Tuesday, May 20, 2008

الدعاه الجدد .. أين أصابوا وأين أخطأوا؟

بقلم د. معتز بالله عبدالفتاح

شاع وسيزداد شيوع القنوات الفضائية المتخصصة في الدين بما ينتج خطاباً جديداً ومختلفاً عن النمط الذي كان شائعاً، سواء من قبل علماء المؤسسات الرسمية أو من قبل نشطاء الجماعات الإسلامية. وباستقراء كيف يتفاعل المتعرضون لهذا الخطاب معه يتبين أن هؤلاء الدعاة قد ساهموا في علاج ثلاثة مشاكل لكنهم في المقابل كان خطابهم أشبه بالدواء الذي له ثلاثة أعراض جانبية، فيما يتعلق بالنجاحات، فهناك:

- أولاً تجديد الهوية الإسلامية عند الشباب: لقد نجح الدعاة الجدد لحد بعيد في إعادة الاعتبار للهوية العربية الإسلامية عند قطاع كبير من مستمعيهم في زمن من السهل للغاية أن يفقد الإنسان العربي المسلم اعتزازه بهذه الهوية. فهذا زمن يندر أن يجد فيه العربي المسلم ما يفتخر به من إنجازات، فمن هزائم عسكرية وخلافات سياسية وإهانات إلي مئات الأنواع من السلع والمنتجات الغربية والشرقية التي نستهلكها ولم نسهم في إنتاجها يجد الإنسان نفسه علي استعداد ذهني لأن يفكر بهويته، بل وأن يحملها مسئولية تخلفه. فانظر إلي هذا الكم المهول من أسماء السلع الأجنبية التي نستهلكها »نوكيا، وسامسونج، ودل، وآي بي أم، وناشيونال، وكيا، وهيواندي وهوندا، ومرسيدس، وأديدس، وماكدونالدز... وغيرها«، في كل شئون الحياة من المأكل للمشرب للكمبيوتر للتليفون للسيارة، لتكتشف أن اعتزاز الإنسان بهويته مهمة صعبة، ولكن لا شك أن الخطاب الديني الجديد قد أبلي بلاء حسناً في هذا المقام.

- ثانياً: إعادة الاعتبار للشأن العام في عقل قطاع واسع من الشباب المسلم: لقد نجح الدعاة الجدد لحد بعيد في التأكيد علي الوظيفة الاجتماعية للدين مثل مشاكل الأسرة وتربية الأولاد ومواجهة المخدرات ودعم ثقافة التطوع في مشروعات خيرية وهي كلها أفكار تؤكد أن الدين ليس مجرد دروشة وشعائر بلا دور في إصلاح شئون المجتمع.

- ثالثاً كشف سوءات مؤسسات التنشئة الأخري في المجتمع: نجح خطاب الدعاة الجدد في كشف سوءات وعيوب مؤسسات التنشئة الاجتماعية الأخري في البيت والمدرسة والجامعة والأهم في المسجد في الإجابة عن الأسئلة الأخلاقية والدينية التي يحتاجها الشباب المسلم. ونجاح هذا الخطاب يعني أن الأسرة والمدرسين وأساتذة الجامعات والمشايخ التقليديين قد تخلوا عن أدوارهم في التربية والقدوة وبناء الشخصية العربية المسلم، فكان الدور علي دعاة الفضائيات أن يملأوا الفراغ الضخم الذي خلقته مؤسسات التنشئة المذكورة. وهو ما لا يعابون عليه، لكن هذا الخطاب الجديد خلق ثلاث مشاكل أقرب إلي أعراض جانبية.

* أولاً مشكلة الخطاب الديني الانتقائي: فهو أولاً منهج غير علمي في التعامل مع الماضي. فعلم التاريخ له مناهجه المنضبطة في فهم الظاهرة التاريخية وربط الحوادث واستخلاص العبر والفوائد، لكن خطاب الدعاة الجدد لا يستخدم منهجاً علمياً، بل العكس، فهو خطاب انتقائي بما يتناسب مع الغرض المطلوب منه، وهو رفع إحساس المستمع بالعزة والفخر بدينه، وهو ما يأتي علي حساب العقلية الناقدة التي نحن بحاجة إليها بشدة. فالماضي منطقة آمنة لمن يلجأ إليه، دون أن يلتزم المنهج العلمي في التعامل معه، فعند الحديث عن التراث، يتجه الكثير من الدعاة الجدد إلي خلق صورة مثالية عن الأقدمين علي نحو يجعلنا نفقد القدرة علي تمييز مساحات هائلة من الأخطاء والمشاكل التي انعكست في النهاية سلباً في شكل عقود عجاف عاشتها الأمة الإسلامية، كان فيها الكثير من الحروب والمؤامرات الداخلية والاستبداد والظلم الاجتماعي والسياسي بما أفضي إلي هزائم لا يمكن تبرئة السابقين من مسئوليتهم عنها. وعلي هذا يكون نتاج هذا الخطاب مفارقة الاعتزاز بالماضي وإعادة إنتاج العقلية المستعدة لارتكاب كل أخطائه، لأن هذا الخطاب ليس أميناً في نقل الماضي واستيعاب أخطاء أجدادنا فيه ويجعل من الصعب الإجابة علي سؤال: »إذا كنا متدينين، فلماذا متخلفون؟«.

* ثانياً مشكلة التدين النافي للعلم والفلسفة: لا أتصور أن بناء ضخماً يمكن أن يشيد بالرمل دون الحديد والأسمنت، ولا أتصور تقدماً أو نهضة يمكن أن تنبني علي مظاهر دون أن نلتزم بروح الدين التي تضع علينا مسئولية السعي والكد واستعمار الأرض. ولكن ما بدا واضحاً أن الخطاب الديني الجديد لم يقم بما يكفي للتأكيد علي أهمية العلم والتعليم.، بل بدي الأمر كما لو أن الخطاب الديني التبسيطي هو استمرار لنفس منطق الدروس الخصوصية في المنزل، بدلاً من المراجع العلمية في المكتبة، المذكرات وتوقعات الامتحان بدلاً من السعي والاجتهاد من أجل التميز والتفوق، فأصبح التدين عند الكثير من الشباب أداة تعويض عن الإخفاق التعليمي والثقافة العامة، في حين أن الدين نفسه هو الذي طالبنا بأن نتعلم من تجارب الآخرين، وأن نستفيد من خبراتهم. فلنقرأ في الدين وفي قصص الصحابة العظام، لكننا مطالبون بأن نعرف كيف نجحت إسرائيل ولماذا أخفقنا، لماذا إنتاجية العامل في الغرب والشرق أعلي منها في بلداننا. إن التدين غير المفضي إلي العلم والفلسفة، يخلق شخصية فيها الكثير من الحيرة، فبدون العلم والفلسفة فإننا نقول للعالم: »أنا عريان، لكن أجدادي هم الذين اخترعوا الملابس«، »أنا لا اقرأ، لكن أجدادي ألفوا مئات الكتب في كل المجالات«.

* ثالثاً مشكلة الخطاب الديني منزوع السياسة: مفيد للغاية أن يعيد الخطاب الديني الجديد اهتمام الناس بقضايا الأمة، لكن أغلب مشاكل هذه الأمة لها بعد سياسي دون أن يعني ذلك التحزب أو الانتماء لتنظيم سياسي بعينه، فإذا كان بعض الدعاة حريصين علي التأكيد أن سرقة الدش حرام، فماذا عن سرقة الانتخابات والعزوف عن المشاركة فيها؟ فكم من هؤلاء المتدينين، لديهم بطاقة انتخابية ويذهبون لاختيار من يحكمهم أو يمثلهم في البرلمانات؟!. إنما لا أتوقع منهم أن يطلبوا من الشباب أن يعطوا أصواتهم في اتجاه دون آخر، ولكن السكوت عن واجب المسلم السياسي يهمشه، ولا أعرف نهضة حقيقية يمكن أن تتحقق في ظل غيبوبة سياسية كالتي نعيشها الآن ويساهم فيها الخطاب الديني بباع طويل بتركيزه علي أمور العلم بها لا ينفع والجهل بها لا يضر، لكن يبدو أنهم اختاروا المنطقة الآمنة بعيداً عن بطش الساسة.

فمادام الخطاب الديني الجديد قد »سرق الجو« من أصحاب الرأي والفكر والعلم في المجالات الأخري، فعلي الدعاة أن يعلموا أن مسئوليتهم كبيرة وأنهم محاسبون ليس فقط علي ما يقولون ولكن كذلك علي ما يتجاهلون، »ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا«.

No comments: