المعقدة والطويلة والمكلفة. ولكن هذا الأمر جعل وثائق الرهن غير قانونية لأنه لم يُنص فيها على المستفيد من الرهن. وكان يتم تجميع تلك الوثائق معاً في حزم جرى تقسيمها بنسب مختلفة حسب معادلات معقدة، وبيع تلك الأجزاء إلي المؤسسات المالية المختلفة التي باعتها بدورها إلي آلاف المستثمرين. وأصبحت كل وثيقة رهن يمتلكها عدد كبير من المؤسسات ليست بينها أي علاقات. ولم يعد هناك مالكٌ وحيد لأي وثيقة يستطيع ادعاء أن الرهن لصالحه قانونا. وثالثة الأثافي، أن كثيراً من مؤسسات الرهن الصغيرة التي قامت بعمل هذه الوثائق للملايين من المنازل كانت قد أفلست فعلاً ولم يعد لها وجود، كما أن الكثير من الوثائق القانونية الواجب إلحاقها بوثائق الرهونات هذه فقدت تماماً في خضم العمليات التبادلية، ومن جراء إفلاس وإغلاق الكثير من مؤسسات الرهن والإقراض العقاري الصغيرة بحيث أصبح من المستحيل تماماً تسجيل هذه الوثائق. كما لم يتم ربط استثمارات المستثمرين في صناديق الاستثمار برهونات منازل محددة. وتمخض الوضع عن أطرافٍ مالكة غير محددة، ورهونٍ غير مسجلة، ووثائق رهونات مجزئة، وأوراق رسمية ضائعة، وأطراف راهنة أفلست واختفت، ومقترضون عاجزون عن السداد. ولم يكن يتم طرح السندات تحت الممتازة للمستثمرين إلا بعد أن يتوقف أصحابها عن السداد فعلاً. أي أن المستثمرين الذين كانوا يشترون أجزاءً من أوراق محافظ هذه السندات عالية المخاطر طمعاً في المزيد من الربح، لم يكونوا يشترونها إلا بعد أن تصبح بلا قيمة! مما يجعلهم قانوناً غير مستحقين لأي تعويض؛ لأنهم لم يكونوا أطرافًاً في المشكلة عند وقوعها، بل مجرد أطرافٍ ظهرت فيما بعد وتعرضت لعملية نصب. في النهاية، توقف المقترضون عن سداد الأقساط، ففقدت السندات قيمتها، وأفلست البنوك الاستثمارية وصناديق الاستثمار المختلفة وشركات التأمين. وعمليات الإفلاس أجبرت البنوك على تقليص عمليات الإقراض، الأمر الذي أثر في كثير من الشركات الصناعية وغيرها التي تحتاج إلى سيولة لإتمام عملياتها اليومية. لقد بلغت قيمتة مشتقات الرهون العقارية في يناير 2007 أكثر من 6.5 تريليون دولار (يبلغ حجم سوق الرهن العقاري في أمريكا 12 تريليون دولار)، وهو تقريباً نصف الإنتاج القومي السنوي الكلي للاتحاد الأوروبي. إن دائنو القروض العقارية يتوقفون عن السداد بمعدل شهري يصل إلي 50 بليون دولار، وهذا يعرضُ سوق المشتقات (الذي تصل قيمته إلى عدة مئات من تريليونات الدولارات) للخطر، مما يعرض عدداً هائلاً من البنوك، بل والنظام البنكي كله لخطر الانهيار. ولوجود هذه الأوراق في حزم تختلط فيها الديون المعدومة بالديون الجيدة، انهارت الثقة في سوق السندات الضمنة بالرهون العقارية كلها. والآن لا يوجد من يرغب في شراء سندات مالية لا يستطيع أحد أن يضع قيمة لها. كما أن الرابح لا يستطيع تحصيل أرباحه من هذا السيرك إلا إذا دفعت الحكومة الخسائر التي لا يستطيع الخاسر أن يدفعها. انهياراتٌ متتالية ففي يونيو 2007 انهار بنك بيرشترن وهو من أكبر البنوك بعد أن حاول التخلص من كل الأوراق المالية المضمنة بالرهون العقارية الموجودة في حوزته، دون جدوى، لعدم وجود مشترٍ لها. وفي 7 سبتمبر 2008 اضطرت إدارة بوش لما يشبه تأميم أكبر مؤسستين للرهن العقاري، حيث أصبحت وزارة الخزانة الأمريكية ضامنة لما يزيد عن 5.3 تريليون دولار قيمة عجز مؤسستي "فاني ماي وفريدي ماك". وهما إما تمتلكان أو تضمنان ما قيمته 6 تريليون دولار من القروض العقارية، أو ما يساوي نصف القروض العقارية في السوق الأمريكية. وفي 15 سبتمبر أفلست مؤسسة ليمان براذرز. وفي 17 سبتمبر وافق البنك الفيدرالي علي دعم شركة AIG للتأمين بمبلغ 85 بليون دولار بسبب ضمانها لأرباح المراهنين علي قيم الأسهم والسندات التي أصبحت بلا قيمة. ومن العجيب أن رؤساء AIG وفاني ماي وفريدي ماك تم عزلهم جميعاً لتزويرهم في الميزانيات. لقد أصدرت AIG (بمباركة من الجميع) وثائق تأمين بنصف تريليون دولار ضمنت فيها جميع الأطراف التي تدخل في المضاربات المالية ضد بعضها علي أن الدولار سوف يرتفع أوينخفض أمام اليورو أو أن سوق الرهن العقاري الذي قيمته 12 تريليون دولار سوف ينتعش أو ينهار، بالإضافة إلي التريليونات من المضاربات في المشتقات في سوق الصرف العالمي، وجمعت البلايين من رسوم الوثائق التي تصدرها الحاسبات. لقد كانت تؤمن الجميع ضد مخاطر المضاربة ضد الجميع، أي أنها كانت خاسرة على أية حال. إن الانهيار التالي المتوقع هو انهيار سوق العقود التبادلية المباشرة (SWAP) وهي عقودٌ تستبدل تدفقات متغيرة أو غير مضمونة بتدفقات ثابتة. لقد انتشر استخدام هذه العقود في مدة 7 سنوات حتى بلغ حجمها الآن حوالي 62 تريليون دولار. وكانت أطراف تلك العقود تعيد بيعها للآخرين الذين يعيدون بيعها بدورهم، بحيث أصبح من الصعوبة علي من وجد هذه العقود في حوزته عند حدوث المشكلة أن يتتبع مسارها السابق ليصل إلي الطرف الذي يجب عليه دفع التعويض عند حدوث الأزمة. وهذه قنبلة يمكن أن تنفجر في أي لحظة. ومع تضاعف عدد المتعثرين مع تطور الأزمة، يؤدي هذا إلي المزيد من التعثر، بما قد يعرض النظام المالي الغربي بأكمله للانهيار. لقد اشترك الجميع في مهرجان النصب والنهب إلي آخر لحظة، حيث أن المضاربين يحققون أرباحاً كبيرة في المضاربة علي السندات حتى أثناء انهيارها، من خلال ما يسمى بالبيع القصير (أي المراهنة على انخفاض أسهم معروفٌ للخاصة أنها سوف تنهار بسبب مشاكلٍ مالية في الشركة). لقد حققت بعض المؤسسات المالية أكبر الأرباح في المضاربة علي أسهم فاني ماي وفريدي ماك أثناء انهيارهما! بل إن هناك مؤسساتٍ مالية كانت تعرف أن الكونجرس سيرفض خطة الدعم المالي مرتين، حققت أرباحاً تقدر بمئآت البلايين من الدولارات في المراهنة على ذلك وبيع الأسهم والسندات والمشتقات، ثم إعادة شراءها في كل مرة تنهار فيها أسعار البورصات بسبب رفض الكونجرس لخطة الدعم. ومن العجيب إنه تم عزل مدراء المؤسسات المالية الذين تورعوا عن الاشتراك في هذه المذبحة والسؤال هنا لماذا تتدخل الحكومة الأمريكية لإقالة هؤلاء المغامرين. يجب ألا ننسى هنا أن هذه المؤسسات المالية هي أكبر المساهمين في تكلفة الحملات الانتخابية الرئاسية، كما أنها هي القوة الضاربة للإمبراطورية الأمريكية المبنية على الديون، تلك القوة المكلفة باستعادة الثروة المالية من الأسواق المالية في العالم. ولحل مشكلة الرهون العقارية يجب خفض سعر الفائدة حتى يتمكن أصحاب العقارات من سداد أقساطها. إلا أن هذا سيؤثر سلباً على سندات الخزانة الأمريكية. ومعنى هذا هو التضحية بالاقتصاد المحلي لكي يتسنى الاحتفاظ بالقدرة علي تمويل العجز التجاري بين أمريكا والعالم، أساس الهيمنة الأمريكية من خلال الديون. ولكنها لا تستطيع أن تكشف هذا للعامة. ولهذا قد تحتاج الحكومة الأمريكية إلى إعلان الأحكام العرفية للحفاظ على القانون والنظام. وقد نشرت صحيفة آرمي تايمز في سبتمبر 2008 أن الحكومة الأمريكية قامت باستدعاء الفرقة الأولى من جيش المشاة الثالث من العراق لتصل إلى أمريكا في أكتوبر لتكون "تحت تصرف الحكومة الفيدرالية وعلى أهبة الاستعداد لمواجهة الطوارئ والكوارث الطبيعية والمصنوعة بما في ذلك الهجمات الإرهابية"، على حد قول الصحيفة. هل الحكومة الفيدرالية تتحسب لمواجهة الاضطرابات المدنية وامكانية تفجر الغضب الشعبي؟ لقد أصبح ثبات الدولار والنظام المالي طوال السنوات الماضية معتمدًا على استمرار التدفقات الضخمة التي تمول عجز الحساب الجاري الضخم، وتمول أيضـًا بناء الإمبراطورية الأمريكية السافرة، بل وتدير عجلة الاقتصاد العالمي. ويبدو أن النظام النقدي المملوك ملكية خاصة والمبني على القروض والديون قد وصل إلى منتهاه، وأصبح يهدد جميع البشر. إن الحل الأمثل هو إلغاءه واستبداله بنظام نقودٍ غيرربوية وليست مبنية على القروض. ولكن هل تجرؤ الحكومة الأمريكية وغيرها من الحكومات علي اتخاذ الخطوة الإصلاحية الأساسية وهي تأميم البنك الفيدرالي الأمريكي والبنوك المركزية الخاصة، التي تشرف علي أعمال كل البنوك والمؤسسات المالية الكبرى في أمريكا والعالم وتديرها لتحقيق المزيد من الأرباح للنخب المالية؟ لقد تم اللجوء إلي الحروب والتهديد بها علي مر التاريخ للخروج من الأزمات الاقتصادية، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية علي مر تاريخها لجأت إلى الحروب كلما انهارت قيمة الدولار أو انهار اقتصادها. فهل يحدث هذا أيضاً هذه المرة؟ هل سيجري التضحية بالجميع لكي يتم الاحتفاظ بالقدرة علي شن الحروب والتصرف كدولة عظمى والاستمرار في اقتراض 700 مليون دولار سنوياً لتمويل العجز التجاري، أساس إمبراطورية الديون؟ مشاهد لم تتم بعد إن الشواهد تقول أنه كانت هناك سلسلة من الإجراءآت تمت منذ فترة، حيث طلبت إدارة كلينتون من المؤسسات المالية التوسع في إصدار القروض العقارية للفئات التي لم تكن مؤهلة لهذه القروض من قبل. ويقول ريتشارد كوك الخبير والمحلل الاقتصادي: "إن البنوك أصدرت تعليماتها إلي السماسرة بالتزوير في بيانات المقترضين والمبالغة في تقدير دخولهم". كما بدأت شركات الرهن العقاري بمباركة من جرينسبان في اعطاء قروض بفائدة متغيرة تتضاعف بعد عدة سنوات عند التوقف عن سداد قسط واحد. مع إغراء الناس بإمكان إعادة بيعها وتحقيق أرباح كبيرة قبل أن ترتفع قيمة نسب الفائدة وبعدها بدأت المؤسسات المالية في وول ستريت في تجميع فيضان الرهونات وتوريقها وبيعها للجميع في أنحاء العالم، بعد أن اعطت مؤسسات التقييم تقييماً ممتازاً لتلك الأوراق المالية والسندات المزورة. كما قامت مؤسسات الرقابة علي السندات بتخفيض متطلباتها علي المساهمة الشخصية للمساهمين من أموالهم الخاصة في المضاربات مما أحدث زيادة هائلة في المضاربات والمراهنات باستخدام قروض البنوك. وقالت محطة ABC إن خبراء تحليل المخاطر في بنك واشنجتون ميوتشوال Washington Mutual (هذا البنك الهائل الذي انهار مؤخراً) صدرت إليهم تعليمات بإغفال الإشارة إلي مخاطر القروض العقارية؛ لأن الهدف هو زيادة هذه القروض إلي اقصى حد. وتم إسكات الخبراء المعارضين أو التخلص منهم. كما صدرت الأوامر من وزارة الخزانة والرقابة علي النقد إلي أجهزة الإدعاء العام في الولايات المختلفة بعدم التحقيق في بلاغات التزوير في أوراق الرهون وعدم تحويلها إلي المحاكمة. وأحدث الانهيار في الاقتصاد الأمريكي مع حلول سبتمبر 2008 صدىً كبيراً في العالم كله وبدأت البنوك وصندوق النقد الدولي يحذران من حدوث كسادٍ عالمي. وانطلقت الولايات المتحدة مع دول أوروبا لترتيب سلسلة من مؤتمرات القمم الاقتصادية لإيجاد حل للأزمة المالية العالمية حيث يستضيف جورج بوش المؤتمر الأول في واشنطن في 15 نوفمبر القادم. وبدأ الحديث عن الحاجة إلى منظومة عالمية للأسواق المالية، أي إلى مزيدٍ من الضبط والربط في أيدي الكبار. ومن الملاحظ أنه لم يسمح لبنك بير شتيرن بالانهيار حيث تم دمجه في بنك مورجان تشيس (بـ 2 دولار للسهم بعد أن كان السهم يباع بـ 159 دولار قبل عامٍ واحد) بينما ترك بنك ليمان براذرز لكي ينهار ويفقد كل المستثمرين فيه أموالهم. هل لهذا علاقة بحقيقة أن بنك ليمان براذرز كان يستثمر مئات البلايين من الدولارات للمؤسسات المالية الأوروبية وبعض المؤسسات الكبرى في منطقة الشرق الأوسط؟ (أعرف أن صندوقاً سيادياً لأحد دول البترول العربية أودع في بنك ليمان 500 مليون دولار إضافية قبل عدة أسابيع فقط من انهياره! هل يختلف مستشارو هذا الصندوق من الأمريكان عن رجال عصابة القناع الأسود أو رجال كابتن مورجان القرصان في شيء؟) لأن انهياره نتج عنه أن فقد كل هؤلاء المستثمرين أموالهم. هل لهذا الأمر علاقة بالحرب أو التنافس بين اليورو والدولار (أي بين أوروبا الموحدة والولايات المتحدة) علي السيطرة المالية علي العالم؟ إن نقطة الضعف الوحيدة لهذا التفسير هي أن هذا الأمر يستلزم أن نفترض سذاجة منقطعة النظير في جانب المؤسسات المالية الأوروبية العريقة التي يرجع تاريخ إنشاؤها قروناً قبل أن تظهر المؤسسات المالية الأمريكية إلي الوجود. إن هذه الحقيقة ترجح احتمال وجود نوعٍ من التفاهم والتنسيق فيما يحدث بين المؤسسات المالية الكبرى علي جانبي الأطلنطي. من المعروف أن آلية اصطناع فقاعة مالية ثم تفجيرها ينتج عنه تدمير الثروات المالية المستثمرة في الأسواق المالية، وينتج عنه أيضاً إفلاس الشركات والبنوك وبيعها بأثمان بخسة لمن يستطيع تدبير السيولة النقدية لذلك ولو بطباعاتها أو خلقها علي شاشة الحاسبات، بما ينتج عنه أيضاً تركيز الثروات في أيدي تلك المؤسسات الكبرى. وقد كانت تلك الفقاعات يتم اصطناعها باستمرار إما في الأسواق المالية المحلية أو في الأسواق المالية الإقليمية كما كان يحدث في أمريكا ودول أوروبا واليابان ودول جنوب شرق آسيا وروسيا. وكما كان يحدث علي مستوى أسواق أوروبا الغربية أو جنوب شرق آسيا ككل. وكانت النتيجة دائماً هي اختفاء الثروات التي جمعت بالكد والعمل أو عن طريق استغلال الثروات الطبيعية للبلدان والشعوب، كما كان ينتج عنها أيضاً المزيد من تركيز الثروات في أيدي المؤسسات المالية الكبرى في العالم. إن الجديد في هذه الأزمة الحالية هو اتساع نطاق تبادل تلك الأوراق المالية المزيفة والمسمومة ليشمل العالم كله تقريباً من خلال الأسواق المالية في أمريكا وأوروبا وآسيا والشرق الأوسط، بحيث نشاهد حالياً الانهيارات المتتالية للأسواق المالية في كل مكان واختفاء الثروات الورقية، والدعاوى الغريبة لوضع نظم مالية عالمية موحدة. وإذا سمحنا لأنفسنا بأن نستخدم خبرتنا فيما كان يحدث من تركيز الثروات بعد انفجار الفقاعات المالية وانهيار الأسواق المالية في الماضي، فإننا نجد أنفسنا أمام تساؤل غريب، يليق رغم غرابته بعالم تساقطت فيه الحواجز بعد انتشار العولمة: هل هذا الأمر إرهاصة لمزيد من الاستيلاء علي الثروات في العالم كله وتركيزها في أيدي حفنة من المؤسسات المالية العملاقة؟ بقلم د.صلاح عبدالكريم باحث في الاقتصاد السياسي ونائب رئيس جمعية مصر للثقافة والحوار

رابط المقال الأصلي

Sunday, July 6, 2008

عبد الوهاب المسيري - قلم يترجل

ملف عن حياة الراحل الكبير عبد الوهاب المسيري

الرابط

Friday, June 27, 2008

التبرعات الخيرية .. من ينافس الأمريكان؟



هشام محمد


بيل جيتس ووارين بافيت
بيل جيتس ووارين بافيت

متأثرة بما يطلق عليها الهبات العملاقة (ميجا جيفت) قفزت التبرعات الأمريكية للعام الثالث على التوالي ليصل إجمالي ما تبرع به الأمريكيون إلى 306.4 مليارات دولار، متخطية بذلك حاجز الـ300 مليار دولار، وبزيادة تقدر بـ3.9% عن العام الماضي الذي بلغت فيه إجمالي التبرعات 295 مليار دولار.

وتبدو المقارنة في غير صالح أثرياء العرب إذا قورنت أعمالهم الخيرية أو تبرعاتهم على ندرتها بما يقدمه الأمريكيون من تبرع، على الرغم من ارتفاع الكثير منهم عن مظنة دعم الإرهاب التي قد تلاحقهم حال قيامهم بأعمال خيرية.

وكانت الهبات العملاقة قد وصلت بالتبرعات الأمريكية عام 2005 لعتبة 283.5 مليار دولار ثم ارتفعت في العام التالي بعد تواصل عطاء مليارديرات أمريكا بنسبة 4.2%، خاصة أن تبرعات مليارديرات أمريكا تخطت حاجز التبرع بمئات الملايين إلى عشرات المليارات.

وتشير الدراسة السنوية التي تعدها مؤسسة عطاء أمريكا (جيفينج يو إس إيه فاونديشين) بالتعاون مع مركز الإحسان في جامعة إنديانا إلى ارتفاع عام في الهبات، الأمر الذي يعني أن الركود والكساد الاقتصادي وتدهور الدخول والانتشار النسبي للبطالة بين الأمريكيين لم يدفعهم للإحجام عن التبرع.

ونشرت المؤسسة على موقعها الإلكتروني بيانا صحفيا الإثنين 23-6-2008 ذكرت فيه أن "التبرعات الفردية التي تشكل ثلاثة أرباع الهبات ارتفعت بنسبة 2.7% لتستقر على 229 مليار دولار".

كذلك رصدت الدراسة أن تبرع الأفراد بنحو 230 مليار دولار للمؤسسات غير الربحية العام الماضي، ولم يمثل ما رصد لحملات الانتخابات الرئاسية الجارية العام الحالي نسبة 0.25% منها، على الرغم من سخونة الأجواء المفعمة بالحماسة والتي غالبا ما تهز أريحية وكرم المتبرعين للتبرع بمبالغ كبيرة، الأمر الذي يعني بالنسبة للدراسة أن "التركيز على العمل الخيري أكبر بكثير".

ونشر الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية الأمريكية في نهاية عام 2006 تقريرا عن نزوع الأمريكيين للتبرع ما نصه "يقول آلان أبرامسون المتخصص في شئون قطاع الهيئات والمؤسسات الخيرية بمعهد آسبن بواشنطن، فإن هذا أمر حميد، إذ إنه دفع تبرعات الأمريكيين نحو قمة بلغت 260 مليون دولار خلال العام الماضي 2005، وذلك بزيادة عدد الأفراد – بمن فيهم غير الأثرياء - الذين يتبرعون بمبالغ صغيرة باستخدام الإنترنت للأغراض والقضايا التي يؤمنون بها".

عطاء الأمريكيين

وعلى الرغم من أن المؤسسات الخيرية التي تلقت هذه التبرعات استقبلت من الشركات والكيانات الربحية مبالغ كبيرة فإن الأفراد داخل هذه الشركات كانوا بمثابة القاطرة التي دفعت إجمالي التبرعات إلى هذه الأرقام الضخمة، نتيجة لتبرع المليارديرات الأمريكان بما صار يطلق عليه ميجا جيفت.

ولم يورد البيان الصحفي بتبرعات 2008 تفصيلا بالجهات أو الأفراد المتبرعين، حيث ترد التفاصيل في تقرير سنوي يصدر في منتصف يوليو القادم، لكن بالرجوع للسنوات الماضية يمكن الوقوف على بعض المعلومات المهمة.

على سبيل المثال أعلن الملياردير الأمريكي وارن بافت عام 2006 أنه سيتبرع بنحو 37.4 مليار دولار من ثروته للأعمال الخيرية، تاركا لنفسه نحو 6.6 مليارات دولار، وقال بافت الذي يرأس شركة (بيركشير هاثاواي) للتأمين، إنه سيشرع ابتداء من يوليو في تقديم التبرعات لمؤسسة بيل جيتس الخيرية إضافة لأربع مؤسسات خيرية أخرى.

كذلك فمنذ نهاية عام 2005 إلى نهاية العام الماضي، ونقلا عن مجلة (البيزنس ويك) نشرت قائمة بعشرين متبرعًا هم الأكثر كرمًا في العالم، فبالإضافة إلى بيل جيتس جاء في صدر القائمة جون أي مور الذي تبرع بنصف أسهم شركة (إنتل) أي بنصف ثروته لمؤسسة بيتي وجوردن الخيرية في مجال البيئة والعلوم، ووصلت قيمة تلك التبرعات إلى مبلغ خمسة مليارات دولار أمريكي دفعة واحدة.

أما الملياردير جون ماركس تبمليتون والذي يحاول المصالحة بين العلم والدين فقد قفز إلى قائمة أكثر المتبرعين كرمًا عندما قدم تبرعًا بـ550 مليون دولار أمريكي، وجاء في المركز الخامس إيلي رواد مؤسس شركة صن أمريكا ويأتي تركيز مؤسسته الخيرية على تبني ورعاية طلاب الماجستير ذوي سنوات الخبرة القليلة وتدريبهم لتولي مناصب إدارية عالية، وقد حقق نجاحًا بارزًا في هذا المجال.

وكان للنساء نصيب من هذه القائمة، فأرملة الدكتور روبرت أتكنز تبرعت بما يقارب 500 مليون دولار لمحاربة مرض السمنة والسكري، ليتبقى لها من الثروة التي خلفها زوجها 50 مليون دولار. وفي آخر القائمة يأتي تبرع باتريك ولور هارب مؤسس أي دي جي الذي تبرع بـ386 مليون دولار لدعم أبحاث التطوير الفكري.

العرب والأعمال الخيرية

في عام 2006 بلغ إجمالي الثروات الشخصية للأثرياء العرب نحو 800 مليار دولار، يملكها نحو 200 ألف شخص، وتتركز معظم هذه الثروات في دول الخليج العربية بنسبة تزيد عن 90٪، وأوضحت دراسة اقتصادية أعدها اتحاد المصارف العربية أن نصف هذه الثروات يملكها سعوديون، إذ يصل حجم الثروات الشخصية في السعودية إلى 241 مليار دولار يملكها نحو 78 ألف شخص.

ويندر أن تزف وسائل الإعلام خبرا عن تبرع أحد أثرياء العرب لأي من مجالات الخير، أو قيامه بالرعاية المالية لأي مشروع تنموي.

ويرى البعض أن قلة تبرعات كبار الأثرياء العرب والمسلمين تعود في بعض جزئياتها إلى تداعيات أحداث 11 سبتمبر 2001، حيث نتج عن تتبع وتجميد ومطاردة مؤسسات العمل الخيري الإسلامي العربي، إما توقف أو ضعف التبرعات من قبل الأفراد أو المؤسسات المالية المانحة، وانحسار دعم الحكومات العربية والإسلامية للعمل الخيري؛ فقد غرست الحملات الإعلامية والإرهابية الميدانية بحق المؤسسات الخيرية لدى البعض - إلى حد كبير - كراهية الدعم المعنوي والمالي للعمل الخيري والإغاثي الإسلامي.

وإن أبشع النتائج التي أصابت العمل الخيري اقتياد العاملين فيه إلى كوبا حيث معسكرات جوانتانامو وبيع الأسرى والمعتقلين في باكستان وأفغانستان بدراهم معدودة إضافة إلى إحجام بعض المتطوعين والمتبرعين خوفًا على أنفسهم أو أموالهم من المصادرة، وبروز شعور المسلمين ومؤسساتهم بالاضطهاد الديني، والتدخل السافر في شعائر دينهم كالزكاة والصدقة وغيرها؛ وهي مسائل إيمانية وإنسانية عظيمة حسب التشريع الإسلامي.

كان الكاتب والمفكر فهمي هويدي قد أثاره موضوع شح أثرياء العرب فكتب في مقالة نشرت في مجلة المجلة عام 2002 بعنوان "متبرعون خافوا وتقاعسوا" إذ قال: "المسلمون القادرون من أهل الخير هم الذين أقصد، وإذ أقر بأن الناشطين في مجالات الخير من المسلمين مضيق على أكثرهم، سواء من حكوماتهم أو من الجهات الأمنية المختلفة في أقطار آسيا الوسطى التي أصبحت تتهمهم بالإرهاب، والأصولية، والوهابية، وغير ذلك، ومع ذلك فأزعم أن ثمة مساحات للفعل والتأثير ما زالت متاحة أمام المسلمين، لكنهم لم يستثمروها النحو الذي يفيد تلك المجتمعات الفقيرة المحتاجة لكل عون".

رابط المقال الأصلي


Tuesday, June 17, 2008

سيارة من القماش وأخرى تسير بالماء!


هشام محمد


سيارة وقودها فقط الماء
سيارة وقودها فقط الماء

في إطار البحث عن بدائل يمكنها إقالة البشرية من عثرتها بعدما لاحت في الأفق نذر نفاد موارد الكوكب الأرضي بسبب الاستغلال الجائر له، أجرت شركة يابانية محاولة بدت واعدة باستخدام الماء كوقود لسيارة كهرباء، فيما عرضت شركة ألمانية سيارة من القماش تصفها بأنها تعد ثورة في صناعة السيارات.

فقد تمكنت شركة جينباكس اليابانية من اختراع سيارة جديدة تسير بالماء بدلا من الوقود، في محاولة لحل المشاكل الناجمة عن الارتفاع المطرد في أسعار النفط.

وتعتمد السيارة على تقنية تعد الأولى من نوعها، إذ تحول الماء إلى طاقة كهربائية تستخدم في تسيير السيارة، حسبما ذكرت وكالة رويترز للأنباء الأحد 15-6-2008.

وكل ما تحتاجه السيارة لتر واحد فقط من الماء، أي نوع من الماء، سواء أكان من النهر أو البحر أو المطر أو حتى الشاي الياباني، لكي تسير لنحو الساعة بسرعة 80 كيلومترا في الساعة.

وفور صب الماء في الخزان الواقع في مؤخرة السيارة يستخلص مولد السيارة الهيدروجين من الماء ويحرر الإلكترونات مولدا طاقة كهربائية.

ويقول كيوشي هيراساوا المدير التنفيذي لشركة جينباكس إنه يأمل في الترويج لسيارته قبيل افتتاح قمة مجموعة الثماني في هوكايدو باليابان.

وتأمل الشركة في التعاون مع شركات تصنيع السيارات اليابانية لاستخدام هذه التقنية الجديدة في مصانعها في المستقبل القريب.

سيارة من القماش

من جهة أخرى ابتكرت شركة "بي إم دبليو" سيارة جديدة تغير شكلها بلمسة زر، وهي تبدو للوهلة الأولى مثل أي سيارة رياضية أخرى، لكن الواقع هو أنها مصنوعة من القماش بدلا من المعدن.

سيارة هيكلها من القماش حيث تبدو طياته عند الأبواب

وذكرت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية السبت 14-6-2008 أن القماش في سيارة "ذي جينا" يتجعد عند فتح الباب أو تحريك الأضواء.

وقال كريستوفر بانجل من "بي إم دبليو": "إن هذا الحل الثوري يفتح المجال أمام تصميم جديد وقدرات إنتاج كبرى".

وأضاف: "الهيكل الخارجي المصنوع من القماش يتحرك، ويمكن أن يقوم بكل ما يمكن لهيكل معدني أن يقوم به".

يشار إلى أن الشركة الألمانية التي ابتكرت هذه السيارة استندت إلى شكل سيارة الـ"زد 8" وسيارة "ذي جينا" الفضية اللون، واستخدم فيها قماش قوي يمتد باتجاه الدواليب المعدنية التي يتم التحكم بها هيدروليكيا. ولا تحتوي ذي جينا على غطاء محرك أو سقف أو صندوق، وإنما كل ما فيها هو قطعة قماش تغطي مكان القيادة المتطور جدا.

وذكرت "ديلي ميل" أن السيارة الجديدة لن تكون في صالات العرض قريبا، لكن "بي إم دبليو" تأمل في أن تطبق فلسفة هذا التصميم على كافة الموديلات في المستقبل، وفي المرحلة الراهنة يمكن مشاهدة هذه السيارة في معرض الشركة في ميونيخ.


كاتب في الشأن العلمي، ويمكنك التواصل معه عبر البريد الإلكتروني الخاص بصفحة علوم وتكنولوجيا oloom@islamonline.net

رابط المقال الأصلي


Monday, June 16, 2008

مناقشة مقالي احلام العصافير علي اسلام اون لاين


مناقشة حامية لمقالي د هبه رؤوف - احلام العصافير
تجدها في التعليقات علي الموضوع في هذا الرابط

أحلام العصافير «2»

هبه رؤف عزت :

راهنت في مقالي الأحد الماضي علي الإخوان لكسر الحلقة المفرغة التي يدور فيها الوطن من استبداد وموت للسياسة، راهنت رغم تقييمي المتحفظ علي أدائهم السياسي مقارنة بقدراتهم والمصداقية التي يتمتعون بها«مسألة نسبية»، ورغم أنهم يتقدمون حين ينبغي الحذر كما في طرح برنامج خذل الناس يحتاج لإعادة صياغة ليس لمضمونه فحسب بل أساساً للعقلية «أو المجموع الحسابي لعدد لا بأس به من العقليات التي صاغته ابتداء» ليتم شحذ حسها المدني والديمقراطي..والإنساني «الذي هو:الإسلامي»، ورغم أنهم يتراجعون حين ينبغي لهم أن يتقدموا، ورغم أنهم يدفعون ثمناً باهظاً دون مقابل سوي المزيد من تراكم الشعور بالمظلومية «علي حد تعبير إخواننا الشيعة» أي أنهم مظلومون دائماً، وهم كذلك في بعض الأحيان، لكن يمكنهم الانتصار أحياناً لكن لا يتقدمون ولا يستغلون الفرص.

قيل.. وسيقال «أنت لا تعرفين خبايا الأمور ولا حجم التحديات»، وسيقال «ليس كل ما يعرف ينشر!»، وسيقال «مالك اليومين دول.. إحنا ناقصينك!» وقد يقال« إنت مش عاجبانا الأيام دي..مالك مهزوزة كده ليه؟؟» بل وسيقال «يبدو أنك قررت ركوب الموجة والهجوم علي الإخوان طمعاً في الشهرة أو للفت الأنظار». علي العموم..الله يسامح من قال والله هو الحكم علي ما قد كُتب.. وقيل.

أزعم- والله وكيلي- أنني أحرص علي الإخوان أكثر من بعض القيادات التي تري نفسها خارج أي توازنات للقوة «هكذا»، وكأن تنظيما يبحث عن تغيير توازنات القوي يمكن أن يكون بريئاً بالكلية من حسابات القوة، وأزعم أنني والحمد لله ليس لي غرض فيما أكتب، فلست عضواً في الإخوان ولست عضواً في أي تنظيم من أي نوع، وبالتأكيد أنا لست من أنصار الحكومة..نسأل الله حسن الخاتمة، بل أنا فقط مواطنة علي باب الله..وأتعجب يكررون من كوادر الإخوان العليا أنهم كلهم إخوان وليس لهم أي غرض، كثير منهم بالفعل ليس له غرض بل يدفع ثمناً باهظ اًلمواقفه ومواقف قياداته بالأساس، لكن الإخوان ليسوا أطهر من الذين أسلموا مع «رسول الله صلي الله عليه وسلم» والذين أنزل الله فيهم:«منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة»..فالسياسة لعبة مدهشة، ولا يشفع لهم ببساطة أنهم يواجهون جيشاً من الذين يريدون الدنيا..فقط .

أراهن علي الإخوان لسبب بسيط..أنهم أهل للرهان في تقديري الشخصي، ولأنني أحسب أنهم قادرون علي أن يتغيروا، «وإن كنت لا أجزم ما إذا كانوا يريدون ذلك أم لا..فتلك مسألة تتعلق بالإرادة وليس بالقدرة فقط»، ولا يوجد سبب للظن أنه لا أمل فيهم كما يكرر علي أسماعنا صباح مساء أصدقاؤنا من الجيل القديم من اليسار، فالمشكلة في تقديري ليست مشكلة تيار بل مشكلة قرار، وقضية تدافع بين الأفكار والأجيال وهي سنة الله في المجتمعات والتجمعات..لو يعلمون.

الإخوان أشبه بجسد ضخم، والجماعة تفتقر منذ قترة لقيادات فكرية «بمعني المفكر العضو ذي البصيرة التاريخية»، وهذا لا يعني أنه ليس لديهم قيادات حركية مثقفة، ما أقصده هو قيادات فكرية بالمعني الثقيل، أي قيادات فكرية تصوغ رؤي مستقبلية وتجدد المنهج والمفاهيم وتتمتع بوعي تاريخي باللحظة السياسية وبقدرة علي النفاذ لمتغيرات الواقع وسيناريوهات المستقبل لتضع فكر وحركة الإخوان علي خريطة المستقبل.تكتب وتنشر فكرها لا تتداول بعض التصورات في دوائر تنظيمية مغلقة.

هذا الجسد الرابض الذي يفرض ثقله علي الساحة ويعوق أي حركة تحاول التطوير من الداخل أو الخارج، ويحتل مساحة علي أرضية الغضب الخصبة تُحَجّم الباقين وتضع سقفاً لحدود الحركة، هذا الكيان يحتاج تحريكاً وتنظيماً لكتلته ويحتاج ترشيداً وتوجيهاً لحركته، فهو أشبه بالفيل الذي يدوس الورد دون أن يراه أصلاً ويحجب الشمس عن النبت الصغير ويزعج بصوته كل طيورالأشجار المغردة.. ويسد الطرق، لكن ينبغي ولا بد أن نعلم «وتعلم دولتنا البوليسية» أننا لن ننجح في تقليص حجمه لأنه نتاج تاريخ طويل والتاريخ لا يمكن إلغاؤه، ونتاج حاضر والحاضر ضاغط، لكن يمكن إقناع الفيل بأن يتخذ له دليلاً يبصره بمواضع قدمه وأن يقلل من ضوضائه قليلاً وأن يكون رصيداً للباقين بأن يحملهم فوق ظهره لبر الأمان بدلاً من أن يدوسهم بأقدامه دون حتي أن يلتفت لما يفعل من كوارث. مهمتنا الصعبة أن نعلم الفيل الرقص والرشاقة، أو أن نقنع الفيل بأن الأفيال الصغيرة أقدر علي رؤية الأرض وتمييز مجريات الأمور علي المستوي الحقيقي فلا ضير من أن يدع أفياله التي خرجت من صلبه تدله علي أسلم المسالك وفي هذا راحة للجميع.

وضعت أربع نقاط للتغيير فاتُهمت بالتسطيح، فلا بأس من التفصيل فيها، وسأتناول في مقالاتي القادمة كل نقطة علي حدة: الأولي طلبت أن يتنحي المرشد وهو رجل له تاريخه الناصع وحضوره علي الساحة لكن آن الأوان للتغيير- لا تغيير المرشد كشخص- «فالأمر أكبر والخطب أجل من الأشخاص» بل تغيير النظر لدور القيادة وتنظيمها «بما في ذلك دور النساء ودور الأجيال الأصغر » .والثانية انسحاب الإخوان من المجلس وإخلاء الدوائر والرجوع بالسلطة للناس الذين انتخبوهم لأنهم تم منعهم بكل الحيل والألاعيب السياسية من الدفاع عن مصالحهم وهذا ليس ذنب الإخوان بل ذنب النظام الحاكم والحزب المسيطر، والثالثة أن يعكف الإخوان علي تغيير برنامجهم، لا بدعوة بعض القيادات وبأعداد كبيرة في لجان لصياغة برنامج جديد سيفتقر للتجانس كسابقه بل بفتح نقاش حقيقي حول أولويات الجماعة ومراجعة واسعة لمنطلقاتها وتلمس سبل التغيير وتحقيق تواصل أفقي بين أعضائها وإلا ستشيخ وتموت ويكون ذلك مآلها وفق السنن الربانية، وفي هذا خسارة كبيرة لها..وللوطن، وأن يتم ذلك أيضاً بفتح نوافذ الحوار مع التيارات الأخري للوصول لإجماع وطني مواز، وأخيراً الخروج من مأزق الشعارات لمرحلة صناعة السياسات، ولديها رصيد لا بأس به من الأعضاء الذين حظوا بخبرة برلمانية جيدة وآن لهم أن يشكلوا «حكومة ظل» بحقائب وزارية تشترك فيها التيارات السياسية الأخري بكوادرها المتعقلة الراغبة في إنقاذ السفينة ويقدم الإخوان تنازلات في عدد حقائبهم لأن مسئوليتهم التاريخية في تحقيق الهدف أكبر بحكم الحجم والتأثير..

وللحديث بقية..

ونسأل الله صلاح القلب والنية.


رابط المقال الأصلي


أحلام العصافير -1

د.هبة رءوف عزت

heba.raouf@gmail.com

أتأمل المشهد في مصر بين الحين والحين من مسافة، إما مسافة مكانية عندما أسافر للسير والنظر في أرض الله الواسعة، أو مسافة تصورية افتراضية حين أحلم، فعصر اليوتوبيا لم ينته، ولا حتي عصر الأيديولوجيا.. والفارق بينهما ليس كبيراً. اليوتوبيا كلمة تعني خارج المكان أو اللا مكان، حلم لا يتحقق داخل هذا العالم، أو علي وجه الدقة: لم يتحقق بعد. والأيديولوجيا هي منظومة أفكار متماسكة لتفسير العالم ببساطة وبشكل واضح يدور حول عدة مفاهيم مركزية تشرح كل شيء، مثل مفهوم الصراع الطبقي في الرأسمالية، أو مفهوم المجتمع الذكوري والثقافة الأبوية المركزية في النسوية التي كانت تياراً ينادي بالمساواة ثم أضحت أيديولوجية تنطلق من التمركز حول المرأة، أو مفهوم العقلانية والفردية والمنطق الوضعي في الليبرالية. وبين الأيديولوجيا واليوتوبيا علاقة وطيدة، فالأيدلوجية أياً ما كان لونها تستبطن حلماً، والأحلام لا تموت..

منذ فترة يلح عليَّ هذا المقال، تناقشت في فكرته مع أصدقاء من تيارات فكرية وخلفيات سياسية مختلفة، فلم يوافقني علي أفكاري أحد، البعض قال هذا مستحيل من الناحية العملية، والبعض الآخر قال هذا غير مفيد، وفريق ثالث قال لي في حكمة واتزان: ستخسري الكثير لو أعلنتي عن هذا المشروع المقترح، وقد تدخلي في دائرة الخصومة مع من تربطك بهم صداقة عمر.

لكن السيناريو ظل يتطور في ذهني، وأصبحت تلك الأفكار تلح عليّ، وأصبح كتمانها يمثل بالنسبة لي عبئاً نفسياً وأخلاقياً مع استمرار جمود مشهد الواقع السياسي، فقررت أن أتوكل علي الله وهو حسبي، وأن أكتبها وأجري يتراوح بين نصيب من اجتهد فأصاب، أو علي أقل تقدير أجر من اجتهد فأخطأ.

أما خسارة الأصدقاء أو اكتساب الأعداء فليس من اختصاصي، فأنا لا أشتغل بالسياسة بل أشتغل مواطناً، وأنا بحكم أنني مواطن محترف نتيجة التخصص أسعي لاكتساب الأصدقاء، فمن وجد في كلامي ما يستدعي مخاصمتي، أو مهاجمتي، فلا بأس، نصيب بقي.. نعمل إيه.. الله غالب.

ندخل في الموضوع بعد تلك المقدمة.

لم يعد معقولاً أن تستيقظ مصر كل صباح علي نفس الأسئلة، من سيخلف حسني مبارك، هل جمال مبارك سيرث الحكم أم سيتدخل الجيش، متي يتوقف احتكار الأقلية للحكم والثروة، ما التعديل القانوني القادم الذي سيمر من فوق رأس الإخوان ومن تحت أنف الناس، سواء كما حدث في قانون الطفل وقانون المرور، أو باقي القوانين علي القائمة؟!

لم يعد معقولاً أن يشعر المصري أنه إما مواطن مضحوك عليه، أو مواطن منهوب، أو مواطن مستباح، ويعيش أيامه لا يملك أن يغير من الوضع شيئاً، إما لأنه خائف من الدولة البوليسية القادرة علي إلصاق أي تهمة بأي أحد لتقفيل أبواب السياسة أو قفل المحاضر بتلبيس الناس قضايا، أو علي أقل تقدير تسريح جيش من العاطلين الذين قرروا أن العمل في الماكينة الأمنية فكرة لا بأس بها، واستغلوها لممارسة بلطجة مقننة علي خلق الله في الشارع، وهذا موضوع سأكتب عنه قريباً شجوني.

لم يعد معقولاً هذا الاستقطاب بين الحكومة والإخوان في حين يقف الشعب مسلوب الإرادة، وتدور الأحزاب المحدودة الموجودة فعلياً علي الساحة في دائرة مصالحها دون وجود حقيقي في الشارع.

حرام أن يكون هذا هو حال مصر، وأن يكون أقصي المراد أن يطيل الله عمر السيد الرئيس خشية مصير مجهول لا نعرف عنه شيئاً، وأن يتم قطع لسان أي أحد يتحدث في الموضوع، من منع هيكل من الظهور في الإعلام المصري بما فيه الفضائيات بعد محاضرته الشهيرة التي قال فيها ما أقوله هنا في الجامعة الأمريكية والتي نقلتها «قناة دريم» فحدث لأحمد بهجت ما حدث، إلي محاكمة «إبراهيم عيسي» لأنه تجرأ وسأل عن أحوال صحة الرئيس فأصبح بهذا هو الذي يهدد الاستقرار ويدمر الاستثمار.

جربنا بناء لجان شعبية لم تحقق النجاح، وبرزت حركة كفاية وهي بين مد وجزر، وحاولت من قبل أحزاب تحت التأسيس أن تحرك الماء الآسن كحزب الكرامة وحزب الوسط فأغلقت لجنة الأحزاب الباب علي أصابعها، وسعي شباب زي الورد لحشد الشارع فتم إرهابه وترويعه وتم إطلاق رصاص حي ليسقط القتلي في المحلة.

طيب نناشد الحكومة والنظام، لا فائدة، ومقال عبد المنعم سعيد في الأهرام الأسبوع الماضي عن قانون الطواريء يقول بالفم المليان للحزب الوطني:«أليس منكم رجل رشيد؟».والواضح أن.. لا.

وعندي باختصار سيناريو لكسر تلك الحلقة المفرغة لا يراهن علي الناس ولا علي الحكومة ولا علي النخبة المثقفة التي انفصلت عن الجماهير إلا من رحم ربك، وهو سيناريو يراهن ـ متفائلاً ـ علي الإخوان.

السيناريو كالآتي:

1 ـ أن ينسحب الـ 88 عضواً من المجلس ويخلوا الدوائر التي يمثلونها لأنهم غير قادرين علي تمثيل مصالح الناس، ولا معارضة القوانين، ولا ترويض الحزب الحاكم القابض بأسنانه علي كرسي السلطة، والحكومة تستفيد من وجودهم بأكثر مما يستفيد الناس ويستفيد الوطن.

2 ـ أن يتنحي المرشد العام للإخوان المسلمين وهو رجل له تاريخه ولطيف علي المستوي الإنساني وأن يختار الإخوان مرشداً عاماً ويغيروا اللائحة الداخلية لكي لا يتجاوز سن المرشد 50 سنة ويكون مرشداً مرة واحدة لفترة لا تزيد علي ثلاث سنوات، ويكون أمامهم ثلاث سنوات ليطوروا برنامجهم ديمقراطياً داخل الجماعة.. ومع شركاء الوطن من تيارات وطوائف، وبعدها ينطلقوا ـ هداهم الله ـ للمشاركة «بتواضع» في بناء تحالف ديمقراطي يخوض الانتخابات القادمة.

3 ـ أن يتم تعيين متحدثين رسميين للإخوان، الأول متحدث سياسي يتم اختياره من الأخوات وفيهن أستاذات ومحاميات وطبيبات ومهندسات ولا ينقصهن عقل ولا لسان، والثاني متحدث إعلامي من شباب المدونين لا يزيد سنه علي ثلاثين سنة.

4 ـ أن يشكل الإخوان حكومة ظل ديمقراطية تبدأ في تطوير سياسات واقعية لمصر اليوم وهنا من أجل تجنب فراغ سياسي في المستقبل القريب حين يأتي أمر الله.

بس خلاص.

إنني فقط أحلم من أجل مصر، وليس لي في هذا الحلم ناقة ولا جمل، وأعلم أنها أحلام العصافير، لكن من حق العصافير.. أن تحلم.

رابط المقال الأصلي

Saturday, June 14, 2008

البحـث عن الفطـرة


بقلم د.هبة رؤوف

أتأمل دوماً في تلازم المحن مع النعم، فهو أمر أكده الله في القرآن في الحديث عن العسر واليسر، وكرر الآية بما يفيد التأكيد والتنبيه، ولعل المثال الأهم على ذلك في السنوات الماضية هو بركان الحادي عشر من سبتمبر، بغض النظر عن الخلاف حول الفاعل والاختلاف على الضحية.

فعدد الصحفيين والباحثين الجامعيين الذين قابلتهم بعد أحداث 11/9، والذين توافدوا على بلاد العرب والمسلمين ليسألوا ويفهموا ويدرسوا عدد ضخم، وعدد الذين دخلوا على المواقع الإسلامية على الإنترنت، أو زاروا دار الإسلام الحضارية من باب الفضول، أو ذهبوا لمسجد قريب من دارهم في الدول الغربية ليسألوا عن الإسلام، أو اشتروا المصحف أو كتباً تشرح ما هو الإسلام عدد ضخم.

والحق أنني أعدت النظر في أمور كثيرة في تصوراتي ومفاهيمي في مرآة أسئلتهم، ليس بمعنى تغيير القناعات، لكن بمعنى إعادة صياغة أسس الفهم لعلة وحكمة التشريع، والتعمق في إدراك منطق المنظومة الإسلامية ومقاصدها، ومركزية مفهوم الرحمة في القيم الإسلامية.

العدل والحرية

كان الخلاف الأساسي بيني وبين العديد من أساتذتي وزملائي من تيارات مختلفة لفترة طويلة هو حول أولوية العدل والحرية، هل الإسلام دين عدل؟ أم أن منطلقه الحرية؟ وكأن الخلاف بين التيارات يستلزم تحديد قيمة مركزية نتنازع عليها، فإذا اخترت الحرية فأنت تميل لإسلام ليبرالي ديمقراطي.. مثلاً.. وإذا انحزت للعدل فأنت تميل لفهم اشتراكي تقدمي.

هذه هي المصطلحات والتصورات على الأقل في دوائر السياسة والخطاب الأكاديمي والفكري، الذي يحرص على مصطلحاته ومفاهيمه ومفرداته حرصاً بالغاً؛ لأن هذا في ظنه ما يميز الكلام العلمي عن خفة نقاشات الناس في المجتمع.. للطرافة.

مع الأيام اكتشفت أن الاختيار مضلل، وأنه لا حرية بدون عدل، فأي حرية يملكها من لا يملك قوت يومه، لكن الحرية لا يمكن تأجيلها حتى يتحقق العدل، إذ كيف سنحصل على العدل ما لم نمارس الحرية الفردية؟ وننتزع الحريات المدنية من أنظمة تُحكم بقانون طوارئ وبعصا غليظة من الترويع والترهيب؟.

لكن السؤال هو: لماذا انحبسنا في تلك الثنائية التي تنعكس في الحقيقة القطبية الثنائية؟ والتي غلبت على المجال الفكري في ظل الأيدلوجيات الحداثية، والتي وجدت تجليها الصراعي في ظل الحرب الباردة، ولم تهيمن على الخيال الغربي فحسب بل على الخيال الإسلامي كذلك، فكتب البعض عن "اشتراكية الإسلام" كلاماً نفيساً لا يعيبه إلا أن سياقه السياسي كان الدفاع عن سياسات أنظمة شمولية، ويكتب الآن البعض عن "إسلام ليبرالي"؛ لأن الموجة صارت في مقولات نهاية التاريخ وانتصار الليبرالية (كما تزعم الليبرالية في حديثها عن نفسها فقط)، ولأن حالنا لا يخفى على أحد مع تداعي الأمم علينا فقد صار لخطاب "إسلام الجهاد" رواجا في عقود خلت.

خطاب الرحمة

واليوم بعد أن تم تجريم مفهوم الجهاد من قبل قوى البطش العالمي، التي تخوض حروبها الوحشية تحت شعارات "نشر الديمقراطية"، صار "خطاب المقاومة" هو الرائج ولأسباب مفهومة ومشروعة تماماً، لكن أين نحن من "خطاب الرحمة" الذي حين نتساءل عن سر غيابه في الساحة العامة والمجال السياسي لصالح "خطاب الصدام والمواجهة" يتم توجيه تهمة الخنوع أو التخاذل للمتسائل، ربما لأن الرحمة ترتبط بالسلام، وقد ساءت سمعة الدعوة للسلام لغلبة توظيف الأعداء لمفرداته حتى صار لفظاً سيئ السمعة منذ معاهدة "كامب ديفيد"، ففقدنا مفهوماً مركزيًّا في استخدامنا اليومي نحن أحوج ما نكون إليه.

والحق أنه ليس هناك تعارض، لكن المسألة في سياقات ولحظة التاريخ، ففي ساحة الوعي، الأصل هو الجهاد والكفاح، وفي المجال المدني الأصل هو التوافق وحل النزاعات، لكن من قال: "إن في قلب المعركة لا يصح أن نتحدث عن السلام، بل نسعى له بميزان العدل والقسط"، ومن قال: "إن العلاقات الاجتماعية خالية من التدافع أو تنازع المصالح وتعارضها في كثير من الأحيان، لكننا نجنح للتبسيط برغم أن التبسيط قد أورثنا الكوارث على كافة الأصعدة".

وترشدنا السيرة النبوية إلى أن الأصل في رسالة الإسلام هو الرحمة، وأن الغرض من السلم والحرب والمصالحة والمهادنة أو المواجهة هو الدفاع عن مقصد الرحمة، فالدوران مع علة الرحمة في الجهاد هو الذي يدفع لقبول السلم، وفي ساحات القتال لا تنزع الرحمة من القلوب بل كتب علينا القتال وهو كره لنا؛ لأن الرحمة هي الأقرب للفطرة، وتلك الرحمة هي التي تتأسس عليها القواعد الأخلاقية للحرب كلها؛ لأنه إذا كانت غاية القتال تأسيس العدل والرحمة بالناس، فلا معنى من السعي لتلك الغاية بقتل النساء والأطفال أو التمثيل بالجثث أو ترويع النساك والرهبان أو حرق الأخضر وتدمير اليابس، بل علمنا رسول الله الرحمة بالأعداء، والعفو عند المقدرة.. رحمة.

الرحمة إذن معنى مركب يشمل العدل والحرية معاً، والغاية من دعوة الإسلام أن ترد الناس للفطرة، والصراعات السياسة التي استبعدت الرسالة الأخلاقية للسعي الإنساني بالمعنى العميق حرمت المجال العام من قوة دفع وطاقة بناءة وإيجابية، فنتج عن ذلك إفقار للسياسة هو أخطر من الإفقار الاقتصادي.. أو ربما هما صنوان.

والقضية ليست خطباً على المنابر بل ينبغي أن تتجلى في الحياة اليومية والتفاصيل الصغيرة (حيث يكمن الشيطان)؛ لذلك فهناك حاجة لأن تغلف الرحمة مستويات التفاوض الاجتماعي الممتد بين التيارات والأعراق والأديان ليكون المجال العام فعلاً ساحة تمدن تجمع المواطنين كبشر، والبشر كمواطنين.

مفتاح التواصل

وأزعم في التحليل الأخير أنه إذا لم يكن هناك إنصاف واحترام لإنسانية الإنسان مغلف بالرحمة فلن يكون هناك لا عدل.. ولا حرية، فالقوانين وحدها لا تكفل تنظيم المجتمعات، والحريات وحدها في المقابل لا تحمي الحقوق أو تكفل العدالة، والسياسة اليومية والعامة حين تفقد بعدها الإنساني تغلب عليها حسابات المصالح الصماء.

أما على المستوى الفردي فالرحمة مفتاح التواصل، ومنطلق التواضع، ودافع الإنصاف والعفو، ومحرك التسامح، وطاقة التصالح مع الآخرين والمادة الخام لبناء الجسور وإدراك أن الاختلاف سنة.. والعدالة مسئولية.

إن الإنسان الأخلاقي أو المتخلق بالرحمة يتحرك في دوائر الحياة باعتباره خليفة لله، والمنظومة السياسية والاقتصادية الإسلامية تتأسس على الاحتفاظ بهذا التماسك الإنساني على كل المستويات، ومن هنا حكمة تحريم الربا والتوصية بالفضل عند التنازع والأمر بالعفو عند الخلاف وجبر الخواطر عند المصالحة وهكذا، ومفهوم الفطرة الذي قصرناه طويلاً على البعد الديني في الدعوة يجب أن يتحرر ليغدو من أسس فهم الاجتماع الإنساني، وإصلاحه، فما يفعله الإسلام هو أنه يحرر الفطرة من قيود اللحظة الضيقة وحساباتها المحدودة ليربط الإنسان بجوهر ذاته وبالبعد الرباني في نشأته الأولى، وبأخيه الإنسان؛ لأن الفطرة مشترك إنساني أول، واختلاف المصالح والعقائد نعبره على جسر هذه الفطرة السليمة، والتي يمكن لو أدركناها أن نؤسس عليها حلفا أخلاقيا متجددا يذكرنا بحلف الفضول الذي أثنى على فلسفته رسول الله.

فقط حين نؤمن أن الله منح الإنسان الأمانة وهي الحرية، وكلَّفه بالعدل كمسئولية، وأن الرحمة هي الميثاق الغليظ الذي يجب أن يحكمنا حتى في لحظات النزاع بل وفي الحرب، فقط حينها ستكون حياتنا بالتأكيد أكثر ثراء مما هي عليه الآن بكثير.

إن نضالنا لا يقتصر على تحرير الأرض ودفع العدوان، فنضالنا غايته حماية الإنسان لتبقى له فطرته سليمة، والعدو ليس فقط جيوش الحلفاء أو جنود الفرعون، فهناك معارك أطول واجبة علينا في ظل اكتساح منظومة الاستهلاك والرأسمالية الشرسة التي لا تعرف سوى حسابات الربح المادي حتى لو تم تأجير الأوطان أسواقاً مفتوحة.

وفي ظل تخلي الكثير من الدول الديمقراطية العريقة عن معاني حقوق الإنسان وضمانات الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية لسجناء الرأي وسجناء الحرب، يبدو أننا -برغم كل مشاكلنا وقضايانا المتأزمة- قد تضاعف علينا عبء ومسئولية حماية حقوق الإنسان، ليس لأنفسنا فقط بل للعالم كله، والتحدي هو كيف نبدأ من هنا ونغير واقعنا المؤلم المخزي؟ ثم ننطلق كما فعلت حضارتنا تاريخيًّا لنكون رواد إصلاح للحضارة العالمية؟ هذا هو سؤال المرحلة، وتلك هي الأمانة التي يجب أن نقوم بها من جديد لنكون بحق ورثة من جاء.. رحمة للعالمين.


Thursday, June 12, 2008

د/سليم العوا : قانون المحاماة الجديد لا يليق بالمهنة ومشبوه

الفساد اصبح قانون
هذا من اهم افسادات عصر مبارك

مساكن بلا حديد.. اسأل خبيرا

حوار لفكرة جديدة تستحق المتابعة

هتا رابط الحوار

لحوم الصويا تقضي على جشع الجزارين

في الريف المصري يحرص الفلاحون على استخدام عبارة "مفيش فقر.. في قلة رأي"، للتعبير عن الإسراف في الإنفاق على أمر ما في الوقت الذي يمكن فيه تحقيق نفس الهدف بنفقات أقل.. هذه العبارة وجدت بعد زيارة قمت بها إلى مصنع منتجات الصويا بمعهد تكنولوجيا الأغذية بوزارة الزراعة المصرية أنها تنطبق على كثير منا في تعامله مع أزمة الغذاء، فنحن - حسب المثل - نعاني من قلة رأي، لأننا نتجه بكثرة إلى استهلاك اللحوم ذات السعر المرتفع، ونصرخ من جشع الجزارين، في الوقت الذي يمكن فيه أن نقضي على جشعهم إذا اتجهنا لتقليل الاعتماد على اللحوم من خلال تدعيمها بالصويا.

الفكرة - كما يقول المهندس سعد الأنصاري رئيس الإدارة المركزية للصناعات الغذائية بالمعهد - تعتمد على استخدام الصويا مع اللحوم لإنتاج منتج يجمع بين فائدة البروتين الحيواني والنباتي.

صحي ومفيد

ويتميز هذه المنتج بأن طعمه يفوق طعم اللحم الخالص كما أكد الأنصاري.

وأوضح أن باحثي المعهد أجروا تجارب على ثلاثة منتجات من البرجر.. الأول مصنع من اللحم الخالص، والثاني من اللحم مضاف له نسبة 10% صويا، والثالث مضاف له نسبة 25%، فأظهرت النتائج أن أفضلهم من ناحية الطعم هو المنتج الثالث الأعلى في نسبة الصويا.

"لكن الأفضلية لا تقتصر فقط على الطعم"، بحسب الأنصاري.

وأضاف أن هذا المنتج يفوق اللحم التقليدي من الناحية الصحية، فهو يحتوي على مواد موجودة بالصويا لها دور في الوقاية من تصلب الشرايين وارتفاع الكولسترول، وهي المشاكل التي يسببها اللحم التقليدي، كما أنه يحتوي على مواد أخرى تنشط جهاز المناعة وتقي من أمراض القلب وتجلط الدم والسرطانات.

سهولة الإعداد

"وإلى جانب هذه الفوائد فإن سهولة إعداد المنتج تعتبر عاملا مميزا له"، بحسب ما قالت المهندسة حنان عبد الغني من مصنع الصويا بالمعهد.

وأوضحت أن إعداد هذا المنتج يعتمد على خاصية يتمتع بها الصويا، وهي احتواؤه على الألياف القابلة للذوبان في الماء، فيتم نقعه لمدة ثلاث ساعات في الماء حتى يتشربه، ثم يضاف إلى اللحم، ويمكن باستخدام هذه الطريقة الحصول على 3 كيلوجرامات من لحم الصويا، باستخدام كيلوجرام ونصف الكيلوجرام من اللحم التقليدي مضاف له نصف كيلوجرام صويا.

وتؤكد حنان أنها قبل أن تنصح المستهلكين بهذه الطريقة فإنها جربتها عمليا بمنزلها ولاقت قبولا بين أفراد أسرتها، حتى أنهم أصبحوا يطالبونها دائما بإعداد اللحم باستخدام الصويا.

ثقافة التغذية

"ورغم كل هذه الفوائد فإن مثل هذه المنتجات قد لا تجد قبولا عند المستهلك العربي"، بحسب ما قال د.أحمد خورشيد خبير الصناعات الغذائية تعليقا على هذا المنتج.

وأرجع ذلك إلى أن المستهلك العربي ليست لديه ثقافة التغذية التي توجد عند الغرب، لأنه أصبح أسير ما تعود عليه، على عكس المستهلك الغربي الذي يبحث دائما عن الفائدة الصحية.

وطالب د. خورشيد بضرورة أن تسعى الدول العربية إلى تغيير العادات الغذائية لشعوبها، لأن الوقوع في أسر ما تعودت عليه الشعوب قد لا يفيد مستقبلا مع التزايد في ارتفاع أسعار الغذاء.

وأكد ضرورة التعامل مع هذه القضية على أنها قضية حياة أو موت؛ لأن نقص الغذاء ستكون نتيجته الأمراض التي ستترك أثرها على إنتاجية البشر، فضلا عن تكلفة علاجه

رابط المقال الأصلي

Saturday, June 7, 2008

انتكاسة ما قبل النكسة.. المؤامرة كمعلومة

ينسب للأستاذ خالد محيي الدين أنه قال: "كان عبد الناصر عظيما في إنجازاته وكان عظيما في أخطائه" والمعني المقصود أن الرجل كان وراء إنجازات عظيمة تحسب له وكان وراء إخفاقات كثيرة تحسب عليه. ويقف العقل المصري حائرا بين كيفية تقييم هذه المرحلة لا سيما أننا لم نزل نعيش في كل هذه الإنجازات والمغانم وكل هذه الإخفاقات والمغارم في آن معا.
د. معتز بالله عبد الفتاح
ويجسد هذه المعضلة ما ذهب إليه الشيخ محمد الغزالي في خطبة الجمعة التالية لوفاة الزعيم الراحل وكان الشيخ علي المنبر يدعو ويقول: "اللهم ارحم الرئيس الراحل، بقدر ما رحم المسلمين. اللهم أعل من شأنه بقدر ما أعلي من شأن الإسلام والمسلمين. اللهم ارفع مكانته بقدر ما رفع من شأن الإسلام والمسلمين. اللهم أعزه بقدر ما أعز الإسلام والمسلمين..." يروي من حضر هذه الخطبة أن المصلين الذين كانوا يرددون آمين ظنوا في البداية أن الشيخ يدعو للرئيس ولكنهم مع تأمل نص الدعاء فطنوا أن للشيخ مآرب أخري من دعائه. وهو ما لا يبدو مستغربا من مثله.
وأجد نفسي أحيانا في مواجهة بعض الأساتذة والزملاء الناصريين الذين إما عاشوا الحلم الناصري وكانوا جزءا منه، أو بعضهم ممن تربوا علي التقاليد الناصرية بتأثير الأهل أو القراءة وقد ساوي كثيرون منهم بين مصر وعبد الناصر. وهما شرفان لا أدعي أيا منهما. فقد ولدت بعد أن مات الرئيس الراحل بعامين. أي أنني ولدت بعد أن انتكسنا. وحينما كبرت بدا لي الأمر كمن يشاهد الفيلم من آخره. مصر مهزومة ومأزومة والأمة العربية انفرط عقدها وخلفنا وأمامنا كتلة من المشاكل التي سواء تسبب فيها عبد الناصر أو مهد لها بسياساته واختياراته، ولا ننسي أنه هو الذي اختار السادات نائبا لرئيس الجمهورية فهي نخبة بعضها من بعض. والقضية ليست في الشخص، وإنما في نمط إدارة الدولة.
وقد قال لي صديق فكه: لقد غني عبد الحليم لعبد الناصر قائلا: "ريسنا ملاح ومعدينا" وبعد أن غرقت المركب قال: "إني أغرق ... إني أغرق." والغرق المقصود له بعدان أحدهما صامت كالسرطان الخبيث الذي أكل مجتمعنا المدني وأحزابنا السياسية وحرية الصحافة والمبادرة الفردية والتراكم الرأسمالي القائم علي اقتصاد السوق وروح الكفاءة والمناخ الليبرالي الذي كانت مصر تعرفه، رغما عن عيوبه، قبل الثورة. والبعد الآخر فج شاهدنا في نكسة عام 1967.
ويبدو لي أن هناك مدخلين في فهم عواقب الفترة الناصرية: المدخل الأول يقول إننا كنا نسير في الطريق الصحيح لكن الغرب تآمر علينا ليدمر إنجازاتنا ومن هنا كانت النكسة، فالنجاح والإنجازات التي حققتها مصر قبل النكسة هي السبب في النكسة لأننا نجحنا أكثر من اللازم لذا تآمر علينا المتآمرون. وبمد الخط علي استقامته، فإن رد الفعل المنطقي هو التمسك بالأشخاص والسياسات التي كانت قائمة قبل النكسة لأننا كنا "صح." والمدخل الآخر أننا كنا خطأ علي نحو ما كتب نجيب محفوظ في ثرثرة فوق النيل والكرنك وكلاهما كتب قبل النكسة بعام أو عامين ليعتبرا شهادة أمينة علي انتكاسة ما قبل النكسة. وعليه فإن النكسة هي نتيجة منطقية لانتكاسة مصرية في الكثير من المجالات الأخري بما في ذلك فهمنا وقراءتنا للخريطتين الإقليمية والعربية وإدراك مصادر التهديد وموازين القوي. وكلها من المهام الأساسية لأي رئيس دولة، لا سيما إن كانت له خلفية عسكرية.
وكلما قرأت أو استمعت لمن يدافعون عن هذه الفترة، ازددت يقينا بأن إدارة الدولة الناصرية كانت تعاني خللا أعتقد أننا لم نزل نعانيه وهو خلل غياب قواعد اتخاذ القرار الرشيد. وأنا أقدم هذه القراءة للتجربة الناصرية حتي لا نظل أسري لفكرة المؤامرة التي يحاول البعض ومنهم الأستاذ العظيم والصحفي القدير محمد حسنين هيكل أن يجعلها نقطة الانطلاق من باب أن الأمة العربية وفي قلبها مصر وقعت فريسة للخطة (ألفا) ومن بعدها (أوميجا) وأن القوي الدولية تآمرت علينا متحالفة مع القوي الرجعية في المنطقة والقوي الرجعية داخل البلاد.
والمؤامرة لا شك كانت موجودة، فهي ليست نظرية وإنما كانت لعبد الناصر معلومات موثقة. لكن طبيعة شخصية عبد الناصر، وطبيعة الدولة التي صنعها، وقواعد صنع القرار التي استنها ما كانت لتجعله أو غيره يستفيد من أي معلومة عن أي مؤامرة إلا في إبلاغها للشعراء والصحفيين والإعلاميين كي يتخذوا منها مادة لتأجيج "المشاعر الثورية لدي أبناء الشعب العربي في كل مكان." فالمؤامرة حق، ولكن كيف تتفاعل معها هو واجب القيادة، كما أن مطبات الشوارع حق، لكن متي تهدئ ومتي تنحرف بالسيارة عن الطريق حتي تتجنب "مؤامرات" البيئة المحيطة بك هو جزء من مهام قائد السيارة المحترف.
فبنية الارشاد السياسي الذي كان سائدا أفضت، لا شك، إلي ما حدث في 5 يونيو 1967 كصورة فجة من نمط كان سائدا في اتخاذ القرارات المصرية والعربية حيث يضع الحاكم نفسه ومجتمعه في أزمة يكون عليه الخروج منها. فبدلا من أن ندير الأزمات فإننا ندار بالأزمات. وتكون التنمية والتقدم نوعا من النجاح في الخروج من هذه الأزمات. فمثلا وبالتطبيق علي ما حدث في 5 يونيو 1967، فإنه حتي لو كانت فكرة مساندة سوريا صحيحة فإن الإجراءات المندفعة والتصعيد المبالغ فيه من قبل مصر لم تكن علي نفس الدرجة من الصحة، ويبدو أن هذا نمط متكرر في الحقبة الناصرية حيث القرارات المندفعة التي لا تبالي بالآثار الجانبية
أستاذ العلوم السياسية- جامعة القاهرة

عمرو أديب : هيكل في نادي القضاة .. وموقفه من الأحداث الجارية

Wednesday, May 28, 2008

مهن الصيف رب حرارة مربحة

تقرير مصور عن مهن الصيف في بعض البلاد العربية

تقرير متميز

Sunday, May 25, 2008

العلم غريب في مجتمعاتنا

يسوق د. معتز بالله عبد الفتاح، أستاذ العلوم السياسية في هذا المقال مجموعة من الأمثلة التي تؤكد أهمية ارتباط ثلاثية الدين والعلم والفلسفة معا، ويري أن هذا الارتباط هو الكفيل بتحقيق النهضة

.معتز بالله عبدالفتاح

للشيخ محمد الغزالي ملاحظة بارعة عن قول الحق سبحانه "اقرأ" كأول كلمة استقبلتها أذن الرسول الكريم (ص) من آخر رسالات السماء. وملاحظة الشيخ هو أن أمر "اقرأ" ورد غير متعد لمفعول. فلم يقل الحق اقرأ ماذا وإنما ركز علي المنهج بأن نقرأ باسم ربنا الذي خلق مع التذكير بكيف أن الله خلق الإنسان من علق وكيف أنه علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم. واتخذ الشيخ من هذه الآيات دليلا علي جمع الأمر القرآني بين الدين والعلم والفلسفة: اقرأ في كتاب الله القرآن أي تدين وآمن واقرأ في كتاب الله الكون أي تعلم وتفكر. وهو نفس ما ذهب إليه الزكي النجيب محمود حينما صدر كتابه "رؤية إسلامية" بفصل عنوانه "أنا المسجد وأنا الساجد" أي أننا نحن المسلمين جعلت لنا الأرض مسجدا، فالمعمل مسجد والعالم ساجد فيه وهو يعمل والمدرسة مسجد والمدرس ساجد فيها وهو يدرس، والمشفي مسجد والطبيب ساجد فيه وهو يعالج مرضاه. فالمسلم مسجد وساجد في آن معا. هذا ما ينبغي أن يكون وإن شئت فقل هذه هي القيم التي نمنا في نورها، واستيقظ الآخرون في ظلام غيابها، فتراجعنا وتقدموا.
دعوني أقول إن مجتمعاتنا تمر بمشاكل هيكلية. كالمبني الذي تحتاج أساساته إلي إعادة تأهيل. القضية ليست في دهان حجرة هنا أو تغيير عتبة سلم هناك. إن قوة خلطة المسلح التي نبني بها الكباري والأبنية الشاهقة لا تأتي من الرمل منفردا أو من الأسمنت منفردا أو من الحديد منفردا بل من خلطة محكمة بموازين معينة وعناية خاصة أفردت لها العلوم وأتقنها البشر بالعلم والتجربة حتي استقرت خطوات إجرائية منتظمة عند أهل الاختصاص من مهندسين إنشائيين ومدنيين بما يجعل مساحة الاجتهاد الشخصي فيها قليل للغاية. والأمر ليس ببعيد عن كيفية حل الصراعات الاجتماعية والسياسية (أي التعايش) في المجتمعات المعاصرة فهي مسائل انتهت علوم اجتماعية كثيرة من مناقشتها والوقوف علي عواملها وكيفية تحقيقها. هل قرأتم هذه العبارة الأخيرة؟ لقد وردت فيها كلمة "علوم" ولكن من في الدولة أو المجتمع يعبأ بالعلم والعلماء؟
إننا نعيش حالة من الخواء الفكري جعل العلم شهادة لا قيمة لها سواء باعتمادنا علي الدروس الخصوصية التي تحول لك كل ما قد يستدعي التفكير والإبداع والتأمل إلي مجموعة عبارات تحفظها كي تكتبها في موضوع التعبير الذي هو في الأصل اختبار للطالب في حسن استغلال ما تعلمه نتيجة القراءة والاطلاع علي المقررات المختلفة، لكن المدرس الشاطر (بمعني النصاب) يحول كل هذا إلي عدة عبارات يحفظها الطالب كي يكتبها في بداية موضوع التعبير وفي خاتمته، فيتوقف إبداع الطالب وحسن استغلاله لما تعلم، وكذا في العلوم الأخري. احفظ المعادلة واكتبها ثم اكتب تحتها أي كلام في الامتحان. هل هذا علم؟ لا هذه فهلوة، وكذا الدعوة للتعايش بانتقاء التجارب الجميلة من الماضي ونسيان أصل المشاكل.
ثم أين الثقافة العامة في أمور الحياة من قصة ورواية وشعر بل حتي مشاهدة الأفلام الجادة مثل قنديل أم هاشم، التي فوجئت بأن البعض قد درسها في الجامعة لكنهم ما فهموا منها ما ذكرته في إحدي المقالات عن صراع العلم والخرافة فيها، وغيرها من الأفلام مثل الزوجة الثانية وما يصوره من إساءة استغلال الدين من قبل البعض، وفيلم ابن الحداد ليوسف وهبي الذي اعتبره درسا في قيمة العمل واحترام الذات، وغيرها من الأفلام الجادة التي اعتبرها واحدة من أهم وسائل تكوين أي إنسان سوي في مجتمعنا. وإذا كنت من هواة الأفلام الأجنبية شاهد فيلم "عقل جميل" الذي يحكي عن جون ناش واحد من أعظم علماء الاقتصاد وعن نضاله ضد مرضه النفسي حتي انتصر عليه وصولا إلي جائزة نوبل.
لقد تراجع كل هذا وأصبحنا أمام غلبة للتدين الشكلي الذي يحرص بعض الدعاة والعلماء علي أن ينبهونا ألا نقف عند حدود الشكل فيه، لكنهم حقيقة يغذون هذه النزعة الشكلية دون أن يدروا. أتدرون لماذا؟ لأن خلطة المسلح التي يصنعونها فيها الكثير من الرمل والقليل من الحديد والأسمنت، فيهوي البناء. فيها الكثير من الغيبيات الدينية والقليل من العلم والفلسفة.
الداعية لا بد أن يكون داعية دين (عقيدة وأخلاق بالأساس) وعلم (وهو ما لن يحصله إلا إذا قرأ في العلم بقدر ما يقرأ في الدين) وفلسفة (وهو ما لن يحصله إلا إذا اطلع علي إسهامات المفكرين والفلاسفة من الشعوب والمجتمعات الأخري). فالدين بلا فلسفة سيكون شكليات تهتم بتوافه القضايا وتنعزل عن قضايا المجتمع الحقيقية، والدين بلا علم سيكون غيبيات واتكالية علي سنن الله الخارقة التي ما وعد الله بها أحدا إلا بعد أن يكد ويكدح عملا بسنن الله الجارية. والفلسفة بدون دين ستكون شطحات وخروجاً عن المألوف والمقبول، والفلسفة بدون علم ستكون مثاليات نسمع عنها ولا نعرف كيف نصل إليها، والعلم بدون فلسفة سيكون أداة للدمار لأنه سيكون منزوع الأخلاق، والعلم بدون دين سيقف متحديا لقيم المجتمعات المتدينة فيرفضه العوام ولا يفيدون منه. إنها خلطة متوازنة متكاملة يلعب فيها كل مصدر من مصادر المعرفة الإنسانية دوره. كخلطة الخرسانة التي يشد بعضها بعضا، فلا مفاضلة بينها وإنما التكامل. لكن التحدي الذي نواجهه أننا أكثر تقبلا لمظاهر الدين دون عمقه وطاقته الهائلة

http://www.elbadeel.net/index.php?option=com_content&task=view&id=20234&Itemid=41

Friday, May 23, 2008

الإسلاميون.. هل من دور في عملية "التغيير الاجتماعي"؟

لتغير في أبسط مفاهيمه هو الانتقال من حالة إلى أخرى، والتغير الاجتماعي يعني الانتقال من نظام اجتماعي إلى آخر، ويشير العلامة ابن خلدون في مقدمته إلى ما يمكن تسميته بـ"قانون التغيير الاجتماعي"، ومفاده بأن أي أمر يرغب فيه الناس لابد له من "عصبية" لإعطائه القوة الدافعة والضامنة لتمريره، و"العصبية" دعم جماعي لحاملي لواء هذا التغيير، وأي أمر لا ينال هذا الدعم يكون مصيره الفشل كما قال ابن خلدون.

والدافع وراء أي تغيير اجتماعي هو أن النظام الاجتماعي الموجود لم يعد يعبر عن إرادة الأفراد المكونين لهذا المجتمع، فما دام أن هناك فجوة بين ما هو قائم بالفعل وما ينبغي أن يكون، فلابد من حدوث التغير للوصول إلى مجتمع يعبر عن إرادة أفراده.

وإذا نظرنا إلى مجتمعاتنا العربية الإسلامية فسنجدها أحوج ما تكون إلى عملية تغيير اجتماعي، فهناك فجوة شاسعة بين ما يجب أن يكون عليه مجتمع المسلمين وبين واقعه الحالي؛ فالنظم الاجتماعية الموجودة يشوبها الكثير من السلبيات، فضلا عن التحديات الداخلية، وبجانب هذا هناك تحديات خارجية كارثية تهدد وجود هذه المجتمعات.

الحديث عن "التغيير الاجتماعي" ليس جديدا، بل إن الدولة الإسلامية مارسته إبان نشأتها حيث كان التغيير الاجتماعي أحد أهم السبل التي تشكل من خلالها المجتمع الإسلامي الجديد، وهذا التغيير قد أرسى دعائمه الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال كثير من الأسس والأدوات التي اشتملت عليها الأحاديث النبوية والآيات القرآنية الكثيرة والتي وضعت خطة لكيفية حدوث هذا التغيير واستمراره.

ولمناقشة دور "الإسلاميون" في عملية التغيير الاجتماعي خلال العصر الحالي عقدت جمعية البلاغ الثقافية في قطر(إسلام أون لاين) باكورة ندواتها الشهرية مؤخرا بعنوان "الإسلاميون والتغيير الاجتماعي" والتي تحدث فيها كل من د.سيف الدين عبد الفتاح المفكر الإسلامي وأستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، ود. هبة رءوف عزت الأستاذة بنفس الكلية، ود. جاسم سلطان المفكر القطري، وأدار الندوة الاستاذ أكرم كساب من جمعية البلاغ بالدوحة.

التغيير الاجتماعي والحضاري

د.سيف عبدالفتاح

بداية.. تساءل د.سيف الدين عبد الفتاح عن كيفية حدوث تغيير اجتماعي في ظل عصر عولمي اقتحم علينا الأبواب والبيوت؟ ويرى د.سيف أنه في السابق كانت التحديات التي تواجه المجتمعات الإسلامية داخلية فقط، أما الآن فإنها تحديات داخلية وخارجية؛ فهناك شبكة عولمية تمتد خيوطها عبر العالم، وقد تحول المسلمون في ظل هذه الشبكة إلى ذرات وأجزاء، وهو ما يجعل من التغيير الاجتماعي الإسلامي عملية صعبة.

ويضيف د.سيف: من الخطأ أن نقصر عملية التغيير في حديثنا على ما هو "إسلامي"؛ لأن كل إنسان داخل المجتمع يمكن أن يسهم في عملية التغيير الاجتماعي، وبالإضافة إلى ذلك يجب ألا نفصل بين الإسلاميين وغيرهم داخل المجتمع؛ لأن هذا الفصل يسهم في تحقيق عزلة للإسلاميين عن محيطهم الاجتماعي.

من ناحية أخرى يرى د.سيف أن التغيير الاجتماعي يجب أن ينظر إليه باعتباره مدخلا للتغيير الحضاري، وهذا يحتاج إلى إصلاح عدة مشاكل:

أولا: مشكلة الفقه الجزئي، فالمجتمع في حاجة إلى فقه كلي شامل نربي من خلاله الأجيال الناشئة، مع الأخذ في الاعتبار أهمية التراث في هذه التربية، هذا الفقه الجزئي يجب أن يوضع في إطار الكليات الشاملة حتى يتحول إلى تربية ووسيلة تغيير، وللأسف مؤسساتنا تتعامل مع القضية التربوية بأسلوب "الموضة العالمية" وتسير وراء ما تطرحه المؤسسات والمراكز البحثية الغربية في هذا الشأن.

ويضرب د.سيف مثالا على مشكلات الفقه الجزئي بفتاوى الفضائيات والتي تحولت إلى "فتونة" فضائيات يتم من خلالها استعراض عضلات المفتين على الهواء مباشرة وفي كافة المسائل، مع أن الإمام أبا حنيفة كان يقول لمن يستفتيه: «أمهلني ثلاثا»، قد تكون ثلاثة أيام أو أسابيع أو شهور، وهم بهذا يجهلون دور الإفتاء في عملية التغيير الاجتماعي، فعلى المفتي أن يسهم في عملية التربية من خلال فتاواه.

ثانيا: غياب "النقد الذاتي"، وهو يختلف عن أسلوب "جلد الذات"، وكل جماعة لا تستطيع أن تمارس فاعليتها الحضارية إلا من خلال جهازين رئيسيين، هما: "جهاز النقد الذاتي"، و"جهاز التجدد الذاتي"، والحقيقة أننا ليس لدينا أجهزة للنقد والتجدد الذاتي داخل حضارتنا الإسلامية، كما أننا نتعامل مع مناطق مضيئة في تراثنا بشكل مهين.

حتى يغيروا ما بأنفسهم

أما عن عناصر التغيير الحضاري داخل الرؤية الإسلامية فيقول د. سيف عبد الفتاح إنها تتركز في الآية الكريمة: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11]، والآية تتحدث عن ثلاثة صنوف من التغيير وهي: (التغيير من قبل الله، وتغيير ما في النفوس، والتغيير الجماعي)، فالله تعالى يؤكد على أن التغيير مشروط بتغيير ما في النفوس وصولا إلى تغيير الجماعة والمجتمع، كما أن تكرار "ما" في الآية الكريمة دليل على حتمية تغيير عالم الأدوات والسياسات والمؤسسات والخطط الإستراتيجية.

ويضيف د.سيف: إن المجتمعات الإسلامية تعيش حالة من "الاستقالة الحضارية"؛ لأنها لم تهتم بوضع الخطط والعلوم لأجل عملية التغيير، ومعرفة كيف يؤثر تغيير ما بالنفس على تغيير ما بالأنفس، وتغيير ما بالأنفس على تغيير ما بالمجتمع، ومن نتيجة ذلك أننا لا نزال ندعو ليل نهار على أعدائنا قائلين: "اللهم أحصهم عددا وشتتهم بددا"، وكأننا نحيل فعل كل شيء إلى الله تعالى، وهذا خطيئة كبرى.

من ناحية أخرى يربط د. سيف عبد الفتاح بين ما يسمى بالتغيير الاجتماعي وبين الإصلاح، ويرى أن أي تغيير حضاري لابد أن يهدف إلى الإصلاح، فالله تعالى يقول على لسان نبيه شعيب: {إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88]، فالله تعالى يتحدث هنا عن 5 متطلبات للإصلاح.

أولا: الإرادة، وهي إرادة الهمة والإرادة المعنوية، وما لم تكن هناك إرادة قوية لا يمكن تقديم عمل يحدث تغييرا عمرانيا وحضاريا شاملا.

ثانيا: الاستطاعة، وهي الإمكانات، والإجراءات والسياسات وآليات التغيير والتدبير والتأثير.

ثالثا: التوفيق، والتوفيق الإلهي قاعدة كلية يجب أن نتعامل معها؛ فالله تعالى لا يواتي أي إنسان بالمنن إلا إذا آتى السنن، والسنن لا تحابي أحدا سواء كان مسلما أو غير مسلم.

رابعا: التوكل، وهو الثقة في الله والأخذ بالأسباب.

خامسا: الإنابة، وقد جاءت في الآية الكريمة {وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88] فعلى الإنسان أن يرجع إلى الله تعالى وينيب إليه في كل أفعاله.

وفي إطار انتقاده لمصطلح "إسلامية التغيير" يتساءل د. سيف: هل الإنسان المسلم عليه دائما أن يدور فيما يسمى بإسلامية التغيير، أم أن الأهم هو إنسانية التغيير؟ ويجيب: إن هذا الدين جاء إلى الناس كافة، وإلى كافة العوالم والألسنة والألوان، ولكن المسلمين لم ينجحوا في أن يكونوا على مستوى هذا الدين، وعالم المسلمين اكتفى بأن يصبح "قوسا للأزمات" أو "العدو الأخضر" كما يسميه الغرب، أو عالم "القصعة" كما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "توشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل"، فهذه الكثرة لم تستطع أن تحول "مكنون" الدين الإسلامي إلى "مكانة" في عالم الواقع.

الوعظ الأخلاقي لا يغير مجتمعا

د.هبة رؤوف

من جانبها ترى د.هبة رءوف عزت الأستاذة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة أنه "لفترة طويلة ظل "الإسلاميون" يتحدثون عن المجتمع الإسلامي وكأنه مجتمع متجانس، وأن هذا المجتمع إذا تم وعظه أخلاقيا فسيعود أفراده مرة أخرى إلى إسلامهم، وأنه إذا وجهنا وجوهنا ناحية القبلة قليلا سيتغير حال مجتمعاتنا الإسلامية.

لكن تغيير المجتمعات لا يتم بهذه السهولة، ويحتاج إلى فهم ودراسة علمية لطبيعة هذه المجتمعات ونشأتها وكيفية تطويرها والعلاقات الاجتماعية بين مختلف أفرادها، والتغيير الاجتماعي الذي نقصده هو التغيير الشامل، والذي يصبح أكثر صعوبة في ظل سطوة النظام العالمي الحالي.

وتضيف د.هبة: هناك قضايا كثيرة يمكن أن نتحدث عنها كأمثلة للتغيير الاجتماعي منها (مشكلة الغذاء، والفقر، والهجرة، وحقوق اللاجئين، والعبودية المعاصرة، والعنصرية، وغيرها). والواضح أننا لا نواجه ظاهرة فقر ولكننا نواجه ظاهرة إفقار، فأبحاث الغذاء والفقر تنال أولوية في التمويل من قبل هيئات تخدم الرأسمالية الغربية.

وأشارت د.هبة إلى أن هناك علاقات جديدة يتم إعادة إنتاجها عبر الزمان والمكان في العالم العربي، فالخليج العربي يعيش حالة من الذوبان في ظل عمالة آسيوية ضخمة، وللأسف نسبة من يعلنون إسلامهم من هذه العمالة ضئيلة جدا، في حين أن المسلمين قديما كانوا ينشرون الإسلام من خلال الهجرة والتجارة والاحتكاك بالآخرين والتعامل معهم.

وترى د.هبة أن السبب في ذلك أن هناك نوعا من "العبودية المعاصرة" تمارسها المجتمعات الإسلامية ليس ضد العمالة الخارجية الوافدة فقط، ولكن أيضا ضد أبنائها، وهذه الإشكاليات يجب أن نعرف هل هي نابعة من عيوب داخل تركيبة مجتمعاتنا أم أنها ناتجة عن خلل في تصورنا عن الإسلام وممارستنا له؟ والتي يشوبها الكثير من الأخطاء.

المظالم الاجتماعية

وتؤكد د.هبة أن هناك كما هائلا من "المظالم الاجتماعية" في المجتمع الإسلامي، وأي تغيير اجتماعي مرهون بزوال هذه المظالم، من هذه المظالم: "العنصرية" داخل الدول العربية، وغياب العدالة الاجتماعية؛ ففي الخليج العربي وفي مصر على حد سواء، نشأت مؤخرا ظاهرة المجتمعات المسورة (المحاطة بالأسوار) والتي تفصل بين الأغنياء والفقراء، وهي انعكاس للفجوة الشاسعة بين الأغنياء والفقراء في هذه الدول.

وتضيف: من أشكال العنصرية التي مارستها الدولة في مصر: إطلاق النار على اللاجئين السودانيين وقتلهم في الشارع، وأمام مفوضية شئون اللاجئين، ومن المظالم الكثيرة: سلب حقوق المواطنين؛ ففي مصر يصعب على المواطن العادي إيجاد موطئ قدم له على كورنيش النيل، وكذلك الأمر في الخليج المواطن العادي لا يستطيع أن يمتلك منزلا يطل من خلاله على الخليج العربي، ولكن هناك شريحة ضئيلة يمكنها ذلك.

وتؤكد د.هبة: التغيير الاجتماعي ليس أن يدخل الناس المساجد بالآلاف والملايين، أو انتشار المحجبات في الشوارع، أو أن تقابل أخاك المسلم وتحتضنه وتقبله في كتفه أو جبهته، ولكن التغيير الاجتماعي هو ما يتعلق بحياة الناس واحتياجاتهم، وهناك ملفات اجتماعية كثيرة مغلقة في الواقع العربي تحتاج إلى فتحها من أجل إصلاحها.

وتنهي د.هبة حديثها محذرة من تعاظم الأخطار والتحديات التي تواجهها المجتمعات الإسلامية، وتقول: "إن مجتمعاتنا تفلت من بين أيدينا، ولا ندري إلى أين تذهب وتوشك أن تصبح المجتمعات الإسلامية لا هي إسلامية ولا هي إنسانية"؟

أزمة الخطاب الاستعلائي

د.جاسم سلطان

من جانبه يرى د. جاسم سلطان المفكر والأكاديمي القطري ان مشكلة الحركات الإسلامية في العالم العربي أنها اتخذت خطابا أيديولوجيا استعلائيا، وليس خطابا يلتصق بالواقع، هذا الخطاب تلخصه عناوين مثل: "الخلافة الإسلامية- عزة الإسلام- الدين والدولة- ... إلخ"، هذا الخطاب أدى إلى عزل هذه الحركات عن واقعها ومحيطها الذي توجد فيه؛ فالإنسان البسيط لا ينشغل بالخلافة الإسلامية ولا يهمه الإسلام بقدر أهمية رغيف الخبز وتوفير الدواء لابنه المريض؛ لأن المشكلة ليست في الإسلام، ولكن في التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه الناس وكيف يواجهونها.

ويقول د.سلطان إن أحد أهم عقبات التغيير الاجتماعي في المجتمع الإسلامي هو نشأة ما أسميه بـ"المجتمعات الموازية لحركة المجتمع العاملة"، مثل "مجتمع الأخوة" هذا المجتمع الموازي لا يمكنه أن يقدم جديدا للواقع ولم يسهم في عملية التغيير الاجتماعي، وليس في إمكانه أن يستوعب بقية أفراد المجتمع بداخله، ونحن لا نحتاج في الواقع إلى نشأة مثل هذه المجتمعات الموازية التي تعطل عملية التغيير الاجتماعي، فالتغيير الذي نقصده ليس نشأة مجتمعات جديدة موازية ولكن "الترميم" الاجتماعي للمجتمعات الكائنة وإصلاحها.

ويرى د. جاسم أن من العقبات أيضا أن العالم الإسلامي ظل متأرجحا بين ثنائيات قائلة: "القطع مع الماضي والوصل معه- التغيير التدريجي أم التغيير الثوري- ومتى يكون التغيير التدريجي صالحا ومتى يكون التغيير الثوري صالحا؟... إلخ"، ولا يزال الخطاب الإسلامي مضطربا في خياراته بشكل كبير.

نموذج "دولة الممكن "

ويقترح د. جاسم نموذجا في إطار حديثه عن التغيير الاجتماعي "دولة الممكن"، وهي الدولة النموذج في ظل هذه اللحظة التاريخية الحالية، وفي ظل هذا الواقع والزمان والمكان الذي نعيش فيه والتحديات الصعبة التي نواجهها، واختصارا فإنها الدولة التي تحقق ما هو في إمكانها وهذا خير من ألا تحقق شيئا.

وينتقد د.جاسم الواقع الاجتماعي والديني للمسلمين اليوم حيث يرى أن هناك مسجدا في كل حي وشارع من دول العالم الإسلامي، كما أن الملايين من الناس تحج وتعتمر كل عام، بل إن هناك من يحقق أرقاما عالمية في عدد مرات الحج والاعتمار، وللأسف لم تترجم هذه المظاهر الشكلية للإسلام بعد إلى سلوكيات اجتماعية على أرض الواقع.

وينتقد د. جاسم كذلك ما يسمى بالتغيير الفردي، وأن كل فرد إذا أصلح نفسه فسينصلح حال المجتمع، ويرى أن هذا أحد المفاهيم الخاطئة في فكرنا الإسلامي المعاصر؛ لأننا نحتاج إلى التغيير الجماعي والمجتمعي في آن واحد، ففكرة التغيير الفردي لم تعد صالحة لمثل هذا العصر؛ لأن حجم التحديات التي تواجهها مجتمعاتنا تتخطى هذا التغيير الفردي، وتتطلب مواجهة مجتمعية وليست فردية.

ونهاية.. فإن التغيير الاجتماعي يظل أحد التحديات الكبرى التي تواجهها المجتمعات الإسلامية، وما لم يتم هذا التغيير الاجتماعي وتسهم فيه كافة القوى الموجودة، سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية فسيظل المجتمع الإسلامي يلهث وراء سراب التحضر والتقدم والتغيير والتطوير، وفي النهاية لن يتحول هذا السراب إلى ماء يروى العطش، وسيظل في منطقة السراب.

رابط المقال الأصلي