Friday, May 30, 2008
Wednesday, May 28, 2008
Sunday, May 25, 2008
العلم غريب في مجتمعاتنا
.معتز بالله عبدالفتاح
للشيخ محمد الغزالي ملاحظة بارعة عن قول الحق سبحانه "اقرأ" كأول كلمة استقبلتها أذن الرسول الكريم (ص) من آخر رسالات السماء. وملاحظة الشيخ هو أن أمر "اقرأ" ورد غير متعد لمفعول. فلم يقل الحق اقرأ ماذا وإنما ركز علي المنهج بأن نقرأ باسم ربنا الذي خلق مع التذكير بكيف أن الله خلق الإنسان من علق وكيف أنه علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم. واتخذ الشيخ من هذه الآيات دليلا علي جمع الأمر القرآني بين الدين والعلم والفلسفة: اقرأ في كتاب الله القرآن أي تدين وآمن واقرأ في كتاب الله الكون أي تعلم وتفكر. وهو نفس ما ذهب إليه الزكي النجيب محمود حينما صدر كتابه "رؤية إسلامية" بفصل عنوانه "أنا المسجد وأنا الساجد" أي أننا نحن المسلمين جعلت لنا الأرض مسجدا، فالمعمل مسجد والعالم ساجد فيه وهو يعمل والمدرسة مسجد والمدرس ساجد فيها وهو يدرس، والمشفي مسجد والطبيب ساجد فيه وهو يعالج مرضاه. فالمسلم مسجد وساجد في آن معا. هذا ما ينبغي أن يكون وإن شئت فقل هذه هي القيم التي نمنا في نورها، واستيقظ الآخرون في ظلام غيابها، فتراجعنا وتقدموا.
دعوني أقول إن مجتمعاتنا تمر بمشاكل هيكلية. كالمبني الذي تحتاج أساساته إلي إعادة تأهيل. القضية ليست في دهان حجرة هنا أو تغيير عتبة سلم هناك. إن قوة خلطة المسلح التي نبني بها الكباري والأبنية الشاهقة لا تأتي من الرمل منفردا أو من الأسمنت منفردا أو من الحديد منفردا بل من خلطة محكمة بموازين معينة وعناية خاصة أفردت لها العلوم وأتقنها البشر بالعلم والتجربة حتي استقرت خطوات إجرائية منتظمة عند أهل الاختصاص من مهندسين إنشائيين ومدنيين بما يجعل مساحة الاجتهاد الشخصي فيها قليل للغاية. والأمر ليس ببعيد عن كيفية حل الصراعات الاجتماعية والسياسية (أي التعايش) في المجتمعات المعاصرة فهي مسائل انتهت علوم اجتماعية كثيرة من مناقشتها والوقوف علي عواملها وكيفية تحقيقها. هل قرأتم هذه العبارة الأخيرة؟ لقد وردت فيها كلمة "علوم" ولكن من في الدولة أو المجتمع يعبأ بالعلم والعلماء؟
إننا نعيش حالة من الخواء الفكري جعل العلم شهادة لا قيمة لها سواء باعتمادنا علي الدروس الخصوصية التي تحول لك كل ما قد يستدعي التفكير والإبداع والتأمل إلي مجموعة عبارات تحفظها كي تكتبها في موضوع التعبير الذي هو في الأصل اختبار للطالب في حسن استغلال ما تعلمه نتيجة القراءة والاطلاع علي المقررات المختلفة، لكن المدرس الشاطر (بمعني النصاب) يحول كل هذا إلي عدة عبارات يحفظها الطالب كي يكتبها في بداية موضوع التعبير وفي خاتمته، فيتوقف إبداع الطالب وحسن استغلاله لما تعلم، وكذا في العلوم الأخري. احفظ المعادلة واكتبها ثم اكتب تحتها أي كلام في الامتحان. هل هذا علم؟ لا هذه فهلوة، وكذا الدعوة للتعايش بانتقاء التجارب الجميلة من الماضي ونسيان أصل المشاكل.
ثم أين الثقافة العامة في أمور الحياة من قصة ورواية وشعر بل حتي مشاهدة الأفلام الجادة مثل قنديل أم هاشم، التي فوجئت بأن البعض قد درسها في الجامعة لكنهم ما فهموا منها ما ذكرته في إحدي المقالات عن صراع العلم والخرافة فيها، وغيرها من الأفلام مثل الزوجة الثانية وما يصوره من إساءة استغلال الدين من قبل البعض، وفيلم ابن الحداد ليوسف وهبي الذي اعتبره درسا في قيمة العمل واحترام الذات، وغيرها من الأفلام الجادة التي اعتبرها واحدة من أهم وسائل تكوين أي إنسان سوي في مجتمعنا. وإذا كنت من هواة الأفلام الأجنبية شاهد فيلم "عقل جميل" الذي يحكي عن جون ناش واحد من أعظم علماء الاقتصاد وعن نضاله ضد مرضه النفسي حتي انتصر عليه وصولا إلي جائزة نوبل.
لقد تراجع كل هذا وأصبحنا أمام غلبة للتدين الشكلي الذي يحرص بعض الدعاة والعلماء علي أن ينبهونا ألا نقف عند حدود الشكل فيه، لكنهم حقيقة يغذون هذه النزعة الشكلية دون أن يدروا. أتدرون لماذا؟ لأن خلطة المسلح التي يصنعونها فيها الكثير من الرمل والقليل من الحديد والأسمنت، فيهوي البناء. فيها الكثير من الغيبيات الدينية والقليل من العلم والفلسفة.
الداعية لا بد أن يكون داعية دين (عقيدة وأخلاق بالأساس) وعلم (وهو ما لن يحصله إلا إذا قرأ في العلم بقدر ما يقرأ في الدين) وفلسفة (وهو ما لن يحصله إلا إذا اطلع علي إسهامات المفكرين والفلاسفة من الشعوب والمجتمعات الأخري). فالدين بلا فلسفة سيكون شكليات تهتم بتوافه القضايا وتنعزل عن قضايا المجتمع الحقيقية، والدين بلا علم سيكون غيبيات واتكالية علي سنن الله الخارقة التي ما وعد الله بها أحدا إلا بعد أن يكد ويكدح عملا بسنن الله الجارية. والفلسفة بدون دين ستكون شطحات وخروجاً عن المألوف والمقبول، والفلسفة بدون علم ستكون مثاليات نسمع عنها ولا نعرف كيف نصل إليها، والعلم بدون فلسفة سيكون أداة للدمار لأنه سيكون منزوع الأخلاق، والعلم بدون دين سيقف متحديا لقيم المجتمعات المتدينة فيرفضه العوام ولا يفيدون منه. إنها خلطة متوازنة متكاملة يلعب فيها كل مصدر من مصادر المعرفة الإنسانية دوره. كخلطة الخرسانة التي يشد بعضها بعضا، فلا مفاضلة بينها وإنما التكامل. لكن التحدي الذي نواجهه أننا أكثر تقبلا لمظاهر الدين دون عمقه وطاقته الهائلة
http://www.elbadeel.net/index.php?option=com_content&task=view&id=20234&Itemid=41
Friday, May 23, 2008
الإسلاميون.. هل من دور في عملية "التغيير الاجتماعي"؟
والدافع وراء أي تغيير اجتماعي هو أن النظام الاجتماعي الموجود لم يعد يعبر عن إرادة الأفراد المكونين لهذا المجتمع، فما دام أن هناك فجوة بين ما هو قائم بالفعل وما ينبغي أن يكون، فلابد من حدوث التغير للوصول إلى مجتمع يعبر عن إرادة أفراده.
وإذا نظرنا إلى مجتمعاتنا العربية الإسلامية فسنجدها أحوج ما تكون إلى عملية تغيير اجتماعي، فهناك فجوة شاسعة بين ما يجب أن يكون عليه مجتمع المسلمين وبين واقعه الحالي؛ فالنظم الاجتماعية الموجودة يشوبها الكثير من السلبيات، فضلا عن التحديات الداخلية، وبجانب هذا هناك تحديات خارجية كارثية تهدد وجود هذه المجتمعات.
الحديث عن "التغيير الاجتماعي" ليس جديدا، بل إن الدولة الإسلامية مارسته إبان نشأتها حيث كان التغيير الاجتماعي أحد أهم السبل التي تشكل من خلالها المجتمع الإسلامي الجديد، وهذا التغيير قد أرسى دعائمه الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال كثير من الأسس والأدوات التي اشتملت عليها الأحاديث النبوية والآيات القرآنية الكثيرة والتي وضعت خطة لكيفية حدوث هذا التغيير واستمراره.
ولمناقشة دور "الإسلاميون" في عملية التغيير الاجتماعي خلال العصر الحالي عقدت جمعية البلاغ الثقافية في قطر(إسلام أون لاين) باكورة ندواتها الشهرية مؤخرا بعنوان "الإسلاميون والتغيير الاجتماعي" والتي تحدث فيها كل من د.سيف الدين عبد الفتاح المفكر الإسلامي وأستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، ود. هبة رءوف عزت الأستاذة بنفس الكلية، ود. جاسم سلطان المفكر القطري، وأدار الندوة الاستاذ أكرم كساب من جمعية البلاغ بالدوحة.
التغيير الاجتماعي والحضاري
|
د.سيف عبدالفتاح |
ويضيف د.سيف: من الخطأ أن نقصر عملية التغيير في حديثنا على ما هو "إسلامي"؛ لأن كل إنسان داخل المجتمع يمكن أن يسهم في عملية التغيير الاجتماعي، وبالإضافة إلى ذلك يجب ألا نفصل بين الإسلاميين وغيرهم داخل المجتمع؛ لأن هذا الفصل يسهم في تحقيق عزلة للإسلاميين عن محيطهم الاجتماعي.
من ناحية أخرى يرى د.سيف أن التغيير الاجتماعي يجب أن ينظر إليه باعتباره مدخلا للتغيير الحضاري، وهذا يحتاج إلى إصلاح عدة مشاكل:
أولا: مشكلة الفقه الجزئي، فالمجتمع في حاجة إلى فقه كلي شامل نربي من خلاله الأجيال الناشئة، مع الأخذ في الاعتبار أهمية التراث في هذه التربية، هذا الفقه الجزئي يجب أن يوضع في إطار الكليات الشاملة حتى يتحول إلى تربية ووسيلة تغيير، وللأسف مؤسساتنا تتعامل مع القضية التربوية بأسلوب "الموضة العالمية" وتسير وراء ما تطرحه المؤسسات والمراكز البحثية الغربية في هذا الشأن.
ويضرب د.سيف مثالا على مشكلات الفقه الجزئي بفتاوى الفضائيات والتي تحولت إلى "فتونة" فضائيات يتم من خلالها استعراض عضلات المفتين على الهواء مباشرة وفي كافة المسائل، مع أن الإمام أبا حنيفة كان يقول لمن يستفتيه: «أمهلني ثلاثا»، قد تكون ثلاثة أيام أو أسابيع أو شهور، وهم بهذا يجهلون دور الإفتاء في عملية التغيير الاجتماعي، فعلى المفتي أن يسهم في عملية التربية من خلال فتاواه.
ثانيا: غياب "النقد الذاتي"، وهو يختلف عن أسلوب "جلد الذات"، وكل جماعة لا تستطيع أن تمارس فاعليتها الحضارية إلا من خلال جهازين رئيسيين، هما: "جهاز النقد الذاتي"، و"جهاز التجدد الذاتي"، والحقيقة أننا ليس لدينا أجهزة للنقد والتجدد الذاتي داخل حضارتنا الإسلامية، كما أننا نتعامل مع مناطق مضيئة في تراثنا بشكل مهين.
حتى يغيروا ما بأنفسهم
أما عن عناصر التغيير الحضاري داخل الرؤية الإسلامية فيقول د. سيف عبد الفتاح إنها تتركز في الآية الكريمة: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11]، والآية تتحدث عن ثلاثة صنوف من التغيير وهي: (التغيير من قبل الله، وتغيير ما في النفوس، والتغيير الجماعي)، فالله تعالى يؤكد على أن التغيير مشروط بتغيير ما في النفوس وصولا إلى تغيير الجماعة والمجتمع، كما أن تكرار "ما" في الآية الكريمة دليل على حتمية تغيير عالم الأدوات والسياسات والمؤسسات والخطط الإستراتيجية.
ويضيف د.سيف: إن المجتمعات الإسلامية تعيش حالة من "الاستقالة الحضارية"؛ لأنها لم تهتم بوضع الخطط والعلوم لأجل عملية التغيير، ومعرفة كيف يؤثر تغيير ما بالنفس على تغيير ما بالأنفس، وتغيير ما بالأنفس على تغيير ما بالمجتمع، ومن نتيجة ذلك أننا لا نزال ندعو ليل نهار على أعدائنا قائلين: "اللهم أحصهم عددا وشتتهم بددا"، وكأننا نحيل فعل كل شيء إلى الله تعالى، وهذا خطيئة كبرى.
من ناحية أخرى يربط د. سيف عبد الفتاح بين ما يسمى بالتغيير الاجتماعي وبين الإصلاح، ويرى أن أي تغيير حضاري لابد أن يهدف إلى الإصلاح، فالله تعالى يقول على لسان نبيه شعيب: {إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88]، فالله تعالى يتحدث هنا عن 5 متطلبات للإصلاح.
أولا: الإرادة، وهي إرادة الهمة والإرادة المعنوية، وما لم تكن هناك إرادة قوية لا يمكن تقديم عمل يحدث تغييرا عمرانيا وحضاريا شاملا.
ثانيا: الاستطاعة، وهي الإمكانات، والإجراءات والسياسات وآليات التغيير والتدبير والتأثير.
ثالثا: التوفيق، والتوفيق الإلهي قاعدة كلية يجب أن نتعامل معها؛ فالله تعالى لا يواتي أي إنسان بالمنن إلا إذا آتى السنن، والسنن لا تحابي أحدا سواء كان مسلما أو غير مسلم.
رابعا: التوكل، وهو الثقة في الله والأخذ بالأسباب.
خامسا: الإنابة، وقد جاءت في الآية الكريمة {وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88] فعلى الإنسان أن يرجع إلى الله تعالى وينيب إليه في كل أفعاله.
وفي إطار انتقاده لمصطلح "إسلامية التغيير" يتساءل د. سيف: هل الإنسان المسلم عليه دائما أن يدور فيما يسمى بإسلامية التغيير، أم أن الأهم هو إنسانية التغيير؟ ويجيب: إن هذا الدين جاء إلى الناس كافة، وإلى كافة العوالم والألسنة والألوان، ولكن المسلمين لم ينجحوا في أن يكونوا على مستوى هذا الدين، وعالم المسلمين اكتفى بأن يصبح "قوسا للأزمات" أو "العدو الأخضر" كما يسميه الغرب، أو عالم "القصعة" كما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "توشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل"، فهذه الكثرة لم تستطع أن تحول "مكنون" الدين الإسلامي إلى "مكانة" في عالم الواقع.
الوعظ الأخلاقي لا يغير مجتمعا
|
د.هبة رؤوف |
من جانبها ترى د.هبة رءوف عزت الأستاذة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة أنه "لفترة طويلة ظل "الإسلاميون" يتحدثون عن المجتمع الإسلامي وكأنه مجتمع متجانس، وأن هذا المجتمع إذا تم وعظه أخلاقيا فسيعود أفراده مرة أخرى إلى إسلامهم، وأنه إذا وجهنا وجوهنا ناحية القبلة قليلا سيتغير حال مجتمعاتنا الإسلامية.
لكن تغيير المجتمعات لا يتم بهذه السهولة، ويحتاج إلى فهم ودراسة علمية لطبيعة هذه المجتمعات ونشأتها وكيفية تطويرها والعلاقات الاجتماعية بين مختلف أفرادها، والتغيير الاجتماعي الذي نقصده هو التغيير الشامل، والذي يصبح أكثر صعوبة في ظل سطوة النظام العالمي الحالي.
وتضيف د.هبة: هناك قضايا كثيرة يمكن أن نتحدث عنها كأمثلة للتغيير الاجتماعي منها (مشكلة الغذاء، والفقر، والهجرة، وحقوق اللاجئين، والعبودية المعاصرة، والعنصرية، وغيرها). والواضح أننا لا نواجه ظاهرة فقر ولكننا نواجه ظاهرة إفقار، فأبحاث الغذاء والفقر تنال أولوية في التمويل من قبل هيئات تخدم الرأسمالية الغربية.
وأشارت د.هبة إلى أن هناك علاقات جديدة يتم إعادة إنتاجها عبر الزمان والمكان في العالم العربي، فالخليج العربي يعيش حالة من الذوبان في ظل عمالة آسيوية ضخمة، وللأسف نسبة من يعلنون إسلامهم من هذه العمالة ضئيلة جدا، في حين أن المسلمين قديما كانوا ينشرون الإسلام من خلال الهجرة والتجارة والاحتكاك بالآخرين والتعامل معهم.
وترى د.هبة أن السبب في ذلك أن هناك نوعا من "العبودية المعاصرة" تمارسها المجتمعات الإسلامية ليس ضد العمالة الخارجية الوافدة فقط، ولكن أيضا ضد أبنائها، وهذه الإشكاليات يجب أن نعرف هل هي نابعة من عيوب داخل تركيبة مجتمعاتنا أم أنها ناتجة عن خلل في تصورنا عن الإسلام وممارستنا له؟ والتي يشوبها الكثير من الأخطاء.
المظالم الاجتماعية
وتؤكد د.هبة أن هناك كما هائلا من "المظالم الاجتماعية" في المجتمع الإسلامي، وأي تغيير اجتماعي مرهون بزوال هذه المظالم، من هذه المظالم: "العنصرية" داخل الدول العربية، وغياب العدالة الاجتماعية؛ ففي الخليج العربي وفي مصر على حد سواء، نشأت مؤخرا ظاهرة المجتمعات المسورة (المحاطة بالأسوار) والتي تفصل بين الأغنياء والفقراء، وهي انعكاس للفجوة الشاسعة بين الأغنياء والفقراء في هذه الدول.
وتضيف: من أشكال العنصرية التي مارستها الدولة في مصر: إطلاق النار على اللاجئين السودانيين وقتلهم في الشارع، وأمام مفوضية شئون اللاجئين، ومن المظالم الكثيرة: سلب حقوق المواطنين؛ ففي مصر يصعب على المواطن العادي إيجاد موطئ قدم له على كورنيش النيل، وكذلك الأمر في الخليج المواطن العادي لا يستطيع أن يمتلك منزلا يطل من خلاله على الخليج العربي، ولكن هناك شريحة ضئيلة يمكنها ذلك.
وتؤكد د.هبة: التغيير الاجتماعي ليس أن يدخل الناس المساجد بالآلاف والملايين، أو انتشار المحجبات في الشوارع، أو أن تقابل أخاك المسلم وتحتضنه وتقبله في كتفه أو جبهته، ولكن التغيير الاجتماعي هو ما يتعلق بحياة الناس واحتياجاتهم، وهناك ملفات اجتماعية كثيرة مغلقة في الواقع العربي تحتاج إلى فتحها من أجل إصلاحها.
وتنهي د.هبة حديثها محذرة من تعاظم الأخطار والتحديات التي تواجهها المجتمعات الإسلامية، وتقول: "إن مجتمعاتنا تفلت من بين أيدينا، ولا ندري إلى أين تذهب وتوشك أن تصبح المجتمعات الإسلامية لا هي إسلامية ولا هي إنسانية"؟
أزمة الخطاب الاستعلائي
|
د.جاسم سلطان |
من جانبه يرى د. جاسم سلطان المفكر والأكاديمي القطري ان مشكلة الحركات الإسلامية في العالم العربي أنها اتخذت خطابا أيديولوجيا استعلائيا، وليس خطابا يلتصق بالواقع، هذا الخطاب تلخصه عناوين مثل: "الخلافة الإسلامية- عزة الإسلام- الدين والدولة- ... إلخ"، هذا الخطاب أدى إلى عزل هذه الحركات عن واقعها ومحيطها الذي توجد فيه؛ فالإنسان البسيط لا ينشغل بالخلافة الإسلامية ولا يهمه الإسلام بقدر أهمية رغيف الخبز وتوفير الدواء لابنه المريض؛ لأن المشكلة ليست في الإسلام، ولكن في التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه الناس وكيف يواجهونها.
ويقول د.سلطان إن أحد أهم عقبات التغيير الاجتماعي في المجتمع الإسلامي هو نشأة ما أسميه بـ"المجتمعات الموازية لحركة المجتمع العاملة"، مثل "مجتمع الأخوة" هذا المجتمع الموازي لا يمكنه أن يقدم جديدا للواقع ولم يسهم في عملية التغيير الاجتماعي، وليس في إمكانه أن يستوعب بقية أفراد المجتمع بداخله، ونحن لا نحتاج في الواقع إلى نشأة مثل هذه المجتمعات الموازية التي تعطل عملية التغيير الاجتماعي، فالتغيير الذي نقصده ليس نشأة مجتمعات جديدة موازية ولكن "الترميم" الاجتماعي للمجتمعات الكائنة وإصلاحها.
ويرى د. جاسم أن من العقبات أيضا أن العالم الإسلامي ظل متأرجحا بين ثنائيات قائلة: "القطع مع الماضي والوصل معه- التغيير التدريجي أم التغيير الثوري- ومتى يكون التغيير التدريجي صالحا ومتى يكون التغيير الثوري صالحا؟... إلخ"، ولا يزال الخطاب الإسلامي مضطربا في خياراته بشكل كبير.
نموذج "دولة الممكن "
ويقترح د. جاسم نموذجا في إطار حديثه عن التغيير الاجتماعي "دولة الممكن"، وهي الدولة النموذج في ظل هذه اللحظة التاريخية الحالية، وفي ظل هذا الواقع والزمان والمكان الذي نعيش فيه والتحديات الصعبة التي نواجهها، واختصارا فإنها الدولة التي تحقق ما هو في إمكانها وهذا خير من ألا تحقق شيئا.
وينتقد د.جاسم الواقع الاجتماعي والديني للمسلمين اليوم حيث يرى أن هناك مسجدا في كل حي وشارع من دول العالم الإسلامي، كما أن الملايين من الناس تحج وتعتمر كل عام، بل إن هناك من يحقق أرقاما عالمية في عدد مرات الحج والاعتمار، وللأسف لم تترجم هذه المظاهر الشكلية للإسلام بعد إلى سلوكيات اجتماعية على أرض الواقع.
وينتقد د. جاسم كذلك ما يسمى بالتغيير الفردي، وأن كل فرد إذا أصلح نفسه فسينصلح حال المجتمع، ويرى أن هذا أحد المفاهيم الخاطئة في فكرنا الإسلامي المعاصر؛ لأننا نحتاج إلى التغيير الجماعي والمجتمعي في آن واحد، ففكرة التغيير الفردي لم تعد صالحة لمثل هذا العصر؛ لأن حجم التحديات التي تواجهها مجتمعاتنا تتخطى هذا التغيير الفردي، وتتطلب مواجهة مجتمعية وليست فردية.
ونهاية.. فإن التغيير الاجتماعي يظل أحد التحديات الكبرى التي تواجهها المجتمعات الإسلامية، وما لم يتم هذا التغيير الاجتماعي وتسهم فيه كافة القوى الموجودة، سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية فسيظل المجتمع الإسلامي يلهث وراء سراب التحضر والتقدم والتغيير والتطوير، وفي النهاية لن يتحول هذا السراب إلى ماء يروى العطش، وسيظل في منطقة السراب.
Wednesday, May 21, 2008
"مصر .. أسباب الغضب".. ملف هام للأستاذ محمد عبد العاطي
متابعة بقية الملف عل الرابط التالي :
http://www.aljazeera.net/nr/exeres/c8616f74-8293-
4663-ac5c-9842395df07b.htm المصدر : الجزيرة نت
فقراء الهند..وحكومة الأفيال
إلى الهند حملتني رحلة لأقضي ثلاثة أيام في مومباي، بل على وجه الدقة ضاحية من الضواحي الفقيرة في تلك المدينة التي تنقسم بين الفقر المدقع.. والغنى الفاحش.
تحتاج الهند دراسة طويلة، هنا فقط أسجل ملاحظات عابرة..ومشاهدات عاجلة.. كي لا أنسى.
كانت الندوة عن الفقر، وكانت الجهة الداعية "مركز دراسات العولمة" في كلية الاقتصاد بجامعة لندن، والطرف الهندي الشريك في التنظيم والاستضافة هو "معهد تاتا" وهو معهد ضخم تكاد تبلغ مساحته مساحة مقر الكليات الاجتماعية المركزية لجامعة القاهرة، تبرعت بأرضه وميزانيته شركة تاتا المنتجة للسيارات، وأشياء أخرى.
وجها لوجه
لم أزر الهند من قبل لكن شأن غيري من العرب شاهدت بعض الأفلام الهندية في صباي، وأكلت الطعام الهندي لمدة ستة أشهر حين سكنت في بيت للطالبات المسلمات حين كنت أدرس في لندن، وكانت غالبية الطالبات من الجيل الثاني من أصول هندية وبنغالية وباكستانية فكنت آكل معهن ما يتم طهيه بدون اعتراض (وبجواري علبة المناديل لأجفف دموعي وأمسح أنفي لوطأة البهارات والشطة)، وسمعت موسيقى الهند وتابعت أخبار السياسة وطفرة الاقتصاد.
نزلت من الطائرة التي قطعت المسافة في ساعات الليل لأقف في طابور طويل ثم ألتقط حقيبتي وأخرج لأجد سائق الحافلة في انتظاري. كان أول ما لفت نظري رطوبة الجو وزحام الناس أمام المطار والساعة لم تتجاوز السادسة صباحا.
اقتربت مني سيدة عجوز تتحدث بلغة عربية ركيكة تطلب أن أعطيها بعض الريالات أو الدينارات أو الدراهم، فلم أفتح فمي وصرفها السائق في لطف، فكيف أشرح لها أنني لست من بلاد البترول ولا صلة لي بصحراوات الخليج.. بل أنا من فقراء مصر ونبتة من طين المحروسة.. بكل فخر.
في الطريق للفندق والذي قطعة السائق في نصف ساعة صدمتني مشاهد الفقر في الشارع، الناس تنام على الأرصفة أو في عشش من الصفيح أو حتى فيما يشبه الخيمة الصغيرة، أربعة أعواد من الخشب وهلاهيل من القماش القديم.
سيارات التاكسي في معظمها من طراز الفيات القديم كالذي كان يجوب شوارع القاهرة في الستينيات والسبعينيات، وعدد الدراجات البخارية المغطاة التي نسميها في مصر "التوك توك" –يطلق عليها هناك ريكشا أو أوتو- يصعب حصره، تتراص على جوانب الطرقات.
لافتات الإعلانات فوق المباني القديمة المتهالكة والتي تقف بغرور لتعلو فوق رءوس البشر البسطاء الساكنين الصفيح تحمل صورًا لامعة حديثة كالتي تراها في شوارع القاهرة أو دبي، تروج لشقق كبيرة واسعة أو تعد بتحقيق الأحلام لو اقتنيت كارت فيزا، أو تعلن عن سلعة لن يستطيع أحد ممن تصافح أعينهم الصور شراءها.
هذه الإعلانات للأغنياء الذين يجبرهم مسار الطريق من وإلى المطار على المرور بتلك الشوارع.. فقط.
وصلت لفندق ثلاثة نجوم ولم أستغرب، فالمؤتمر عن الفقر ولا معنى للنزول في فندق فخم، ناهيك عن أن الفنادق الفخمة في وسط المدينة تبعد ساعة بالسيارة، أو بجوار المطار الذي يبعد نصف الساعة، والفندق بجوار المعهد، وهذا أفضل لسهولة الحركة.
لا أستطيع أبدا النوم في الطائرة، فحاولت أن ألتقط ساعتين من الراحة قبل بدء يوم عمل. نظرت حولي فوجدت جهاز التكييف معلقا على الحائط.. وفي السقف مروحة.
لا أحب أجهزة التكييف، فاستخدمت المروحة، واجتهدت في النوم، فلم أفلح.
في التاسعة كانت السيارة في الانتظار.
دخلت القاعة لأنضم لفريق جامعة لندن الذي وجه لي الدعوة، وصافحت عيني الوجوه السمراء الهندية، رجالا في ملابس بسيطة متواضعة ونساء معظمهن يرتدين الساري الهندي.
تواضع العلماء
كانت الندوة عن الفقر والعولمة، تحدثنا عن الفقر لمدة يومين، وتحدث الهنود عن العولمة، وكيف تؤدي للإفقار المنظم.
بعيدًا عن الكلام الأكاديمي والنقاشات الفكرية والإحصاءات والمؤشرات، أهم ما شاهدت هو تواضع الأساتذة الهنود، فالملابس بسيطة بشكل مذهل، والاهتمام بالأفكار أكثر بكثير من الاهتمام بالأناقة، وعمق المعرفة وقوة الحجة لا يوازيها الهوس بالموضة، أو الولع بالمظهر الذي نجده في بعض المجتمعات العربية، حتى إن وقوف الرجل أمام مرآة في مكان عام ليصلح من شكل ملبسه أو غطاء رأسه أضحى مشهدا يثير الرثاء.
يجلس أحدهم في تواضع يرتدي الزي الهندي البسيط فلا تظن أنه أستاذ بالجامعة وما أن يفتح فمه حتى تجد نفسك أمام علامة (بتشديد اللام) فلا تملك إلا أن تحترمه وتحترم مكانته واحترامه هو لثقافة المكان وكرامة العلم.
عبر أيام المؤتمر والتجوال المحدود في مومباي بالسيارة لفت نظري قوة الثقافة، لا عجب أن يكون أفضل من كتب في أثر الثقافة وقوتها وعودتها في مواجهة الدولة القومية التي سعت لمحوها في بوتقة المواطنة –تلك الأسطورة- أفضلهم من الهنود، أسماء مثل هومي بهاباه- أبادوراي- بيكو باريكه- وأخيرا أمارتيا سين.
الثقافة الهندية
اللغة، والموسيقى، والطعام، والزي.. وأساطير الديانة، وحضور المعابد والأضرحة، كلها مقومات قوة للثقافة الهندية التي تتميز وتنفرد بخصائص ليس لها شبيه، حتى إنني تصورت لو أن شبه القارة الهندية انفصلت عن آسيا وطفت فوق الماء واستقرت في الأطلسي فلن يكون هناك فرق؛ فهي ليست آسيوية بالمعنى الدقيق، بل هي فقط: الهند، ليس لها نظير.
الديمقراطية الهندية مضرب لأمثال حقيقية فيما يخص نزاهة الانتخابات، لكن بالتأكيد خيارات الناخب محدودة، فالدعاية الانتخابية -وبوضوح- بها صورة المرشح وبجواره على الجانب الآخر من اللافتة صورة أبيه أو جده، أي أن السياسة تديرها أسر، حتى إن أحدهم قال إن الهند تدير سياستها 36 أسرة كبيرة، والأسر المهيمنة في كل منطقة.
الفقر مذهل، والفقراء منسيون، في بعض التحليلات قرأت أن الهند قررت أن تكون قوة دولية بـ 300 مليون من سكانها الذين تجاوزوا المليار، وأن البقية لها الله.. لن يشغلوا بالهم بهم. أخذت النخبة قارب النجاة الرأسمالي للعولمة وتركت السفينة تغرق في الجهل والفقر.
26% من الدخل القومي للتسليح (النووي)، و16% للصحة والتعليم مجتمعين! واستثمارات الغرب تقوي الهند في آسيا، في مواجهة كل جيرانها.
ينفق بيل جيتس الملايين لتطوير أمصال لعلاج الأمراض لا تحتاج تبريدًا ليسهل نقلها، وينفق على تعليم آلاف الأطفال. الهند هندوسية فلا مشكلة مع دينها تاريخيا، وهي أسهل في الاختراق وبناء التحالف مع الغرب من الصين - ذلك المارد، وإسرائيل طرف أساسي.
مومباي أكثر المدن نموا في الدخل، لكن الواضح أن الدخل هنا هو المتوسط الحسابي بين دولار في اليوم للفقير ومائة ألف دولار للغني.
لم أصدق علماء الاقتصاد يوما، وحصلت على امتياز في مادة الاقتصاد في الجامعة ثم تخصصت سياسة، كلهم يكذبون، لكن كذب الساسة مفضوح للكافة، أم كذب الاقتصاديين فمنمق ومتأنق.
سأحتاج لزيارات أطول كي أفهم تلك الثقافة، وضع المسلمين الذين لم يذهبوا للهند والذين يتجاوز عدهم 100 مليون نسمة ليس على أفضل ما يرام، أخبرني أحد رموزهم الثقافية أن أوقاف المسلمين يضرب فيها الفساد، وجهودهم مشتتة، ومنهم ضحايا العنف الطائفي خاصة في الكوجرات وضحايا الفقر في كل مكان.
عدت من التجوال وأنا أشعر بأن العالم واسع، ما نجهله أكثر مما نعلمه.
وكما في كل رحلة، عدت بدروس وأفكار.
ويعلمني السفر دائما الصمت.. والتأمل.. والتواضع.
Tuesday, May 20, 2008
الدعاه الجدد .. أين أصابوا وأين أخطأوا؟
شاع وسيزداد شيوع القنوات الفضائية المتخصصة في الدين بما ينتج خطاباً جديداً ومختلفاً عن النمط الذي كان شائعاً، سواء من قبل علماء المؤسسات الرسمية أو من قبل نشطاء الجماعات الإسلامية. وباستقراء كيف يتفاعل المتعرضون لهذا الخطاب معه يتبين أن هؤلاء الدعاة قد ساهموا في علاج ثلاثة مشاكل لكنهم في المقابل كان خطابهم أشبه بالدواء الذي له ثلاثة أعراض جانبية، فيما يتعلق بالنجاحات، فهناك:
- أولاً تجديد الهوية الإسلامية عند الشباب: لقد نجح الدعاة الجدد لحد بعيد في إعادة الاعتبار للهوية العربية الإسلامية عند قطاع كبير من مستمعيهم في زمن من السهل للغاية أن يفقد الإنسان العربي المسلم اعتزازه بهذه الهوية. فهذا زمن يندر أن يجد فيه العربي المسلم ما يفتخر به من إنجازات، فمن هزائم عسكرية وخلافات سياسية وإهانات إلي مئات الأنواع من السلع والمنتجات الغربية والشرقية التي نستهلكها ولم نسهم في إنتاجها يجد الإنسان نفسه علي استعداد ذهني لأن يفكر بهويته، بل وأن يحملها مسئولية تخلفه. فانظر إلي هذا الكم المهول من أسماء السلع الأجنبية التي نستهلكها »نوكيا، وسامسونج، ودل، وآي بي أم، وناشيونال، وكيا، وهيواندي وهوندا، ومرسيدس، وأديدس، وماكدونالدز... وغيرها«، في كل شئون الحياة من المأكل للمشرب للكمبيوتر للتليفون للسيارة، لتكتشف أن اعتزاز الإنسان بهويته مهمة صعبة، ولكن لا شك أن الخطاب الديني الجديد قد أبلي بلاء حسناً في هذا المقام.
- ثانياً: إعادة الاعتبار للشأن العام في عقل قطاع واسع من الشباب المسلم: لقد نجح الدعاة الجدد لحد بعيد في التأكيد علي الوظيفة الاجتماعية للدين مثل مشاكل الأسرة وتربية الأولاد ومواجهة المخدرات ودعم ثقافة التطوع في مشروعات خيرية وهي كلها أفكار تؤكد أن الدين ليس مجرد دروشة وشعائر بلا دور في إصلاح شئون المجتمع.
- ثالثاً كشف سوءات مؤسسات التنشئة الأخري في المجتمع: نجح خطاب الدعاة الجدد في كشف سوءات وعيوب مؤسسات التنشئة الاجتماعية الأخري في البيت والمدرسة والجامعة والأهم في المسجد في الإجابة عن الأسئلة الأخلاقية والدينية التي يحتاجها الشباب المسلم. ونجاح هذا الخطاب يعني أن الأسرة والمدرسين وأساتذة الجامعات والمشايخ التقليديين قد تخلوا عن أدوارهم في التربية والقدوة وبناء الشخصية العربية المسلم، فكان الدور علي دعاة الفضائيات أن يملأوا الفراغ الضخم الذي خلقته مؤسسات التنشئة المذكورة. وهو ما لا يعابون عليه، لكن هذا الخطاب الجديد خلق ثلاث مشاكل أقرب إلي أعراض جانبية.
* أولاً مشكلة الخطاب الديني الانتقائي: فهو أولاً منهج غير علمي في التعامل مع الماضي. فعلم التاريخ له مناهجه المنضبطة في فهم الظاهرة التاريخية وربط الحوادث واستخلاص العبر والفوائد، لكن خطاب الدعاة الجدد لا يستخدم منهجاً علمياً، بل العكس، فهو خطاب انتقائي بما يتناسب مع الغرض المطلوب منه، وهو رفع إحساس المستمع بالعزة والفخر بدينه، وهو ما يأتي علي حساب العقلية الناقدة التي نحن بحاجة إليها بشدة. فالماضي منطقة آمنة لمن يلجأ إليه، دون أن يلتزم المنهج العلمي في التعامل معه، فعند الحديث عن التراث، يتجه الكثير من الدعاة الجدد إلي خلق صورة مثالية عن الأقدمين علي نحو يجعلنا نفقد القدرة علي تمييز مساحات هائلة من الأخطاء والمشاكل التي انعكست في النهاية سلباً في شكل عقود عجاف عاشتها الأمة الإسلامية، كان فيها الكثير من الحروب والمؤامرات الداخلية والاستبداد والظلم الاجتماعي والسياسي بما أفضي إلي هزائم لا يمكن تبرئة السابقين من مسئوليتهم عنها. وعلي هذا يكون نتاج هذا الخطاب مفارقة الاعتزاز بالماضي وإعادة إنتاج العقلية المستعدة لارتكاب كل أخطائه، لأن هذا الخطاب ليس أميناً في نقل الماضي واستيعاب أخطاء أجدادنا فيه ويجعل من الصعب الإجابة علي سؤال: »إذا كنا متدينين، فلماذا متخلفون؟«.
* ثانياً مشكلة التدين النافي للعلم والفلسفة: لا أتصور أن بناء ضخماً يمكن أن يشيد بالرمل دون الحديد والأسمنت، ولا أتصور تقدماً أو نهضة يمكن أن تنبني علي مظاهر دون أن نلتزم بروح الدين التي تضع علينا مسئولية السعي والكد واستعمار الأرض. ولكن ما بدا واضحاً أن الخطاب الديني الجديد لم يقم بما يكفي للتأكيد علي أهمية العلم والتعليم.، بل بدي الأمر كما لو أن الخطاب الديني التبسيطي هو استمرار لنفس منطق الدروس الخصوصية في المنزل، بدلاً من المراجع العلمية في المكتبة، المذكرات وتوقعات الامتحان بدلاً من السعي والاجتهاد من أجل التميز والتفوق، فأصبح التدين عند الكثير من الشباب أداة تعويض عن الإخفاق التعليمي والثقافة العامة، في حين أن الدين نفسه هو الذي طالبنا بأن نتعلم من تجارب الآخرين، وأن نستفيد من خبراتهم. فلنقرأ في الدين وفي قصص الصحابة العظام، لكننا مطالبون بأن نعرف كيف نجحت إسرائيل ولماذا أخفقنا، لماذا إنتاجية العامل في الغرب والشرق أعلي منها في بلداننا. إن التدين غير المفضي إلي العلم والفلسفة، يخلق شخصية فيها الكثير من الحيرة، فبدون العلم والفلسفة فإننا نقول للعالم: »أنا عريان، لكن أجدادي هم الذين اخترعوا الملابس«، »أنا لا اقرأ، لكن أجدادي ألفوا مئات الكتب في كل المجالات«.
* ثالثاً مشكلة الخطاب الديني منزوع السياسة: مفيد للغاية أن يعيد الخطاب الديني الجديد اهتمام الناس بقضايا الأمة، لكن أغلب مشاكل هذه الأمة لها بعد سياسي دون أن يعني ذلك التحزب أو الانتماء لتنظيم سياسي بعينه، فإذا كان بعض الدعاة حريصين علي التأكيد أن سرقة الدش حرام، فماذا عن سرقة الانتخابات والعزوف عن المشاركة فيها؟ فكم من هؤلاء المتدينين، لديهم بطاقة انتخابية ويذهبون لاختيار من يحكمهم أو يمثلهم في البرلمانات؟!. إنما لا أتوقع منهم أن يطلبوا من الشباب أن يعطوا أصواتهم في اتجاه دون آخر، ولكن السكوت عن واجب المسلم السياسي يهمشه، ولا أعرف نهضة حقيقية يمكن أن تتحقق في ظل غيبوبة سياسية كالتي نعيشها الآن ويساهم فيها الخطاب الديني بباع طويل بتركيزه علي أمور العلم بها لا ينفع والجهل بها لا يضر، لكن يبدو أنهم اختاروا المنطقة الآمنة بعيداً عن بطش الساسة.
Monday, May 19, 2008
لقاء مع الدكتور جلال أمين - ماذا حدث في مصر في الخمس اعوام الأخيرة
لقاء متميز مع الدكتور و المؤرخ الأقتصادي جلال أمين
يناقش فيه ماحدث اقتصاديا في الخمس اعوام الأخيرة في مصر
مدة اللقاء 47 دقيقة
اللقاء مكتوب
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/643133A0-7B9A-42CD-8C34-0DD6365BCE30.htm
Sunday, May 18, 2008
قصة الفساد في مصر - د. جلال أمين - القصة الكاملة
(٢ -٩) ملك يبيع الباشوية.. علي موائد القمار
«٣-٩» فساد المال.. وفساد السلطة
(٤-٩)الفساد في عهد السادات كان مهرجاناً كبيراً..واليوم أصبح جزءاً من النظام
(٥ -٩) عندما تصبح القضية العامة.. تنمية الثروات الخاص
«٦-٩» كيف تحول الفساد إلي قانون؟
«٧-٩» ماذا حدث للمثقفين المصريين؟
«٨-٩» ماذا فعلت الثورة بالمثقفين؟
لكي نفهم ماذا حدث في مصر - تحليل اقتصادي لفترة حكم مبارك
تحليل اقتصادي لفترة حكم مبارك
نشر هذا التحليل في جريدة المصري اليوم منذ عام تقريبا
أري التذكير بها يساعد علي فهم ما يحدث في مصر الآن
Saturday, May 17, 2008
Friday, May 16, 2008
المواطنة بين مثاليات الجماعة وأساطير الفردانية
تُعَدُّ "المواطنة" أحد المفاهيم الرئيسية في الفكر الليبرالي منذ تبلوره في القرن السابع عشر كنسق للأفكار والقيم، ثم تطبيقه في الواقع الغربي في المجالين الاقتصادي والسياسي في القرنين التاليين، وما ترتب على ذلك من آثار على الترتيبات الاجتماعية والعلاقات الإنسانية في القرن العشرين ثم مطلع قرننا هذا.
وإذا كانت الليبرالية عند نشأتها قد دارت حول فكرة الحرية الفردية والعقلانية وتقوية مركز الفرد في مجتمع سياسي قام على قواعد عصر النهضة على أبنية اجتماعية حاضنة وقوية، فإن مفهوم المواطنة قد تطور وتحوّر عبر مسيرة الليبرالية ليتركز حول خيارات الفرد المطلقة وهواه كمرجع للخيارات الحياتية والسياسة اليومية في دوائر العمل، والمجتمع المدني، والمجال العام، ووقت الفراغ، وليصبح "المفهوم المفتاح" الذي لا يمكن فهم الليبرالية وجوهرها دون الإحاطة بأبعاده المختلفة وتطوراته الحادثة المستجدة، حيث يستبطن تصورات الفرد، والجماعة، والرابطة السياسية، ووظيفة الدولة، والعلاقات الإنسانية، والقيم والأخلاق.
عودة المواطنة
وقد شهد هذا المفهوم تغيرات عديدة في مضمونه واستخدامه ودلالته، فلم يعد فقط يصف العلاقة بين الفرد والدولة في شقها السياسي القانوني كما ساد سابقاً، بل تدل القراءة في الأدبيات والدراسات السياسية الحديثة على عودة الاهتمام بمفهوم "المواطنة" في حقل النظرية السياسية بعد أن طغى الاهتمام بدراسة مفهوم "الدولة" مع نهاية الثمانينيات، ويرجع ذلك لعدة عوامل، أبرزها الأزمة التي تتعرض لها فكرة الدولة القومية التي مثلت ركيزة الفكر الليبرالي لفترة طويلة؛ وذلك نتيجة عدة تحولات شهدتها نهاية القرن العشرين:
أولها: تزايد المشكلات العرقية والدينية في أقطار كثيرة من العالم، وتفجر العنف بل والإبادة الدموية، ليس فقط في بلدان لم تنتشر فيها عقيدة الحداثة من بلدان العالم الثالث بل أيضاً في قلب العالم الغربي أو على يد قواه الكبرى، بدءاً من الإبادة النازية لجماعات من اليهود، ومروراً بالإبادة النووية في هيروشيما، ومؤخراً الإبادة الصربية للمسلمين، والإبادة الأمريكية للعراقيين وللأفغان، والإبادة الجارية للفلسطينيين.
وثانيها: بروز فكرة "العولمة" التي تأسست على التوسع الرأسمالي العابر للحدود وثورة الاتصالات والتكنولوجيا من ناحية أخرى، والحاجة لمراجعة المفهوم الذي قام على تصور الحدود الإقليمية للوطن والجماعة السياسية وسيادة الدولة القومية، وكلها مستويات شهدت تحولاً نوعياً.
وعلى صعيد آخر فإن نمو الاتجاهات الأصولية المسيحية واليمينية المتطرفة في البلدان التي مثلت مهد التجربة الليبرالية قد أدى إلى مراجعة المفهوم والتأكيد على محوريته لمواجهة هذه الأفكار وآثارها في الواقع السياسي والاجتماعي الغربي المعقد مع وجود أقليات عرقية ودينية منها العرب والمسلمون، هذا فضلاً عن وصول الفردية كفكرة مثالية لتحقيق حرية وكرامة الفرد إلى منعطف خطير في الواقع الليبرالي، بعد أن أدى التطرف في ممارستها وعكوف الأفراد على ذواتهم ومصالحهم الضيقة إلى تهديد التضامن الاجتماعي الذي يمثل أساس وقاعدة أي مجتمع سياسي، وتراجع الاهتمام بالشأن العام لصالح الشأن الخاص، وتنامى ما يسميه البعض "موت السياسة" وبروز "سياسات الحياة اليومية".
نهاية التاريخ
والإشكالية التي تهم العقل العربي والمسلم في هذا الصدد هي أن الفكر الليبرالي لم يؤدِّ إلى تأسيس تجارب ديمقراطية في العالم الغربي فقط، بل يطرح نفسه الآن وبشكل شبه منفرد كبديل للواقع السياسي والفكري في دول العالم الثالث التي تشهد تحولاً نحو الديمقراطية، كما في أطروحة "نهاية التاريخ" وإعلان انتصار الليبرالية النهائي لباحث مثل فوكوياما، أو كطرف متماسك ومتجانس ومتقدم في مقابل حضارات أخرى (أو أدنى) في أطروحة مثل "صراع الحضارات" لهنتنجتون. فخيار المواطنة صار مثالية تروج لها الرأسمالية الليبرالية في الدول غير الغربية، ويتم تقديمها كحل لمشكلات الجنوب "على طريق التقدم" يرتهن بتحول الرابطة السياسية داخل مجتمعاتها من رابطة تراحمية عضوية أو قرابية -ريفية أو قَبَلية- إلى رابطة تعاقدية علمانية و"مدنية" للمواطنة؛ لذا فإن فهم دلالات "المواطنة" كرابطة تزعم أنها تجبّ روابط الدين والعرقية والأيدلوجية لَهُو أمر يحتاج مزيد تأمل وتقص، وتحريرا وتقويما، واختبارا في الواقع التاريخي بين النجاح والإخفاق.
من المواطن الرشيد للمواطن المستهلك
لقد أدت التطورات السالفة الذكر التي شهدتها الساحة الدولية في العقود الأخيرة إلى تركيز بعض الدراسات على ظواهر وأحداث كان لها أكبر الأثر في تغيير مفهوم المواطنة ليشمل أبعادًا جديدة . فكتابات النظرية السياسية الليبرالية الأولى التي كان مفهوم العقلانية والرشد فيها مرتبطًا بالقيم المثالية والفلسفية ما لبثت أن تناولت مفهوم المنفعة بمعنى ذاتي/ نفسي ثم بمعنى اقتصادي/ مادي، وربطت في مجملها بين المفاهيم النظرية السياسية والرؤى الاقتصادية وهو ما أسماه البعض بالتحول من الديمقراطية الليبرالية إلى الليبرالية الديمقراطية بتقديم الاقتصادي على السياسي وغلبة المادية على الفكر الليبرالي. وما لبث الاقتصاد الليبرالي أن تحول من ليبرالية كلاسيكية تتحفظ على تدخل الدولة لليبرالية جديدة تؤكد على تدخل الدولة من أجل تحقيق الرفاهة في مجالات الأمن الاجتماعي. وهكذا صارت رابطة "المواطنة" منافع وحقوقا مادية محددة يطالب بها المواطن في مجالات الصحة والتعليم تهبط بالحقوق العامة السياسية لتفاصيل منافع مادية مباشرة، أي تم التركيز على الحقوق وليس الواجبات. ومن ناحية أخرى كان هذا يعني مزيدا من سلطة الدولة في الوقت الذي كانت تحولات الاتصال والعولمة ترشحها فيه للتآكل والذبول، فاستردت دورها في التوزيع السلطوي للقيم -المادية والمعنوية- وما لبثت أن بدلت هذا الدور شكلا في ظل تنامي الحديث عن الإدارة السياسية (Governance) عبر الحديث عن الشراكة بين الدولة والمجتمع المدني ورجال الأعمال، رغم أن سلطتها لا تقارن بالطرفين الآخرين، ونفوذها يخترقهما على شتى المستويات.
وعبر تفاعل هذه المعطيات تحول مفهوم المواطنة لدلالات نفعية وذاتية فردانية أعمق، كما صار مؤسساً على واقع معقد لا يثمر نتائجه المثالية الأصلية المنشودة بسبب وجود الدولة الطاغي، رغم تحول هذا الوجود نوعياً وتغير وجهه وتجلياته بما أوحى للبعض بضعفها أو تراجع دورها لصالح آليات السوق العالمي، وهو ظن غير دقيق.
هذا التناقض توازى أيضاً مع بروز تيارين متعارضين:
أولهما: واقعي، يرتبط بالتأكيد المتنامي على المصلحة المباشرة (الآن وهنا) ويهمش المثاليات الكبرى والمنافع الجماعية والمؤجلة (التي انبنت عليها نهضة الرأسمالية الأولى).
ثانيهما: تنويري، يتمثل في مناداة بعض الكتابات بإدخال البعد الأخلاقي في النظرية الاقتصادية، أي تجاوز الاقتراب الاقتصادي المادي النفعي لفهم السلوك الإنساني وتفسيره والتنبؤ به، واستعادة الأبعاد الإنسانية/ الاجتماعية/ الأخلاقية في النظرية والتحليل الاقتصادي، وهو ما يستلزم ربط مفهوم المواطنة عند تحليله بالأسئلة الكلية في الفكر الليبرالي، وأبرزها تصورات الفرد وتعريف السياسة وما يترتب على ذلك من تصور لطبيعة المجتمع السياسي. كذلك فإنه على الرغم من تناول العديد من الكتابات الليبرالية المعاصرة للتغيرات التي تتعرض لها المجتمعات الليبرالية في المجالات الاقتصادية والتقنية واستخدام مصطلحات جديدة تصف المجتمع والدولة في الواقع الليبرالي، مثل "مجتمع ما بعد الصناعة" أو "الدولة المتسعة" أو "الرأسمالية في شكلها الأخير" واختلاف مفهوم "القوة" في ظل التطور التكنولوجي والاتصالي وما لذلك من انعكاس على مفهوم السيادة -فإن الباحث نادراً ما يجد دراسة تقدم رؤية بانورامية للتحول الذي تم وتفسره بدلاً من أن تكتفي بوصفه وحسب. ولعل من أبرز الكتابات باللغة العربية الرائدة في هذا الاتجاه كتابات الاقتصادي المصري الفقيد الراحل أ.د. رمزي زكي.
مساحات جديدة ومسافات فكرية واسعة
|
المواطنة..أسئلة حائرة |
مع تنامي عولمة الرأسمالية وهيمنة الرؤى الليبرالية الجديدة لم يعد ما نحن بصدده عند الحديث عن المواطَنَة هو المفهوم البسيط، ولا بقي السؤال هو: مواطنة أم لا مواطنة؟ على غرار : نهضة أم تخلف؟ حضارة أم ضد الحضارة؟ (أسئلة اللحظة التاريخية الأمريكية الراهنة).
الواقع أكثر تعقيداً من ذلك وهذه التصورات مضللة.. ومضلّة.
أي مواطنة؟ هذا هو سؤال اللحظة الوجودية الإنسانية الحقيقي: مواطنة تنويرية تحترم الفرد وتؤسس مجتمعاً يكتسب وجوده الجمعي من تجاوزه لقوى الطبيعة وتصوره الإنساني للإنسان، أم مواطنة رأسمالية مدينية مابعد حداثية؟
مواطنة قانونية شكلية متساوية ذات بعد واحد، أم مواطنة مركبة عادلة اجتماعية ديمقراطية ثقافية في ظل مشروع حضاري إنساني؟
مواطنة تتحدث عن الحرية والمساواة والجسد السياسي والعدل والشورى، أم مواطنة تتحدث عن اختزال القيم السياسية في حرية الجسد وتفكيك المجتمع لصالح نوع ضد نوع أو ثقافة ضد ثقافة ونفي التجاوز في الإنسان والتاريخ، وإعلاء سياسات الجسد واللذة على الجسد السياسي والخير العام والقيمة الإنسانية؟
مواطنة في أي سياق مكاني؟ مواطنة التنوير والليبرالية في المدن الاجتماعية ذات الطابع الثقافي والمسافات الإنسانية، أم مواطنة المدن الرأسمالية العالمية السرطانية المعادية للمجتمع والقائمة على "التجمع" الذي يحسب حسابات الاقتصاد وتدويله قبل حسابات الهوية والجماعة والثقافة؟
ثم أخيرًا، مواطنة التدافع من أجل الغايات الإنسانية والنفع العام والسعي في دروب التطور الاجتماعي التاريخي، أم مواطنة اللحظة المتخيلة في تفاعل الشبكة الاتصالية الفردي التي تعيد تشكيل الوعي بالذات والهويات والأنا والآخر والـ"نحن"، وتعيد تشكيل مفاهيم الزمن والمكان بدون محتوى اجتماعي تفاعلي كما عرفته البشرية، وتعيد تشكيل حدود الخاص والعام وتهدد مفهوم المواطنة في كل تصوراته السابقة؟
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1172571486655&pagename=Zone-Arabic-ArtCulture%2FACALayout
Tuesday, May 13, 2008
في معني العدالة ذات الأضلاع الخمسة
يتهم الأكاديميون والمثقفون عامة بأنهم يميلون إلي تعقيد الكلمات والمصلحات لإضفاء شيء من الغموض علي ما يكتبون وبالتالي يدعون لأنفسهم مكانة أعلي لانهم يقولون »كلام كبير« والحقيقة أنه اتهام فيه الكثير من الصدق بالذات عند اولئك الذين يرون ان الكلمات الصعبة والغامضة تجعل الآخرين يعزفون عن تحديهم ومناقشتهم في أفكارهم وهو إجمالا مؤشر ضعف وليس مؤشر ثقة ورغبة في التواصل مع الآخرين، فأعقد الكلمات والمصطلحات والافكار يمكن، بل يجب ان تبسط بما يجعلها قابلة للفهم والاستيعاب من أكبر عدد ممكن من الناس.
ودعوني أشير الي حقيقة المقالات التي كتبها ثلاثة من كبار الآباء المؤسسين للولايات المتحدة تحت عنوان »الاوراق الفيدرالية« في اواخر القرن التاسع عشر حتي يضمنوا من ناحية تأييدا للتصويت علي الدستور الامريكي ويقدموا الخلفية الثقافية والفكرية للدستور الامريكي. والمثير للتأمل ان هذه المقالات نشرت في الصحف وقرأها الانسان العادي في مستعمرات امريكا الشمالية واثرت فيهم وفي النهاية صوتوا لصالح الدستور الامريكي، لكنها تميزت بعمق شديد وبتحديد واضح للمصالح المباشرة التي ستعود علي الانسان الامريكي حين يصوت لصالح الدستور في صيغته الفيدرالية. ولا أتصور ان جموع المصريين في عام 2008 أقل قدرة علي استيعاب حقوقهم والتزاماتهم مما كان عليه ساكنو المستعمرات البريطانية في امريكا الشمالية عام 1787 لكن المعضلة ان قيادات هذه المستعمرات كانت راغبة في بناء دولة حديثة تحكم المواطنين بصناعة القوانين، لكنها اول من يلتزم بها وفي ذات الوقت تضع نفسها تحت تصرف المواطنين حين يختارون من يحكمهم اما بالاستمرار وإما الرحيل. وهو قطعا ما ليس عليه حال القيادات الحاكمة في مصر في مطلع القرن الواحد والعشرين، وهو جوهر الفرق بين النخب الاصلاحية والنخب الاقطاعية، ومع ذلك يظل من واجب كل صاحب رأي ان يبصر القادرين والراغبين من ابناء الوطن علي القيم الاساسية التي ينبغي ان تشكل اساس الحكم الصالح.
ولنأخذ مثالا آخر من واقعنا المصري والعربي بشأن مفهوم شديد التعقيد، لكنه ينبغي ان يكون شديد التحديد اذا كنا جادين في بناء منظومة فكرية وثقافية قادرة علي تغيير واقعنا لما هو افضل. والمفهوم موضع النقاش هو مفهوم »العدل« و»العدالة«.
فالمساواة اول مكونات العدالة، فلا عدل الا ان يتساوي الناس ابتداء كأسنان المشط علي اساس حقوقهم القانونية والسياسية بغض النظر عن خصائصهم التي ولدوا بها كالنوع ذكر او انثي او الديانة او العائلة او القبيلة التي ينتمون اليها، والمساواة هنا تعني مساواة في الحقوق والاساسية والحريات العامة ومقومات الحياة وكذلك في الالتزام بالواجبات كما يفرضها الدستور والقانون، فلا مجاملة لحزب علي حساب آخر، ولا لمواطن علي حساب مواطن آخر.
بيد ان العدالة القائمة علي المساواة وحدها هي عدالة عمياء يمكن ان تعني عين الظلم اذا لم تأخذ في اعتبارها مكونين آخرين وهما:
التمايز بين الافراد وفقا للاحتياجات، فالفقير حتي يستغني والضعيف حتي يقوي والجاهل حتي يتعلم والمريض حتي يتعافي يستحقون معاملة خاصة، لما لحق بهم من عارض يجعلهم غير قادرين علي النهوض بأعباء أنفسهم، فمن المنطقي ان يطبق مبدأ المساواة علي الجميع في طابور الوصول للطبيب، لكن مرضي الحالات الحرجة لهم اولوية علي غيرهم لأن هناك أمراضا تهدد حياة الناس، والمساواة في هذه الحالة تعني الظلم بعينه.
أما المكون الآخر فيقتضي التمايز بين الافراد علي اساس المواهب والقدرات، فالناس بحق درجات ومعادن منهم المجتهد وصاحب البصيرة ومنهم اهل الدعة والسكون »وهل يستويان مثلاً« ولو اردنا بتبسيط المخل ان نفهم سبب انهيار التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي فيمكن ان نزعم انها ارتبطت بمساواة معيبة سعت بأن تساوي بين الجميع بغض النظر عن الكفاءة والاجتهاد، فأصبح اجتهاد المجتهد غير ذي جدوي، فالرغبة في التمييز والتقدير من الآخرين ماديا ومعنويا تقف علي النقيض من المساواة بين غير المتساوين.
وعليه فأي عدالة لابد ان تعني اخذ تفاوت الناس في احتياجاتهم وفي قدراتهم وإلا أدت الي الظلم دون ان نقصد.
وحتي توضع المعاني الثلاثة السابقة موضع التنفيذ، لابد من ضامنين:
أولاً: ان يترجم القانون كل ما سبق علي نحو واضح وصريح في قواعده العامة والمجردة بحيث تكون مساحة إساءة تفسير مبادئ العدالة الثلاثة في اضيق هامش ممكن.
وثانيا: ان يتاح للجميع الحق في التقاضي، أي اللجوء للقضاء المستقل والنزيه والسريع اذا ما اعتقدوا ان ايا مما سبق من مكونات قد أسيء استخدامه علي نحو يقتضي رفع الظلم الناتج، فتطبيق القانون يمكن ألا يكون علي اساس من النزاهة او حسن استيعاب القانون بما يجعل القضاء النزيه والمستقل عن أهواء المتقاضين ضرورة حتمية.
http://www.alwafd.org/v4/News/NewsDetail.php?id=1552&type=openion
Monday, May 5, 2008
الشروط الستة لنهضة الوطن
د. معتز بالله عبد الفتاح
يضع د. معتز بالله عبدالفتاح - أستاذ العلوم السياسية المساعد بجامعة القاهرة - شروطا ستة من شأنها دفع المجتمع إلي تحقيق النهضة التي طالما نصبو إليها. وحسب الكاتب فإن شروط النهضة هذه تكمن في "حسن بناء وإدارة المؤسسات" التي تتمتع باستقلالية واضحة عن السلطة التنفيذية، فضلا عن تفعيل الدور الرقابي حول أداء هذه المؤسسات.
أنتمي لمدرسة في التحليل السياسي تعطي أهمية كبيرة
لحسن بناء وإدارة المؤسسات في تغيير الثقافة السائدة في المجتمع؛ فتصورات المواطنين عن مجتمعهم ودورهم فيه يزيد وينقص بقدر ثقة المواطنين في قدرة مؤسسات الدولة علي أن تنهض بمسئولياتها وأن تضمن لهم صوتا مسموعا وحقوقا مشروعة. وأتصور أن النخبة الإصلاحية التي ستحكم مصر في مرحلة ما بعد الرئيس مبارك ستجد نفسها مطالبة ببناء واحترام القواعد الحاكمة لمؤسسات ست تتسم جميعها بالاستقلال والمهنية. وهذه المؤسسات الست هي:
1- بنك مركزي مستقل يعمل علي الاستقرار النقدي والاقتصادي ويخضع في ذات الوقت لرقابة صارمة من البرلمان لأنه المسيطر علي قرارات ترتبط بتدفق الأموال المتاحة للاستثمار والاستهلاك من خلال أداتي سعر الفائدة وسعر إعادة الخصم، فضلا عن أنه القابض علي الاحتياطي النقدي وأموال الحكومة وإصدار البنكنوت فضلا عن أن فساد القائمين عليه يجعله بابا دوارا لأموال الفساد بتحويلها للخارج. ويحسب للرئيس مبارك من ناحية وللقيادة الحالية للبنك المركزي أنها أدارت شئون مصر النقدية بكفاءة ملحوظة علي مستويات عدة.
2- قضاء مستقل عن السلطة التنفيذية سواء بتدخلها المباشر عن طريق التعيين أو بمحاولة الإغواء بالمنح والمنع، لأن القضاء المشكوك في نزاهته يعني انهيار القانون وشيوع الفساد. وبدلا من تعديل كل هذه المواد من الدستور، كان من الأهم تعديل المادة 93 من الدستور الخاصة بحق مجلس الشعب في الفصل في صحة عضوية أعضائه بعد الاطلاع علي تقارير محكمة النقض بما يجعل من المجلس خصما وحكما في صحة العضوية علي نحو يتيح للأغلبية الحق في التخلص من القوي النابضة في المعارضة ومن ثم تدجين الكثير من العناصر التي لها حصانة برلمانية بحكم المنصب وفقا للدستور. فلو كان حكم القضاء وحده يكفي في التخلص من المزورين، لكان لدينا برلمان يعبر حقيقة عن إرادة النخابين. ولا يكفي، والأمر كذلك، أن يعلن رئيس الدولة احترامه لاستقلال القضاء، لأنه كم من أمور يعلنها الرئيس وتضرب بها الحكومة عرض الحائط فيما يبدو وكأنه توزيع أدوار بين الرئيس الذي يقول ويعد وجهازه التنفيذي الذي يعرف أنه ليس كل ما يعلنه الرئيس يعني التنفيذ.
3- وجود وسائل إعلام وصحافة مستقلة ومهنية لأنها الضامن لتدفق المعلومات الدقيقة والأفكار الجديدة في المجتمع. إن تاريخ المؤسسات الإعلامية والصحفية المملوكة للدولة في كل دول العالم المتخلفة يؤكد أنها الأقل قدرة علي فضح الاستبداد وانتهاكات حقوق الإنسان والأكثر استعدادا للمبالغة في الإنجاز والاستبسال في الدفاع عن تحالف السلطة والثروة والإكراه المفضي إلي الفساد. ورغما عن أن مصر شهدت في عهد الرئيس مبارك مساحة واسعة نسبيا مقارنة بالسابقين عليه، لكن يبدو أنها تتراجع الآن بحكم وصولنا إلي خريف الحكم وتصاعد المطالب الفئوية الاقتصادية والسياسية لشرائح مختلفة من المواطنين.
4- إنشاء لجنة انتخابية مستقلة ومحصنة ونافذة تشرف علي العملية الانتخابية من بدايتها وحتي نهايتها. ولكل صفة من الصفات الثلاث معني يستحق التأمل، فهي مستقلة بحكم القانون عن أي حزب أو جهة أعلي منها، وهي محصنة من التدخلات السياسية لمن هم في موقع السلطة وهي نافذة أي قادرة علي اتخاذ قرارات تصل إلي حد إلغاء الانتخابات إن كان فيها شبهة تزوير أو بيع أو شراء. ويكون عادة القضاة المنتخبون هم الأفضل للقيام بهذه المهام. وهو تحد يتطلب رغبة أكيدة في بناء دولة يكون فيها القانون فوق أشخاص الدولة بعيدا عن الشللية والمحسوبية ومحاباة من بيدهم المال والسلطان.
5- جهاز خدمة إداري مدني يقوم بدوره في تنفيذ السياسة العامة للدولة علي أساس من الكفاية والكفاءة. والمقصود بالكفاية أن يكون موظفو الدولة في وضع اقتصادي يسمح لهم باحترام القوانين والسهر علي تنفيذها دون الحاجة للرشاوي والإكراميات مع تغليظ العقوبة لأقصي درجة ممكنة بحيث تعود للموظف العام مكانته ودوره الأصيل في خدمة المجتمع وتنفيذ السياسة العامة للدولة. أما الكفاءة فهي مسألة تدريب وتأهيل مع استعداد لتبني نموذج ساعات العمل الممتدة ليلا وفي الإجازات بما يساعد علي الاستفادة من الطاقة العاطلة من الموظفين. وهو ما لايبدو أن الدولة المصرية في تاريخنا هذا قد أنجزته وبما يضع عبئا ضخما علي نخبة المستقبل لمواجهته.
6- الاستقلال المهني لأجهزة القمع المشروع (القوات المسلحة والشرطة): فلا ينبغي أن يكون في الدولة إلا جيش واحد وجهاز شرطة واحد ولا مجال لأي قوي مسلحة أخري داخل حدود الدولة. ويحسب للرئيس مبارك أنه حقق درجة عالية من مهنية القوات المسلحة المصرية بحيث تبتعد عن أي دور سياسي مباشر كمؤسسة، بيد أن هذا الأمر لا ينطبق علي الإطلاق علي الشرطة المصرية التي تمارس دورا سياسيا متصاعدا في تأمين استمرار الحزب الوطني في الحكم سواء بمنع الناخبين من التصويت في الانتخابات أو المرشحين المعارضين من استكمال عمليات الترشيح أو اعتقال المعارضين الذين يخرجون عن نطاق "الكلام" إلي نطاق الفعل بما جعل البعض يتحدث عن عودة "الدولة البوليسية" التي كنا نظن أننا ودعناها.
إن دولا مثل غانا والسنغال وبوليفيا، ولن أقول ماليزيا أو كوريا الجنوبية أو البرازيل، قد نجحت في بناء هذه المؤسسات. وسيأتي يوم تحقق فيه مصر استقلالها الثاني، بعد أن استقلت من الاستعمار الخارجي، بأن تحقق استقلال هذه المؤسسات ومهنيتها كخطوات جادة في بناء دولة عصرية. وسيأتي هذا اليوم أسرع، حين يضطلع كل منا بواجبه بحرص أكيد علي مصلحة هذا الوطن. وأكرر مقولة أفلاطون: "إن من يعزف عن المشاركة في الحياة السياسية، فسيعاقب بأن يحكم بمن هم دونه، ومن لا يراعون مصالحه." وإلي غد أفضل يا أهل مصر